توصيات إسرائيلية حول سورية: سياسة ردع جديدة و"اقتناص فرص"

14 ديسمبر 2015
يسعى الاحتلال لإبقاء سيطرته على الجولان (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -
يقرّ مركز "أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، في مذكرته الرسمية رقم 151 التي نشرها أخيراً، بأن "سياسة وأدوات الردع السابقة التي مارستها إسرائيل في مواجهة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد لم تعد صالحة بفعل التغييرات الجارية، وانتقال مركز الثقل في مناطق مختلفة في سورية، تحديداً جنوبي سورية، إلى التنظيمات والقوى السورية المختلفة الفاعلة".

ويُحدّد المركز في مذكرته أنه "لا مجال ولا أمل في التعويل بالتأكيد على الجهات السلفية الجهادية من جهة، وعلى حزب الله والموالين لإيران من جهة أخرى، مع التركيز في واقع الحال على دراسة إمكانات وفرص بناء حوار، وربما علاقات تحالف أو تعاون، تكتيكي واستراتيجي، مع مختلف الجماعات الأخرى، وفي مقدمتها ائتلاف المعارضة السورية والجيش الحر، والقوى المحلية الفاعلة في الجبهة الجنوبية، والدروز في محافظة السويداء".

وينصح المركز في مذكرته إسرائيل بـ"التخلّي عن سياسة الحياد التي اتبعتها منذ بدء الأزمة السورية، وأدت في نهاية المطاف، بعد التدخل الإيراني وتعزيز قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجهات السلفية الجهادية، إلى خلق ميزان قوى قادرة على تهديد حدود فلسطين المحتلة مع سورية، خصوصاً خلف هضبة الجولان".

وحرصت إسرائيل، بحسب المذكرة التي حملت عنوان "سورية... خريطة جديدة، ولاعبون جدد وتحديات وفرص لإسرائيل"، في السنوات الأولى من الثورة السورية (2011)، على إبراز وتعريف خطوطها الحمراء مع متابعة التطورات الميدانية والسياسية، والدبلوماسية عن كثب. لكن الاحتلال لم يتبنّ استراتيجية واضحة المعالم والأهداف، يمكنها أن تبعد "لاعبين" سلبيين في مقابل تقريب لاعبين "إيجابيين"، ولاعبين إقليميين ودوليين، يتشاطرون مصالح مشتركة في مواجهة خصوم تتناقض مصالحهم مع مصالح الاحتلال.

اقرأ أيضاً: الكويت.. تجربة رائدة في مقاطعة إسرائيل شعبيّاً ورسميّاً 

ويرى المركز أن "أحد أهم الأهداف المباشرة التي على إسرائيل أن تعمل على تحقيقها في سياق الاستراتيجية الواجب اتباعها، هو دراسة تداعيات التغييرات في سورية، وحجم خطر وصول الأطراف الموالية لإيران والسلفية الجهادية لحدودها، وبالتالي العمل على خلق منطقة تخضع للتأثير والهيمنة الإسرائيلية، في الجنوب السوري".

ولتنفيذ ذلك يُجدر بإسرائيل، بحسب المذكرة، تطوير علاقاتها مع اللاعبين المؤثرين على الواقع المتبلور في سورية، و"التنبؤ بمن في وسعه اتخاذ دور حاسم أو مؤثر فيها، والعمل بموازاة ذلك على الاستعداد لخيار نشوء كيانات محلية منفصلة داخل سورية، مثل قيام جيب علوي، أو كردي أو منطقة ذات حكم ذاتي في المنطقة الجنوبية لسورية". وترى المذكرة أن "آفاق التعاون مثلاً مع التيار السلفي الجهادي، كجبهة النصرة وتنظيم داعش، محدود للغاية، لتفاهمات محلية عينية ومؤقتة لا غير".

في المقابل، تقترح المذكرة "محاولة بناء أسس للتعاون المشترك مع لاعبين سوريين إيجابيين، يشاطرون إسرائيل هدف ومصلحة وقف التأثير والزحف الإيراني، تماماً مثل مواجهة زحف التيار السلفي الجهادي". ومع أن هؤلاء اللاعبين يفتقرون إلى القوة والتأثير العسكري السياسي، إلا أنهم يمثلون عملياً الغالبية العظمى من الشعب السوري. وبفعل انتشار ممثلي هذه القوى، على نحو خاص في الجزء الجنوبي من سورية، فإن ذلك يجعل من مسألة وضع أسس للتعاون معهم، أمراً مهماً وضرورياً، وذلك بفعل تداعياته الفورية والمستقبلية للنشاط الإسرائيلي (أو انعدامه) على الوضع الأمني في الجانب المحتل من هضبة الجولان.

ويعني هذا وجوب اعتماد سياسة إسرائيلية فاعلة أكثر، في كل ما يتعلق بالملف السوري، سعياً للوصول إلى ترسيخ دور إسرائيلي فاعل ومؤثر في الحيّز السوري. فضلاً عن السعي لبناء مراكز قوة ورافعات لخدمة وتطوير المصالح الإسرائيلية التكتيكية والاستراتيجية في سورية، وعلى رأسها ضمان الهدوء في هضبة الجولان.

وتقترح المذكرة لتحقيق هذه الأهداف وبناء الاستراتيجية الكفيلة بضمان المصالح الإسرائيلية، استخدام جملة من الأدوات، بدءاً بالتحرك العسكري مروراً بالتحركات الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، والتلويح بإجراءات وخطوات اقتصادية إيجابية لصالح العناصر الإيجابية.

وفي السياق العسكري، تحث المذكرة مثلاً على التوجه لضربات لأهداف تابعة ومحسوبة على لاعبين سلبيين، مثل قادة عسكريين، وقواعد عسكرية، ووحدات ومخازن الذخيرة والسلاح، والتي من شأنها المسّ بقدرة هؤلاء على إلحاق ضرر بإسرائيل. كما تدعو المذكرة إلى توجيه ضربات عسكرية للبنى التحتية ومصادر التمويل لهؤلاء اللاعبين، بالإضافة إلى ضرب طرق إمداداتهم العسكرية والتموينية. كما تحثّ المذكرة على ضرب مخازن السلاح الاستراتيجية لقوات النظام في حال ارتفاع احتمالات وصول هذه الأسلحة لجهات متطرفة. والتأثير على موازين القوى في ميادين القتال لصالح الأطراف المناهضة للعناصر والمنظمات المعادية لإسرائيل، عبر مدهم بالسلاح والعتاد والمعلومات والموارد المختلفة، والإعلان عن منطقة حظر جوي في الجولان، وفرض ذلك مع تحذير بضرب الطائرات التي تحلق في هذه المنطقة.

وعلى الصعيد الإقليمي تدعو المذكرة إلى "التعاون مع الأردن في تعريف وتحديد مناطق آمنة في الجولان وفي جنوب سورية، فضلاً عن إعادة صياغة وتعريف الخطوط الحمراء التي توجّه تحرّك إسرائيل عسكرياً".
وفي السياق الدبلوماسي، تؤكد المذكرة وجوب التحرك دبلوماسياً وسياسياً عبر إبراز نشاط أطراف غير رسمية، وتفعيل شبكات التواصل الاجتماعي لإزالة وتخطي الحواجز، في الوصول إلى جهات سورية شعبية وأهلية. ويُمكن بهذه الطريقة أيضاً إضعاف الجهات السلبية، في مقابل تمكين العناصر والأطراف التي تم تصنيفها كإيجابية وليبرالية، وتحمل تطلعات غربية وترغب ببناء سورية المدنية الجديدة بعد زوال النظام. وفي هذا الباب تقترح المذكرة أيضاً إطلاق نشاط وتحرك إسرائيلي، لدعم وتعزيز المكانة الإقليمية والدولية للجهات والعناصر والمجموعات الإيجابية، وأن تعلن إسرائيل رسمياً وعلى الملأ، تأييدها ومناصرتها لمطالب الثورة السورية والثوار المعتدلين والمُحددة بتغيير نظام الأسد.

أما اقتصادياً، فتدعو المذكرة إسرائيل إلى دعم ومساندة مشاريع الدعم الدولية للسوريين في سورية، ومنع استمرار احتكار النظام وتنظيم "داعش" والسلفية الجهادية لمصادر التمويل والحراك المالي والاقتصادي، فيما يعاني باقي السوريين فاقة الفقر والعوز.

اقرأ أيضاً: مجلة "سيني": الإسرائيليون فرحوا باعتداءات باريس
المساهمون