ثغرة صغيرة في جدار يتمدّد

16 نوفمبر 2015
ياسر رستم / مصر (مقطع من لوحة)
+ الخط -

يبدو مجرّد الحديث عن فكرة إلغاء السجون في عالمنا المعاصر، أو طرح بدائل ممكنة لفعلَي الحبس والعزل بحقّ الأفراد والمجموعات، أضغاث أحلام لا يُمكن أخذها بجدية.

ففي ظلّ ما تعيشه المنطقة من أزمات تتعلّق بغياب الحقوق الأساسية للمواطن، كحرية الحركة والتعبير والاحتجاج، سيكون الأمر، ليس فقط مجرّد تصوّر يستحيل حدوثه في عالمنا العربي، بل أقرب إلى الحكايات الخرافية منه إلى تصوّرات تبلورها حركات واقعية وناشطة على الأرض.

هذا الاستخفاف والاتهام بالمثالية والطوباوية، لم يمنع الناشطة السياسية والباحثة الأميركية أنجيلا ديفيس، من تأليف كتابها الذي جاء عنوانه في صيغة تساؤل: "هل عفا الزمن على السجون؟"، وربما هو الأمر نفسه الذي حدا بـ "مركز الصورة المعاصرة" في القاهرة إلى تنظيم مجموعة قراءة بعنوان "ثغرة أخرى في الجدار- نصوص ضد منظومة السجون".

تقوم فكرة المبادرة على دعوة مجموعة من المهتمّين بالنصوص التي تتناول فكرة إلغاء السجون للالتحاق بالجلسات، تستمر فعالياتها لستة أسابيع، لمناقشة كتابات ديفيس وسِير ذاتية ونصوص من الحركة الأناركية والتاريخ النقدي وعلم الاجتماع.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يشرح مسؤول مكتبة المركز، حسين الحاج، أسباب اختيار كتاب ديفيس كمحرّك أساسي لباقي القراءات "كلّ ما أردنا مناقشته من موضوعات تتصّل بالسجن كمؤسّسة عقابية تطرحه ديفيس في كتابها، بدءاً بفكرة الإلغاء نفسها، والبدائل الممكنة للحبس وعلاقة المؤسّسات العقابية بالاقتصاد، وصولاً إلى أسئلة الحبس والجنسانية".

تأتي "مجموعة القراءة" كحدث مصاحب لمعرض "تحية لمن سألوا عني" المُقام في المركز، والذي يتناول ستّة أعمال عن روايات وتجارب بعض من حُبسوا داخل السجون، كما يحاول تقديم تحليل نقدي لكيفية استخدام النظم السياسية لأدوات عزل الأفراد والجماعات عن محيطهم الاجتماعي.

كان ميشيل فوكو من أوائل الذين تناولوا دور المؤسّسات العقابية في الضبط الاجتماعي، في كتابه "المراقبة والمعاقبة.. ولادة السجن"، حيث بحث في الاختلاف الكامن بين سجون القرون الوسطى وتلك التي استُحدثت في القرن التاسع عشر.

أدى التصميم الجديد للسجون إلى بسط عين الدولة على محبوسيها، ليصل إلى ما أسماه "تكنولوجيا الانضباط"؛ حيث النظام العقابي والرقابي ينسحب على المؤسّسات الاجتماعية للدولة؛ مثل المدارس والمؤسّسات الصحية وأماكن العمل، بغرض إخضاع المستفيدين منها إلى سلطة الدولة.

انطلاقاً من أطروحات فوكو، ستناقش المجموعة، من خلال الكتابات المختلفة، الطرق التي أصبح بها الحبس الجماعي منهجاً في التعامل مع المواطنين غير المرغوب فيهم، والآثار النفسية الناتجة عن تجربة الحبس، واتخاذ العزل كوسيلة قسرية للسيطرة على المعارضين وإخضاعهم جسدياً ونفسياً.

الأمر وثيق الصلة بما يحدث في مصر الآن، مع أحكام الحبس الجماعية واعتماد آلية الحبس الاحتياطي المتجدّد كوسيلة عقاب وردع، وهو الأمر الذي لم يغب عن بال منظّمي المجموعة التي تُؤكّد، عبر صفحتها على فيسبوك، أنها "تتطلّع، من خلال مناقشة النصوص بصورة جماعية، إلى مساءلة صلة الكتابات المختارة بالسياق المحلي وإيجاد كتابات تلائم خصوصيتنا المكانية والزمنية".

معظم ما ستتم قراءته في المجموعة كتابات بالإنجليزية، وهو ما يبرّره الحاج بـ "ندرة الكتابات العربية في المجال المتعلّق بالأفكار التي تدور حول إلغاء السجون وتقديم بدائل لها، فضلاً عن وجود ترجمات عربية لما هو مكتوب بالإنجليزية". لكن الحاج لا ينقصه التفاؤل في ما يخص هذا الأمر، إذ ترجم المنظّمون بعض ما لديهم من كتابات بالإنجليزية. يقول "لدينا أمل في أن تنجز المجموعة من خلال المشاركين فيها بعض الترجمات إلى العربية".


اقرأ أيضاً: يوسف رخا: رواية خارجة عن القائمة القصيرة

المساهمون