اليوم، وبعد أن تجاوزت الحكومة مرحلة الاختبار الأولى حين تخطت عتبة المائة يوم على تشكيلها، تجد الأخيرة نفسها في وضع غير مريح. فلا هي أقنعت المواطنين ولا هي حققت التضامن الفعلي والقوي من قبل الأحزاب الأربعة المشكلة لها.
عندما تم التصويت على الفريق الحكومي، كانت النتيجة الحصول على أغلبية واسعة ومريحة من قبل نواب الشعب. وبذلك توفرت للصيد فرصة للتمتع بشجاعة كافية لاتخاذ القرارات الأكثر جرأة. لكن عندما كشف كل وزير عن برنامج وزارته، تبين أن الأجواء العامة والحسابات السياسية للأحزاب الحاكمة قد أثّرت على الأجندة الحكومية، وحدّت بوضوح من طموحات رئيس الحكومة، الذي وجد نفسه يتقدم في حقل واسع ومتشعب من الألغام المختلفة.
التحدي الأول الذي واجهه الصيد، تمثل في سعيه لتجنيب الحكومة تداعيات وشظايا الخلاف الحاد الذي اندلع داخل الحزب الحاكم الذي كلّفه بتشكيل الحكومة، بعد أن انقسم نداء توتس منذ فوزه في الانتخابات الأخيرة إلى قطبين كبيرين لكل واحد منهما أجندته المختلفة وأدواته الضاغطة من أجل اقتسام السلطة. وهنا اكتشف التونسيون أهمية عدم قيام حكومة حزبية تابعة كلياً لـ"النداء" لأنه لو حصل ذلك لانفجرت الحكومة وانقسمت على نفسها.
أما التحدي الثاني، فقد تمثل في الملاءمة بين برنامج الحكومة من جهة وبرنامج الحزب الحاكم "نداء تونس" من جهة ثانية. لأن هذا الأخير يبقى في النهاية المسؤول عن نجاح الحكومة أو إخفاقها. وقد ثار جدل حول هذه المسألة، وبذلت جهود من أجل رفع الالتباس، لكن السؤال لا يزال قائماً من دون حسم نهائي.
اقرأ أيضاً: تونس: 4 صدمات تحاصر حكومة الصيد
المعضلة الثالثة التي تواجه حكومة الصيد هي التوصل إلى تنسيق فعلي بين مكونات الائتلاف الرباعي. فبعد أشهر من عمل الحكومة، اكتشف الجميع أنها تفتقر للتنسيق المشترك بين الأحزاب الحاكمة. وهو ما جعلها أشبه بالقطار المهدد بتفكك عرباته. كل وزير له أجندته التي وضعها بموافقة رئيس الحكومة، لكن لم يلمس المراقبون أو المواطنون وجود تضامن فعلي بين الأحزاب التي قبلت بالعمل المشترك. وقد تجلى ذلك بالخصوص في تعدد الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة من قبل المشاركين في إدارتها. وهو ما دفع بالمكتب السياسي لحزب نداء تونس إلى المبادرة بدعوة كل من حركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس إلى تشكيل هيئة تنسيق بينها، عسى أن يزيل ذلك ما وصفه الأمين العام لحركة النهضة، علي العريض، بـ"الغموض" في عمل الحكومة. وقد تأسس هذا الهيكل، ويعمل حالياً على تدارك الأمر وتقريب وجهات النظر، والعمل على بناء الثقة بين شركاء السلطة ضمن سياق سياسي صعب وهشّ.
ومن أهم التحديات التي تواجه حكومة الصيد اليوم أيضاً، اتساع الهوة بينها وبين الاتحاد العام التونسي للشغل. فارتفاع نسق الإضرابات التي مسّت حتى الآن معظم القطاعات الحساسة وذات الثقل في المشهد الاجتماعي، أصبح له تأثير مباشر على الحالة الاقتصادية والاجتماعية بشكل بارز. وهو ما دفع رئيس الحكومة التونسية إلى القول إن "الحكومة لا تملك عصا سحرية، لحل المشاكل بين ليلة وضحاها". لكن قوله هذا لم يقلّص من نسق الاحتجاج في العديد من المناطق أو من حجم المطالب الكثيرة والمتنوعة، على الرغم من الصبر الذي أبداه الصيد وزياراته الكثيفة التي قام بها أسبوعياً لمعظم جهات البلاد، والكم الواسع من القرارات التي اتخذها في محاولة منه لامتصاص التوتر الاجتماعي والاستجابة لبعض المطالب.
ولا تزال الحكومة التونسية غارقة في معالجة المسائل "العاجلة والفورية"، على حد تعبير الصيد، في انتظار "إعداد خطة مستقبلية ترتكز على إصلاحات عميقة وهيكلية". وهي الإصلاحات التي يعلم الجميع بأن بعضها سيكون مؤلماً ويحتاج إلى تقاسم التكلفة بين جميع التونسيين.
لكن نظراً لضعف هذا الشعور وطغيان الحسابات الحزبية الضيقة، فقد يُخشى أن يتراجع نسق التضامن بين الحكومة ووزرائها. وهو ما دفع وزير التربية، ناجي جلول، الذي يدير علاقات صعبة مع النقابات منذ توليه الوزارة، أن يعلن صراحة بأن "الائتلاف الحكومي لم يعبّر عن مساندته في معاركه النقابية بالشكل الكافي"، داعياً إلى ضرورة التفاف أحزاب الائتلاف بشكل واضح وصريح حول الحكومة". وأوضح جلول أنه "لا يزعجه أن يكون من بين الوزراء الذين سيشملهم التعديل الحكومي في حال حصوله".
ويكثر الحديث منذ أيام في الكواليس حول احتمال إجراء تعديل وزاري قريباً على الرغم من نفي الصيد لذلك. ولم يستبعد العديد من الأطراف إجراء تغيير ولو جزئياً، بل ذهب عدنان منصر، عضو التنسيقية لحراك شعب المواطنين الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي، إلى حد القول إن "الموقف الأخلاقي يفرض أن يساند الائتلاف الحكومي هذه الحكومة ولا سيما حزب نداء تونس"، معتبراً أن صورة الحكومة اليوم ''كالمحكوم عليه بالإعدام وينتظر تنفيذ الحكم".
وعلى الرغم من أن الجميع يعلمون بأن حكومة الصيد تواجه صعوبات حقيقية، لكن يُستبعد أن تسقط قبل نهاية السنة كما يتوقع البعض، إلا أنها بالتأكيد تحتاج إلى نفس جديد. كما أنها أيضاً في أشدّ الحاجة لرؤية أكثر وضوحاً ولدعم سياسي من قبل معظم الأطراف، إلى جانب التوصل إلى هدنة اجتماعية مع النقابات تجنبها الوصول إلى ما سماه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، بـ"ثورة ثانية".
اقرأ أيضاً: حسين العباسي:تونس تعيش بوادر ثورة ثانية