توتر العلاقات القطرية التشادية... الإمارات كلمة السرّ

24 اغسطس 2017
قطر ساهمت في استقرار وأمن تشاد (فرانس برس)
+ الخط -

يربط الباحث الفرنسي من أصول تشادية محمد علي كلياني بين زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى الإمارات في يوليو/تموز الماضي، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة انجامينا في 17 أغسطس/آب الجاري والتي تلتها زيارة وفد من القبائل الليبية الموالية للجنرال المتقاعد وقائد مليشيا "الجيش الوطني الليببي" خليفة حفتر إلى تشاد في 21 من الشهر الجاري، إذ إن هذه الزيارات المكوكية بين هذه الأطراف كان عنوانها الأساسي قطر ومحاولة دول الحصار حشد دول وسط أفريقيا إلى جوارها، بعد أن فشلت عملية حشد دول شرق أفريقيا الكبيرة وعلى رأسها السودان وإثيوبيا والتي لم تنجر إلى مساعي دول الحصار، وهو ما يضاف إلى فشل آخر في غرب أفريقيا عبر عودة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والسنغال، بالإضافة إلى نيجيريا التي رفضت ضغوط السعودية لقطع العلاقات مع قطر، بعد أن وصلت الضغوط إلى التهديد بورقة الحج والعمرة حسبما ورد في صحيفة لوموند الفرنسية.

أصبحت دول الحصار تراهن على وسط أفريقيا، حسبما قال كلياني لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن إدريس ديبي قبل القيام بهذه المهمة عبر استغلال الملف الليبي لتشويه صورة قطر وسط الأفارقة والعالم، إذ لم تقدم وزارة الخارجية التشادية في بيانها الذي أعلنت فيه أمس قطع العلاقات بين انجامينا والدوحة، أي تفاصيل تدعم اتهاماتها لقطر واكتفت باتهامها "بمحاولة زعزعة أمنها واستقرارها عن طريق جارتها الشمالية ليبيا".

وكانت وزارة الخارجية التشادية قد دعت في بيانها قطر لوقف ما أسمته: "جميع الأعمال التي من شأنها أن تقوض أمنها فضلا عن أمن دول حوض بحيرة تشاد والساحل وذلك بغية حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة".

واعتبرت وزارة الخارجية القطرية، أمس الخميس، أن قرار حكومة تشاد بإغلاق السفارة القطرية في انجمينا يأتي ضمن "حملة الابتزاز السياسي" ضد قطر بقصد الانضمام إلى "دول الحصار"، وأعربت قطر عن رفضها واستنكارها للأسباب التي تضمنها البيان الصادر عن وزارة الخارجية التشادية بشأن غلق السفارة القطرية. وقررت وزارة الخارجية القطرية الرد بالمثل، معلنة عن قرار إغلاق سفارة تشاد في الدوحة ومنح الدبلوماسيين والموظفين العاملين في السفارة مهلة 72 ساعة لمغادرة الأراضي القطرية.


تغير مفاجئ

مثّل إعلان حكومة تشاد إغلاق سفارة قطر ومنح طاقمها مهلة 10 أيام لمغادرة البلاد، تصعيدا تفاجأ منه المراقبون، إذ دائما ما كانت العلاقات التشادية القطرية توصف بالدافئة، بعد أن كان لقطر الدور الأكبر في تحسين العلاقات السودانية التشادية وانتشال البلدين من الذهاب إلى هاوية الحرب في عام 2008 إثر اتهامات متبادلة بين البلدين بدعم وتسليح المعارضة، كما كان للجهود القطرية لتحقيق السلام في دارفور ودعم الاستقرار والتنمية والمستمرة حتى اللحظة، الدور الأكبر في تهدئة الأوضاع في الولاية المتاخمة لتشاد والتي تتداخل قبائلها السودانية والتشادية وترتبط بعلاقات وثيقة، بالإضافة إلى جهود إغاثية كبيرة للجمعيات الخيرية القطرية في تشاد، إذ نفّذت قطر الخيرية مجموعة مشاريع إنسانية وتنموية أثمرت عن تخفيف معاناة السكان وساهمت في تحسين حالتهم الصحية، كما قلصت نسبة انتشار الأمراض الناجمة عن فقدان الماء الصالح للشرب أو صعوبة الوصول إليه، ومكنتهم من الاعتماد على أنفسهم معيشيا وزراعة المحاصيل الشتوية في المناطق التي تم تنفيذ المشايع الزراعية بها، وتسويق منتجاتهم الزراعية وتزويد العاصمة بالخضراوات الطازجة، وفقا لما قاله خالد هدى، مدير مكتب قطر الخيرية في تشاد في يناير/كانون الثاني الماضي.

يضاف إلى ذلك احتفال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، والرئيس التشادي إدريس ديبي، ورئيس السودان عمر البشير، بإكمال تنفيذ اتفاق الدوحة للسلام في مدينة الفاشر، كبرى مدن ولاية شمال دارفور في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويخشى الباحث كلياني أن تكون القمة السعودية الأفريقية المقبلة والتي دعا إليها العاهل السعودي قبل أسابيع، ولم يتم تحديد موعدها بعد، محفلا تستخدمه دول الحصار، للتأثير على موقف دول وسط أفريقيا التي تقودها تشاد في الحشد ضد الدوحة، عبر دغدغة هذه الدول واستمالتها بالاستثمارات والأموال.


حسابات تشاد في الأزمة الخليجية

تكشف مصادر سياسية تشادية معارضة أن المتضرر الأكبر من إغلاق السفارة القطرية في تشاد، هم الموظفون التشاديون المتعاقدون مع السفارة القطرية الذين فقدوا وظائفهم.

ولفتت المصادر إلى أن النظام التشادي استدعى سفيره في الدوحة للتشاور في انجامينا في 8 يونيو الماضي، عقب اندلاع الأزمة الخليجية بثلاثة أيام، في تصرف هدف للتضامن مع دول حصار قطر التي تجمعها مع النظام التشادي علاقات توصف بالاستراتيجية، وفي نفس الوقت إبقاء شعرة معاوية مع قطر لعل وعسى تنتهي الأزمة الخليجية سريعا، وعندما طالت الأزمة الخليجية مع قطر حدد النظام التشادي موقفه وفقا لحسابات الربح والخسارة، واتخذ قراره لصالح دول الحصار، كما يرى القيادي المعارض محمد شريف جاكو.


ويرى جاكو أن النظام التشادي يعاني من انخفاض دخل البترول إذ تنتج انجامينا 115 ألف برميل بترول يوميا، وتعد الأزمة الخليجية فرصة ذهبية للاستثمار وجني أكبر قدر من المكاسب في ظل إفلاس الدولة التشادية وعجزها عن دفع رواتب موظفيها ومنح طلابها، بعد تبديد مدخرات البلاد في شراء الأسلحة، وبسبب الفساد المستشري في كل طبقات النظام ولذلك سارع النظام التشادي إلى استدعاء سفيره في 8 يونيو الماضي أملا في الحصول على الدعم، مشيرا إلى أن أوساطاً سياسية تشادية أكدت أن الرئيس التشادي لم يجد تحاوبا في الإمارات لتقديم الدعم الكافي لدى زيارته في يوليو الماضي، لأنه لم يقطع العلاقات مع قطر بل قام بخطوة سحب السفير الرمزية.

ويربط مصدر مقرب من المعارضة التشادية المسلحة، قطع العلاقات مع قطر بالتصعيد في ليبيا ضد ثوار 17 فبراير وضد المعارضة التشادية قائلا "المعارضة التشادية تراقب عن كثب الطائرات الإماراتية التي تحمل الأسلحة لخليفة حفتر عبر مطار أم جرس التشادي، لافتا إلى معلومات ترددت عن مخطط إماراتي لبناء قاعدة لطائرات إماراتية بدون طيار في منطقة شمال تشاد، وسيكون من مهام هذه القاعدة قصف قوات الثوار ومعارضي حفتر في مقابل حزمة مساعدات سنوية يحصل عليها النظام التشادي من أبوظبي، بالإضافة إلى مكاسب أخرى عبر حلفاء أبوظبي في الإقليم، إذ إن الحكومة المصرية في إطار محاولتها التخلص من الاعتماد على اللحوم السودانية وعدت انجامينا بفتح الاستيراد للمواشي التشادية وبناء مسلخ حسب المواصفات الصحية لدعم قطاع اللحوم التشادي، بالإضافة إلى استيراد السمسم والفول السوداني.

دلالات