تونس: الألزهايمر يصيب المريض وعائلته

17 يوليو 2019
التركيز قد يساهم في عدم تدهور حالها(شاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -
في إحدى بلدات محافظة بنزرت، شمالي تونس، تقضي السبعينية عائشة أيامها وهي تجوب الشوارع، فتلقي التحيّة على بعض المارة فيما تقابل آخرين بنظرات شاردة. وهي تبقى كذلك حتى يعثر عليها شباب حيّها، فيعيدوها إلى البيت. عائشة اليوم تواجه مرضها وحدها، بعدما تزوّج جميع أبنائها فيما زوجها الذي يعيش معها مصاب بأمراض عدّة وبالكاد يهتمّ بشؤونه. هكذا، تُعَد عائشة واحدة من بين مسنّين كثيرين في تونس مصابين بمرض الألزهايمر ويفتقرون إلى الرعاية المناسبة وإلى من يفهم مرضهم.

"والدتي كانت محظوظة، فبناتها الخمس رعينَها بعدما شخّص لديها مرض الألزهايمر وقد وضعنَ جدول مناوبات لمتابعتها". هذا ما تؤكّده رئيسة الجمعية التونسية لمرض الألزهايمر الدكتورة ليلى علوان لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنّ "الأمر لم يكن سهلاً بل مرهقاً، لكنّنا تقاسمنا العبء وحاولنا التعامل مع مرض بدا لنا غير مفهوم في البداية". تضيف أنّه "على الرغم من صعوبة التجربة التي مررنا بها فإنّها كانت حافزاً لي. بعد وفاة والدتي قرّرت مساعدة عائلات أخرى يعاني أحد أفرادها من الألزهايمر فكانت الجمعية التي تعنى بتلك العائلات وتساعدها في فهم طبيعة المرض وكيفية التعامل مع المصابين به".




وتلفت علوان إلى أنّ "عدد مرضى الألزهايمر في ارتفاع متواصل في تونس، وبعدما كان في حدود 35 ألف مريض في عام 2012 فإنّه يبلغ اليوم نحو 60 ألف مريض. وهذا عدد الأشخاص الذين شُخّصت حالتهم، في حين أنّ عدداً مشابهاً بحسب الترجيحات لم يُشخّص، إمّا لأنّ عائلات المرضى تجهل طبيعة حالتهم أو تُعدّها نتيجة طبيعية للتقدّم في السنّ". وتتابع أنّ "هذا المرض يصيب فئات عمرية مختلفة، خصوصاً الفئة ما فوق 65 عاماً، غير أنّنا قد نجد حالات في الأربعينيات والخمسينيات". وتشير علوان إلى أنّ "عائلات المرضى في تونس لا تعرف من تقصد من أهل الاختصاص، وكثيراً ما يسجّل التباس في هذا السياق إذ إنّه قد يختلط الأمر مع أمراض نفسية"، مؤكدة أنّه "لا بدّ من اللجوء إلى متخصصين في الأمراض العصبية". وتؤكد أنّ "المرض لا يولى أهمية كبرى في أحيان كثيرة، وثمّة مشكلة إضافية هي في التشخيص المتأخّر بعد تفاقم الحال".

وتوضح علوان أنّ "المصابين بالألزهايمر يصلون في إحدى مراحل المرض إلى حدّ فقدان القدرة وكذلك الرغبة في الكلام وتبادل الأحاديث، فيصعب بالتالي التواصل معهم وقد يلجأون الى العنف لإيصال ما يريدون إبلاغه للمحيطين بهم"، مؤكدة أنّ "المريض قد لا يميّز أفراد عائلته من بين المحيطين به، وهذا أمر مؤلم بالنسبة إلى من حوله". وتتحدّث علوان عن "دراسة تونسية تبيّن أنّه في 98 في المائة من الحالات، فإنّ العبء تتحمّله امرأة أو فرد واحد من العائلة فقط، ونحن في الجمعية نحاول تقديم النصائح وتوجيه المرضى. كذلك نحن نعمل على أن يتشارك أفراد عائلات المرضى تجاربهم، وعلى الرغم من بعض القصص المؤلمة فإنّ ذلك يساعد كثيرين منهم على إيجاد حلول الحلول أو على الاستفادة من مساعدة ما". وتكمل علوان أنّ "الأكثر إيلاماً هو عندما تكون إمكانات الأسرة محدودة. ومن بين الحالات التي أثّرت بي كثيراً قصة امرأة اضطرت إلى العمل لإعالة أطفالها والتكفّل بوالدتها المصابة بالألزهايمر، فكانت مجبرة على تقييدها إلى حين عودتها من العمل خوفاً عليها".




من جهتها، تخبر نورة "العربي الجديد" أنّها اضطرت إلى ترك عملها لرعاية والدتها بعد تشخيص الألزهايمر، موضحة "لا يمكنني تركها وحيدة، خصوصاً أنّها غادرت البيت في مرّات عدّة. كان الحظّ يحالفنا ونعثر عليها، غير أنّه من غير الممكن ضمان عودتها لو فقدت مجدداً". تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين من مرضى الألزهايمر يتوهون في تونس، ويصعب في أحيان كثيرة العثور عليهم. أمّا بسمة فتتحدّث لـ"العربي الجديد" عن والدها الستيني المصاب بالألزهايمر، فتؤكد أنّ "حياتنا تحوّلت إلى معاناة حقيقية لا بل كابوس، فالتعامل مع مريض الألزهايمر ليس سهلاً خصوصاً أنّه يفقد التركيز والتمييز". تضيف بسمة: "نحن نعيش في منطقة ريفية والمحيطون بنا بمعظمهم لا يفهمون طبيعة المرض، فقد يصفون المصاب به بأنّه مجنون أو أنّه مريض نفسياً"، لافتة إلى أنّها تسعى إلى "تقاسم عبء رعايته مع شقيقتي فيما أشقاؤنا الذكور لا يساعدوننا".
المساهمون