تَعثّر التعليم مع التطرف..!

25 يونيو 2014
+ الخط -

وصفَ وزير التعليم السعودي الجديد، الأمير خالد الفيصل، المؤسّسة التعليميّة في بلاده، بأنها كانت مختطفة من الجماعات الدينية المتشدّدة، في السنوات الماضية. وأنه تمّ رصد ميزانية ضخمة بقيمة 80 مليار ريال، أي أكثر من 21 مليار دولار، باسم مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، محاولة لإنقاذ التعليم، وحلقة جديدة من مسلسل الإنقاذ للتعليم. فكل وزير جديد يعلن عن مشروع تطويري، يخصص عبره ميزانية تصل إلى عشرات المليارات، وتأتي مصحوبة بحملة إعلامية ضخمة، لكن النتيجة تكون، أننا لا نلمس التغيرات التي ننتظرها طويلاً.

التعليم في السعودية يحتلّ مرتبة متدنّية، حسب التصنيف الدولي للتعليم؛ فقد احتلت السعودية أحد المراكز الثلاثة الأخيرة عالميّاً في الرياضيات، والمراكز السبعة الأخيرة في العلوم، حسب تقرير مركز ماكينزي. وعلى الرغم من تخصيص 25 % من ميزانية الدولة العامة للتعليم، إلّا أن هذه المؤسسة لم تستطع إنشاء مطبعة خاصة لطباعة الكتب، وما زالت هناك مدارس في بيوت مستأجرة، لا تشبه إلا علبة الكبريت، وتفتقد البيئة التعليمية المناسبة والتجهيزات المطلوبة، بالإضافة إلى عدم وجود روضات أطفال رسمية، حتى الآن.

عفواً سموّ الأمير؛ التعليم المختطف، كما قلتَ، هو مؤسسة من جملة مؤسسات الوطن المختطفة؛ وللأسف، اختلطت على رجال السلطة، هوية المسؤول الحقيقي عن اختطاف الوطن، وضياع حقوق المواطنين، وفشل مؤسساتنا في القيام بالدور المنتظر منها. في الواقع، الأسباب الرئيسة عن انتشار الفساد في المؤسسات الرسمية، واضحة للعيان، لا تحتاج إلى تدقيق وخبرة وتطبيل إعلامي، ولا تحتاج إلى تقديم كبش صغير، مثل جماعة الإخوان المسلمين، أو التيار المتشدّد، فداءً وغطاءً لفساد الفاسدين. ومن الغريب أنّ الحكومة السعودية تنتبه، بعد هذه المدة الطويلة، وتصحو، ويعلن الوزير، الأمير خالد الفيصل، أنّ التعليم طوال السنوات الماضية مختطف، ويطبل الإعلام وتتحرك الأقلام في الصحف المحلية، لتقدّم الثناء للأمير الشجاع الذي قال: "كان المجال بأكمله لهم "للمتشددين"، ولم يكن هناك مجال للفكر السعودي المعتدل ومنهج الاعتدال.

أليس الفكر الذي يدرس في المدارس، هو الفكر السعودي الأصيل، الذي تتبناه السلطة وتدافع عنه؟ أليس من تصفهم بالمتشددين، هم شركاء مع الأسرة الحاكمة في السلطة، ضمن تفاهم يقول إن المؤسسات الدينية والتعليمية في الدولة تكون لعبة في يد هذا التيار؟ أليست السلطة هي التي سلّمت المؤسسة التعليمية لمَن يتمّ وصفهم اليوم بالمتشددين والمخربين؟ فلماذا الآن الإعلان عن اكتشاف اختطاف المؤسسة التعليمية، هل هي محاولة من بعضهم لتجاوز الفشل الذريع في إدارة المؤسسات الوطنية، مثل التعليم، إلى تحميل مسؤولية الفشل إلى المسؤول الصغير، وهو التيار الديني المتشدد فقط.
عفواً سموّ الأمير؛ فالمسؤولية تقع على السلطة التي تدير الوطن، والتي كانت راضية عن أداء المؤسسة التعليمية طوال السنوات الماضية، وترفض أيّ انتقاد لتلك المؤسسة، وترفض إصلاحها، بل يتم التشكيك والتخوين لكل مواطنٍ مخلص، يطالب بإصلاح التعليم، وتنقيته من الفكر المتشدّد، ومن منهجية التكفير لفئات من المواطنين.

عذراً سموّ الأمير؛ مؤسساتنا مختطفة منذ عقود، التعليم مختطف، والصحة مسلوبة، والإسكان عاجز، حيث الأراضي الشاسعة مهدورة، باسم التشبيك والمنح الخاصة، والاعتداء على البيئة والسواحل البحرية وافر، هذا من دون نسيان حرمان المواطنين من حقوقهم في الثروة الوطنية، بسبب غياب العدالة والمساواة. أمّا دور الإعلام الرسميّ فهو شريك في عملية الاختطاف، وتلميع سمعة الخاطفين والفاسدين وخداع المواطنين.
عفواً سموّ الأمير؛ ليس التعليم فقط مختطفاً، بل جوانب عديدة في حياتنا أيضاً، وقد حان الوقت للتحرير من الاختطاف القسري، ليعيش كل مواطن حياة كريمة في وطنه، ولينعم جميع المواطنين بالعدالة والحرية، والتوزيع العادل للثروة، والتعبير عن الرأي، والشراكة الوطنية، عبر اختيار الدستور والنظام والحاكم، وتوفر حقّ انتخاب مجلس تشريعي له كامل الصلاحيات التشريعية والتمثيلية للشعب، ومنها محاسبة المسؤول إذا أخطأ.

avata
avata
علي آل غراش (العراق)
علي آل غراش (العراق)