تونس: المطالب الاجتماعية تفاقم الديون الخارجية

12 يناير 2018
التونسيون يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية (Getty)
+ الخط -
تعدّ الديون الثقيلة أحد أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه تونس ، إذ تلتهم أقساطها جزءاً كبيراً من مخصصات الموازنة الجديدة ما يحدّ من قدرة الحكومة على تلبية المطالب الاجتماعية للشارع المتأجج بالاحتجاجات ضد الغلاء وتدهور المعيشة، ولا سيما أن الوفاء بالالتزامات المالية سيكون على حساب مخصصات التنمية، وفق خبراء اقتصاد لـ "العربي الجديد".

وحسب تقارير رسمية، تحتاج تونس خلال سنة 2018 إلى نحو 9.772 مليارات دينار أي نحو 4.07 مليارات دولار لسداد ديونها، وفي ظل الأزمة المالية الحادة التي تواجهها الحكومة ستضطر إلى توجيه معظم قروضها خلال العام الجاري لهذا البند، وقد تلجأ إلى جدولة بعض الأقساط المستحقة في حال تواصل انزلاق سعر الدينار.

وعلى مدى السنوات التي عقبت ثورة يناير 2011 جابهت تونس سيلا جارفا من الطلبات الاجتماعية عبر الاقتراض الخارجي لتفادي الانفجار الاجتماعي، غير أن سياسات التسكين لم تؤت أكلها ما أدخل البلاد في دوامة الاقتراض المفرغة دون تحقيق المأمول من التداين، بعد أن ظل الوضع التنموي على ما هو عليه في المحافظات وفق عدد المسجلين في طابور العاطلين عن العمل الذي وصل إلى 600 ألف عاطل، حسب تقارير رسمية.

وقدرت نفقات خدمة الدين خلال الفترة المتراوحة بين 2008 و2018 بنسبة 19 % من ميزانية الدولة، وهو ما يمثل أكبر باب من أبواب النفقات العامة في تونس، وفقاً لتقارير رسمية. وتواجه تونس صعوبتين أساسيتين في هذا الإطار، وهما ثقل الدين وخدمة الديون، بالإضافة إلى فارق سعر الصرف بعد تراجع قيمة العملة المحلية على امتداد سنة 2017 نحو 9 % من قيمتها إزاء الدولار و20 % إزاء اليورو.



ولا يطرح الدين الداخلي وفق الخبير الاقتصادي مراد الحطاب إشكالا كبيرا، مشيرا في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن تركيبة الديون التونسية يطغى عليها الدين الخارجي بنسبة 70 % تقريبا، ما يجعل الدولة مطالبة بتوفير العملة الصعبة الكافية لتغطية الأقساط المستحقة.

وقال الحطاب إن الخيار الوحيد أمام الحكومة لتجنب جدولة الديون أو تأجيل الأقساط التي تحل آجالها هو طلب مزيد من القروض الخارجية لسداد التزاماتها تجاه الدائنين، لا سيما وأن الأقساط التي حلت آجالها تعود إلى قروض تم الحصول عليها في الفترة المتراوحة بين 2012 و2013 وذلك بعد تمتع الدولة بمدة إمهال 5 سنوات، حسب تأكيده.

وتوقع الخبير الاقتصادي ارتفاع الدين الخارجي إلى 74 % من الناتج المحلي سنة 2019، مشيرا إلى أن الديون التونسية تساوي ثلاثة أضعاف مدخرات الدولة من العملة الأجنبية. وأوضح أن هذه المؤشرات الخطرة تهدد الاستثمار ونسق التوريد في البلاد.



وفي حال عجز الدولة عن توفير الأقساط المستحقة أوضح الحطاب أن الحكومة ستلجأ قطعا إلى استعمال مخصصات التنمية لسداد الديون، ما يعني مزيدا من تأجيل الاستثمارات العمومية التي يفترض أن تنجزها الدولة لتشجيع المستثمرين على التوجه نحو المحافظات الداخلية وتحسين الوضع بالجهات وتحسين معيشة التونسيين، وفق قوله.

وتأمل تونس في أن تساعد الإصلاحات في خفض مستوى الدين الخارجي، الذي بلغ مستويات غير مسبوقة وتريد تونس أن يهبط الدين الخارجي إلى 70 % من الناتج المحلي في غضون عام 2020، وهي مهمة تتطلب مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي قد تؤثر على أمنها واستقرارها الاجتماعي، وفق خبراء صندوق النقد الدولي الذين توقعوا نسبة نمو للعام القادم في حدود 2 % وهي نسبة لا تمكن خلق سوى 30 ألف فرصة عمل.

وفي بلد لا تتجاوز ميزانيته 15 مليار دولار يرتفع حجم الدين الخارجي التونسي إلى نحو 21 مليار دولار، وفق يبانات رسمية تعود إلى نهاية 2016 بعد أن قفز الدين بنسبة 62 % خلال الفترة المتراوحة بين 2011 و2016.

وتوصلت تونس عقب زيارة لوفد من صندوق النقد الدولي انتهت يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى اتفاق يمكن تونس من الحصول على شريحة جديدة من قرض الصندوق الممتد بقيمة 319 مليون دولار، على أن تتسلم الحكومة هذا القسط بداية شهر فبراير/شباط القادم على أقصى تقدير.

وقال الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاتفاق الذي خلصت إليه الحكومة مع وفد الصندوق يؤكد المسار الإصلاحي الذي تنتهجه حكومة تونس، مشددا على أهمية مواصلة هذا المسار لتحقيق الأهداف المرسومة والتخلص من عثرات الماضي، متوقعا صرف القسط الجديد يوم 13 فبراير/ شباط القادم.

وأكد صندوق النقد الدولي في اجتماعات الخريف أنه سيواصل دعم تونس من خلال مواصلة صرف أقساط قرض ممدد بنحو 2.9 مليار دولار، كما اختار الاتحاد الأوروبي تونس لإعلان دعم لأفريقيا بنحو 40 مليار دولار، معتبراً أن تونس ستكون بوابة نحو القارة السمراء.

وأدت بعثة صندوق النقد الدولي خلال الفترة الممتدة بين 29 نوفمبر/ تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول الماضي زيارة عمل إلى تونس، بهدف مراقبة مدى تقدم الإصلاحات التي يطالب بها الصندوق لضمان مواصلة دعمه للاقتصاد التونسي المتعثر.



المساهمون