العراق: "التوك توك" فرصة عمل ومواصلات شعبية

27 أكتوبر 2024
"التوك توك" وسيلة نقل رائجة في العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصبحت عربات "التوك توك" وسيلة شائعة في العراق، حيث توفر فرص عمل للشباب وتساعدهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية وارتفاع البطالة، كما نجح العديد منهم في تحويلها إلى مصدر دخل رئيسي.
- تتيح "التوك توك" مرونة في العمل للشباب مثل ليث حميد، مما يساعدهم في التوازن بين الدراسة والعمل وتلبية احتياجات أسرهم دون الاعتماد على الوظائف الحكومية.
- تعتبر "التوك توك" خياراً اقتصادياً مناسباً لذوي الدخل المحدود، حيث تتميز بتكلفة منخفضة وكفاءة في استهلاك الوقود، مما يجعلها وسيلة موثوقة للتنقل في المجتمع العراقي.

في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وارتفاع معدلات البطالة، يجد الكثير من العراقيين في عربات "التوك توك"، وسيلة مناسبة للمواصلات، فضلاً عن كونها حلا مناسبا للباحثين عن عمل، لا سيما بعد أن كسبت ثقة شريحة كبيرة من المواطنين الذين يعتمدون عليها، خاصة في أوقات الاختناقات المرورية التي تشهدها المدن.

ورغم الانتقادات التي توجه لعربات "التوك توك"، إلا أنها أصبحت جزءاً من المشهد اليومي في الشوارع العراقية، وهي تعكس قدرة الشباب على التكيف مع واقع اقتصادي واجتماعي معقد عبر العديد من قصص النجاح الفردية، ومن بينها قصة الشاب حيدر حسين (27 سنة) الذي تمكن من توفير قوت أسرته عبرها.

يعيل حيدر أسرته المكونة من خمسة أفراد منذ فقد والده وظيفته، ويقول لـ"العربي الجديد": "عندما أنهيت دراستي الجامعية قبل ثلاثة أعوام، لم أستطع العثور على وظيفة مناسبة رغم تقديمي طلبات للعديد من الوظائف. حاصرتني البطالة، لكني لم أقف مكتوف الأيدي، وفكرت في بدائل، فوجدت أن العمل على عربة توك توك يمكن أن يكون خياراً جيداً. اشتريت العربة بقرض صغير من أحد الأقارب، وبدأت العمل في أحياء بغداد الشعبية، وأصبحت أنقل الركاب وأقوم بتوصيل الطلبات، ومع مرور الوقت أصبح ما أجنيه من العمل مصدر الدخل الرئيسي لأسرتي".

قصة أخرى يرويها لـ"العربي الجديد" الشاب صفاء عبود (21 سنة) الذي لم يكمل دراسته الثانوية، واضطر للالتحاق بسوق العمل من جراء حالة أسرته المادية، والديون التي تراكمت على والده. يقول: "عملت في مجالات مختلفة كأجير، لكني تمكنت قبل عامين من شراء عربة توك توك بأقساط مريحة، واستطعت دفع الأقساط خلال عام واحد. في البداية، كان الأمر صعباً، لكني كنت مصمماً على النجاح، والآن أستطيع توفير احتياجات عائلتي الأساسية بفضل عملي على مدار نحو 10 ساعات يومياً".

بدوره، نجح ليث حميد (22 سنة) في التنسيق بين دراسته الجامعية والعمل، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن حجم عربة التوك توك وفر له المرونة في العمل، إذ يمكنه التنقل بحرية، واختيار الأماكن الأكثر حركة للعمل فيها بعد العودة من الجامعة. ويوضح: "التوك توك غير حياتي، فقد انخرطت في سوق العمل منذ كنت في المدرسة الابتدائية، ومارست العمل بالأجرة اليومية في محال البقالة، وفي الأسواق الشعبية، وعملت في بيع المناديل والسجائر عند التقاطعات المرورية. اليوم، أعمل على التوك توك الذي اشتريته قبل خمسة أعوام، ونجحت في تحويل الفرصة الصغيرة إلى مصدر رزق لي ولعائلتي، ولست مهتماً بالحصول على وظيفة حكومية بعد التخرج، إذ لن أكون ضمن طوابير العاطلين".

"التوك توك" وسيلة للكسب والعمل (حيدر كارالب/ الأناضول)
"التوك توك" وسيلة رائجة للكسب (حيدر كارالب/الأناضول)

وتعد البطالة أحد أبرز التحديات التي تواجه العراقيين، خاصة مع التزايد المستمر في عدد السكان الذي تجاوز 43 مليون نسمة، وغياب الفرص الكافية لاستيعاب الباحثين عن عمل. وحسب آخر مسح أجرته هيئة الإحصاء الحكومية في عام 2021، تبلغ نسب البطالة 16,5%، ومع ارتفاع معدلات البطالة تفاقمت أزمات اجتماعية مثل الهجرة الداخلية والخارجية، إلى جانب زيادة التوترات بين مختلف فئات المجتمع.

وحول لجوء أعداد كبيرة من العاطلين إلى "التوك توك كمصدر دخل، يوضح فاضل الشويلي، الذي يعمل في تجارة عربات التوك توك، لـ"العربي الجديد"، أن أبرز الأسباب هي التكلفة المنخفضة، إذ بإمكان ذوي الدخل المحدود شراء عربات جيدة مستعملة بنحو 3 آلاف دولار، كما أنها اقتصادية في استهلاك الوقود، ولا تحتاج إلى مهارات معقدة لتشغيلها، إضافة إلى إمكانية استخدامها في نقل الأشخاص داخل الأحياء والشوارع الضيقة التي لا تصل إليها السيارات الكبيرة بسهولة، وكذا توصيل الطلبات والبضائع، وكل هذا يزيد فرص الربح.

وتوضح الحاجة أم أحمد، التي تسكن في منطقة "علاوي الحلة" الشعبية بالعاصمة بغداد، أن ما زاد من انتشار عربات التوك توك أنها نالت ثقة المواطنين في سهولة التنقل، وأصبحت وسيلة مرغوبة لقضاء المشاوير. تقول لـ"العربي الجديد": "منذ أكثر من سبع سنوات، أصبحت أعتمد كثيراً على التوك توك في تنقلاتي، وأخزن في هاتفي أرقام هواتف أربعة من السائقين ليقلوني إلى أي مكان داخل الحي الذي أسكنه، أو أطلب منهم إيصال الحاجيات المختلفة. في البداية، كنت مترددة في استخدام التوك توك، وكنت أرى أنه يخالف الذوق العام، ويمثل مظهراً غير حضاري، لكن مع الوقت أدركت كم هو عملي ومفيد، إنه يسهل التنقل داخل الأحياء بسرعة، خاصة عندما أحتاج إلى الوصول إلى أماكن يصعب على سيارات الأجرة الدخول إليها، كما أن أجرة التوك توك مناسبة لدخلي، وهذا أمر مهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها".

المساهمون