تونس.. نحو ديمقراطيّة عرجاء

17 سبتمبر 2014

مركز تسجيل للانتخابات التونسية (23يونيو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تتّجه تونس، مرّة أخرى، نحو انتخابات برلمانيّة نهاية الشهر المقبل، تليها انتخابات رئاسيّة، هي الأولى منذ زوال حكم المخلوع زين العابدين بن علي، وهي الأكثر تشويقاً، لأنّ الحملات الانتخابيّة للوصول إلى البرلمان لن تأتي بجديد يذكر. فالأحزاب التي تنافست، وستتنافس ثانية، متّجهة إلى تكرار الوعود نفسها، المنتظرة أو المؤجّلة أو الكاذبة، والتي يعرفها الناخبون جيّدا، فكلّها تتحدّث عن الغد الأفضل والإصلاحات العاجلة التي ستمنح العيش الكريم للمواطنين. وفوق ذلك، سنسمع بالتأكيد ما يثبت عزم المرشّحين على محاربة الإرهاب الذي تسلّل إلينا (بقدرة قادر) من بلدان الجوار، حيث النزاعات المسلّحة مستمرّة بوتيرة مخيفة.

وبناء عليه، تعرف عقول التونسيّين ما ينتظرها من أحزاب "لا تَصلُح ولا تُصلِح"، كما كان يقول الرئيس المرزوقي عن الأنظمة العربيّة الفاشلة، عندما كان معارِضا مُطارَدا، وذلك مؤذن بعزوف الناخبين الذين أدركوا حجم الخديعة في الانتخابات السابقة، وما تبعها من المعارك الجانبيّة التي عطّلت كلّ السياسات الهادفة إلى إخراج البلاد من حالة الركود الاقتصاديّ، بعد ثورة عنوانها الأبرز التشغيل ومحاربة الفساد. وضرر ذلك العزوف نافع بالضرورة للأحزاب التي لها قاعدة شعبيّة منضبطة، وفي مقدمتها حركة النهضة التي تتحدّث عن رصيد بنصف مليون صوت مضمون لصالحها، حسب المعطيات المتوفّرة لديها. وبذلك الرصيد، تستطيع الفوز بفارق كبير، يدعمه تشتّت الأصوات (المعادية) على الأحزاب الكثيرة التي تعارضها.

وتستثمر حركة النهضة في خطابها الترويجيّ الجديد "خروجها من الحكم من دون خشية من الملاحقة، على خلفيّة فساد أو استغلال نفوذ أو سوء تصرّف"، ما يثبت للتونسيّين "نظافة الأيدي التي تعاهدهم من جديد على إرساء ديمقراطيّة ثابتة وإصلاح عميق لمؤسّسات الدولة... واستكمال استحقاقات ثورة الحريّة والكرامة". وهي، بذلك، ترغب بجدّ في العودة إلى السلطة التي تركتها قبل أشهر "مراعاة لمصلحة البلاد"، كما تقول، فهل ضمنت هذه المرّة الظروف التي ستمكّنها من الاستقرار في الحكم لتنفيذ ما تعد به، أم أنّ ذلك سيعرّضها من جديد لمواجهات مزلزلة مع القوى التي دأبت على معارضتها ومحاربتها، في وسائل الإعلام، ومن خلال نقابات العمّال؟

الجواب عن السؤال مؤجّل، بالضرورة، إلى حين تحديد شخصيّة المرشّح التوافقيّ الذي ستزكّيه حركة النهضة، وتوجّه قواعدها لانتخابه. وقد هرول عشرات من السياسيّين والصحفيّين والفنّانين والحقوقيّين لتقديم ترشّحاتهم، والكلّ يرى في نفسه الجدارة التي لا يراها في غيره، وبعضهم يتمنّى أن يحظى بصفة المرشّح التوافقيّ الموعودة. ومن الأسماء التي ظهرت في بالونات الاختبار المهدي جمعة رئيس الحكومة الحاليّة، وكمال مرجان الذي عمل مع بن علي وزيراً للخارجيّة، وتصفه دوائر برجل أميركا، ومصطفى بن جعفر المقرّب من فرنسا، والمنصف المرزوقي الرئيس الحاليّ. ولعلّهم، ولعلّ مرشّحين غيرهم في انتظار التزكية الثمينة التي ستعلن، على الأرجح، بعد الانتخابات التشريعيّة بمنطق الصفقات المهمّة. فلا يمكن أن تنجح الصفقة إلاّ بدفع الثمن المناسب. وهكذا يُقدّمُ للتونسيّين وللعالم العربيّ نموذجٌ فريد للديمقراطيّة، ديمقراطيّة عرجاء تتقاسم فيها حركة النهضة الحكم بالشراكة والتوافق مع رئيس من "الأزلام"، أو قريب منهم بإملاء خارجيّ قد يبرّر لاحقاً بالتناصح، لا بالتخابر (والدين النصيحة)..."وعسى أن تكرهوا شيئاً، وهو خير لكم" أيّها التونسيّون، فرُبّ ديمقراطيّة عرجاء أفضل من انقلاب دمويّ، أو حرب أهليّة، أو داعش ومدعوش!

وقياساً على مغامرتها السابقة في مواقع القرار، ستكون حركة النهضة في حلّ من اللوم والعتاب، بعد تجربة مريرة أثبتت لها الحاجة إلى عصا تتوكّأ عليها، وتهشّ بها على معارضيها، والله أعلم بالمآرب الأخرى.

42AEC1D7-8F5A-4B18-8A1C-9045C7C42C2B
عبد الرزاق قيراط

كاتب وباحث تونسي من مواليد 1965. من مؤلفاته كتاب "قالت لي الثورة" سنة 2011. وكتاب "أيامات الترويكا" سنة 2014. له مقالات متنوعة بصحف ومواقع عربية عديدة.