وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أكدت بعد الإعلان عن النتائج الأولية في 9 مايو/أيار الحالي، حاجتها إلى شهر لإعلان النتائج النهاية، ولتصبح بذلك سارية بعد انقضاء فترة الطعون والتقاضي، وبالتالي تنطلق البلديات الجديدة في العمل خلال الصيف. وتشهد الأحزاب والقوائم المستقلة الفائزة خلال الفترة الأخيرة نقاشات جانبية بهدف جس نبض مختلف الجهات لتحديد ملامح التحالفات الممكنة، رغم صعوبة الأمر بسبب تضارب المصالح وتعدد المنابع الفكرية والسياسية للفائزين وعدم وضوح الرؤيا بشأن القوائم المستقلة التي اكتسحت الانتخابات وقربها من بعض الأحزاب. وفي حين يتحدث البعض عن ضرورة التوافق، يقف الآخرون على الجهة المقابلة رافضين هذه الدعوات، بينما يعود العامل الأيديولوجي بوضوح لترتيب هذه التحالفات الممكنة على أساسه.
لكن المخاوف التي عبّر عنها التونسيون تتعلق بالقدرة على تفادي عدوى شلل البرلمان وإمكانية انتقالها إلى المجالس البلدية الجديدة، والتوجس من أن تشهد نفس البطء الذي يميز الحياة البرلمانية قي تونس بسبب الخلافات بين الأحزاب وحساباتها السياسية الطاغية على كل قانون ومشروع. غير أن الخطورة أكبر بالنسبة للمجالس البلدية بسبب ارتباط عملها بالتفاصيل اليومية للمواطنين من ناحية، ولأنها مع القانون الجديد ستصبح صاحبة القرار في أغلب المجالات المحلية، وانعكاس أدائها سيكون كبيراً على الأوضاع المحلية، وسيكون ذا تأثير كبير على صورة الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية العام المقبل، بما سيقود بالضرورة إلى تنافس غير نزيه بين الأحزاب، وربما إلى تعطيل متبادل ينتهي إلى تعطيل حياة الناس في نهاية الأمر.
بدوره، أكد المكتب التنفيذي لحركة النهضة، أخيراً، على "حرص الحزب على أن تتشكّل المجالس البلدية المقبلة على قاعدة الالتزام بتحقيق مصالح المواطنين وخدمة الجهات بعيداً عن التجاذبات السياسية، والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة". وأكد على "ضرورة أن تتوفر للمجالس البلدية المرتقبة مقوّمات النجاعة والتجانس والفاعلية في أداء المهام المنوطة بعهدتها، والوفاء بالآمال المعلقة عليها في التنمية وجودة الخدمات ورعاية مصالح المواطنين". كما لفت رئيس الحركة، راشد الغنوشي، إلى أن "التوافق سيستمر في المجالس البلدية، وأن القانون الانتخابي لا يسمح إلّا نادرا بأن يتحصل أي حزب على الأغلبية المطلقة في دائرة انتخابية"، مضيفاً في حديثٍ إذاعي بعيد الإعلان عن النتائج أن "البلديات هي أهم مجال لممارسة الديمقراطية، وأن مواصلة التوافق فيها تدريب للتونسيين على التعايش فيما بينهم، إذ يُمكِنهم ذلك من كيفية التعامل مع المختلفين عنهم".
لكن هذا الحديث يتعارض مع وجهة نظر الحليف/المنافس، "نداء تونس"، الذي أكد مديره التنفيذي، حافظ قائد السبسي، على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، أن "نداء تونس ستكون له الكلمة الفصل في انتخاب رؤساء البلديات، وأنه يبقى القوة الأساسية للمحافظة على التوازن السياسي والحزبي كما تؤكده النتائج الأولية". وأضاف السبسي الابن أن "نداء تونس لن يتحالف مع حركة النهضة في المجالس البلدية وأنه سيتحالف فقط مع الطيف الديمقراطي ممثلاً أساساً في القوائم المستقلة القريبة من ناحية توجهاتها من نداء تونس، وأيضاً من عدد من الأحزاب السياسية التي تشترك مع نداء تونس في جملة من الثوابت والأفكار".
أما نائب رئيس النهضة، علي العريض، فاعتبر أن "البيانات الحزبية الداعية لعدم التحالف بين حركتي النهضة ونداء تونس في المجالس البلدية متناقضة". وأضاف في حديث إعلامي أن "بعض الأحزاب تدعو من جهة إلى العمل المشترك من أجل النهوض بتونس وترفض التحالف من جهة أخرى في تناقض صارخ". وأشار العريض إلى أن "التحالفات في المجالس البلدية ليست كالتشريعية والرئاسية فهذه محلية تتعلق بمشاكل الكهرباء والماء والطرقات"، مضيفاً "أن من المفروض أن يكون العمل مشتركاً بين الأحزاب بدل التجاذبات الضيقة. أنا لا أرتاح لهذه النظرة المليئة بالأيديولوجية والحزبية". واعتبر أن "المجالس البلدية كي تكون مستقرة وقادرة على إنجاز مهامها والوعود التي وعدت بها، تحتاج إلى شراكة بين أوسع طيف ممكن بتلك المجالس حتى لا يعرقل بعضها بعضاً".
وبقطع النظر عن هذه النظرة المثالية حول التعاون والتحالف والعمل المشترك، تدرك جميع الأحزاب، أن المرحلة المقبلة الممتدة عاماً كاملاً، ستكون مرحلة تجاذبات وصراعات قوية، رغم أن التونسيين تحوّلوا إلى المستقلين رفضاً لحسابات الأحزاب، وبحثاً عن تحسين أوضاعهم. ويبدو أن إشارات السبسي الابن إلى التحالف مع "القوى الديمقراطية"، والتي تشترك مع النداء فيما سماه "الثوابت والأفكار"، هو أيضاً حديث طوباوي وغير واقعي بالنظر إلى الانقسامات الحاصلة في صلب هذه "العائلة السياسية".