انقلب الحجر الصحي في تونس إلى رعب جماعي بالنسبة إلى نساء وأطفال عدّة. وأعلنت وزارة المرأة في تونس أنّ عدد النساء المعنّفات من قبل أزواجهنّ قد تضاعف سبع مرّات منذ بداية الحجر الصحي. نسبة مذهلة ومخيفة. هذا يعني أنّه لو استمرّ الحجر لفترة طويلة فإنّ ذلك سيؤدّي إلى تحوّل الفضاء الأسري إلى جحيم لا يطاق بالنسبة إلى جزء لا بأس به من الوسط النسائي. وإذ يُعَدّ العنف الزوجي حالة سابقة لتفشّي وباء كورونا، إلا أنّه يتحوّل الآن إلى معضلة قد تؤدّي إلى كارثة اجتماعية لا يمكن للمعنّفات أن يواجهنَها بدون تدخّل فاعل وقوي من قبل الدولة والمجتمع المدني. فقد أثبتت الوقائع أنّ عنف بعض الأزواج قد يرتقي إلى درجة القتل.
لم يتوقّع الرجال بمعظمهم أن يُفرض عليهم البقاء مع زوجاتهم داخل البيوت. هناك من أصابه إحساس بأنّ مسكنه انقلب إلى سجن بدلاً من أن يرى فيه فضاءً لتعميق الحبّ والمودّة بينه وبين رفيقة حياته، أو فرصة للاقتراب من أولاده يحاورهم ويلاعبهم ويحكي لكم قصص الطفولة فيشعرهم بوجوده ويملأ حياتهم حبّاً ورحمة وسعادة.
عاملان قد يكونان وراء العنف الأسري: يعاني كثير من الأزواج من إحساسهم بفقدان سلطتهم في داخل الفضاء الأسري. فالتحوّلات الجذرية التي حصلت في المجتمع التونسي نتيجة ثورة القوانين التي انطلقت منذ الاستقلال بفضل مجلّة الأحوال الشخصية عدّها كثيرون عملية تدمير للنظام التقليدي القائم على السلطة الذكورية، وقلب معادلة الحكم والتحكم في داخل المنظومة الأسرية. أي أنّ الرجل وجد صلاحياته التي كانت مطلقة قد تقلصت كثيراً، وأنّ المرأة التي كانت خاضعة له تأتمر بأوامره وتلجأ إلى الحيلة من أجل ممارسة بعض حقوقها الدنيا، أصبحت لها شخصية قوية بفضل القانون وكذلك بفضل الاستقلالية التي أصبحت تتمتّع بها في مجالات كثيرة اقتصادية واجتماعية وثقافية إلى درجة البحث عن المساواة الكاملة بينها وبين زوجها أو شقيقها.
وهناك رجال كثيرون لم يهضموا هذا التحوّل الجذري في العلاقات بين الجنسيَن، لكنّهم قبل الحجر الصحي كانوا يهربون إلى الفضاء العام من أجل ممارسة نوع من التعويض المؤقت لسلطتهم "الضائعة". وعندما وجدوا أنفسهم في حالة اضطرار ويتحرّكون في داخل مربّع صغير تتحكّم فيه المرأة وتسيّره وفق قواعد كثيرة لم يسبق لهم أن شاركوا في وضعها، تضاعف إحساسهم الكبير باختلال التوازن، وهو ما جعل بعضهم يلجأ إلى العنف المعنوي، وكذلك الجسدي، في محاولة يائسة لفرض الذات واستعادة التقاليد السلطانية البائدة.
أمّا السبب الثاني لظاهرة العنف الأسري فيتعلّق بالحرمان الاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه عشرات الآلاف من الأسر التونسية. أمام استفحال هذه الظاهرة، أخذت الجهات الرسمية تتحرّك مدعومة بعدد واسع من منظمات المجتمع المدني، خصوصاً النسائية والنسوية منها، في محاولة لتطويق الحريق والتخفيف من تداعياته. ووُضِعت أرقام خضراء لتمكين النساء المعنّفات من فرصة الاتصال والإعلام عن حالتهنّ، وطلب النصائح وتوجيهات المختصين والخبراء في هذا المجال. كذلك خُصّصت أماكن لإيواء اللواتي تعرّضنَ إلى عنف شديد، منهنّ من نُقلنَ إلى المستشفيات لإنقاذهنّ من إصابات كادت تكون قاتلة.
صحيح أنّ العنف الأسري ليس خاصاً بالمجتمع التونسي، وإنّما هو حالة عالمية اكتسحت كلّ المجتمعات منذ فرض الحجر الصحي، لكن مع ذلك يجب عدم التقليل من خطورتها وتداعياتها على النساء. هناك حاجة ملحّة لعملية تثقيف واسعة النطاق من أجل تهيئة النساء والرجال لمرحلة جديدة تأخذ بعين الاعتبار قيم وآليات التعايش في داخل الفضاء الأسري الذي يبقى الفضاء الجامع والدافئ لتحقيق الاستقرار ونموّ الأبناء في بيئة متّزنة ومستقرّة. فمن بين أبشع الصور التي تؤثّر على نفسيّة الأطفال وتحدث جروحاً عميقة في بنائهم النفسي هي تلك المشاهد الرهيبة التي تتعرّض في خلالها أمّهاتهم لعنف شديد من قبل آبائهم الذين يكونون في حالة جنون.