في ظل المتغيرات الكثيرة التي تشهدها منطقة جنوب آسيا، لا يُستبعد قيام تحالفات جديدة، قد يكون أبرزها التحالف المناهض للولايات المتحدة، بقيادة روسيا، بعد أن طرحت نفسها بقوة على بساط الأحداث في أفغانستان من بوابة "دعم" ضمني لـحركة "طالبان"، مباشر أو غير مباشر. ويزيد غياب واشنطن عن الجلسة الأخيرة التي عُقدت في موسكو بشأن الوضع الأفغاني، في 13 من الشهر الماضي، فرص تشكيل ذلك التحالف، الذي سيكون من أبرز أعضائه إيران والصين وباكستان. لكن العقبة الأساسية في وجه تحالف كهذا، هو الخلافات الكبيرة الموجودة بين دول هذا التحالف المفترض، تحديداً بين إيران وباكستان.
وتقاربت باكستان كثيراً مع إيران وروسيا بفعل التطورات في أفغانستان، خصوصاً قضية "طالبان" ودور القوات الأميركية في المنطقة. وبالنظر إلى الدور الأميركي والمتغيرات في استراتيجية واشنطن، يبدو أن التنسيق بين طهران وإسلام أباد وموسكو ضرورة المرحلة، كما يرى بعض صنّاع القرار في باكستان، خصوصاً أن المسؤولين الأميركيين يرون أنهم وجدوا في الحكومة الأفغانية، وفي رئيسها أشرف غني، بديلاً مناسباً لما كانت إسلام آباد تقوم به طيلة الأعوام الماضية.
وفي هذا السياق، أجرت السلطات الباكستانية في الفترة الأخيرة سلسلة اعتقالات طاولت مقربين من إيران. من أبرز هؤلاء، عزير بلوش، وهو ذو نفوذ كبير في الأوساط الشعبية، وكان متورطاً وفق التحقيقات في خطف معارضين وقتلهم وغير ذلك. كما كان في الوقت نفسه سبباً في إرباك الوضع في مدينة كراتشي، إذ كان يترأس عصابة "لياري كنك" بحسب الرواية الباكستانية. والأبرز أنه كان قيادياً سابقاً في حزب "الشعب" الباكستاني بزعامة آصف زرداري. وكشفت مصادر عسكرية أن الرجل اعترف، أنه كان مدعوماً من قبل الاستخبارات الإيرانية وهي مكّنته من الحصول على جواز سفر إيراني بعد أن فر من باكستان عام 2013. كذلك اعترف بوجود مكتب له في مدينة جهاربهار الإيرانية، وأنه ساعد الاستخبارات الإيرانية عبر توفير معلومات هامة لها عن المواقع العسكرية في البلاد.
وكان بلوش قد عاد قبل فترة إلى مدينة كراتشي، وألقت السلطات القبض عليه، ثم سلمته إلى الجيش، الذي أعلن بدوره محاكمة الرجل في محكمة عسكرية بتهمة التعاون مع الاستخبارات الأجنبية. وطرحت اعترافات الرجل أثناء التحقيق معه نقاشات طويلة في باكستان، إذ إن له نفوذاً واسعاً في جنوب البلاد، وله صلة بكثير من السياسيين في البلاد. بل ذهب بعضهم إلى اتهامه أنه كان يقتل ويخطف لصالح سياسيين باكستانيين. ويُذكَر من بين هؤلاء الرئيس الباكستاني السابق، آصف على زرداري، زعيم حزب "الشعب" الباكستاني، المقرب منذ تأسيسه مع إيران.
ولم تكتف السلطات الباكستانية باعتقال بلوش، بل قامت باعتقال عدد من القياديين في حزب "الشعب"، من دون توجيه تهم إليهم. كما لم يذكر الحزب تفاصيل عمن اعتُقلوا من قياداته ولكنه احتج على ذلك في البرلمان ومجلس الشيوخ. وقال زعيم المعارضة في البرلمان والقيادي في الحزب، خورشيد شاه، إن حملة الاعتقالات بحق قياديي الحزب لن تكون لها نتائج جيدة، خصوصاً في ظل عدم توجيه تهم إليهم، وتسجيل دعاوى ضدهم. واللافت أن هذه الاعتقالات أتت بعد قضية بلوش، وما جرى معه من التحقيقات.
ولم تكن خفية علاقة حزب "الشعب" الباكستاني بإيران على مر التاريخ، لا سيما أسرة بنظير بوتو زوجة آصف علي زرداري، منذ عهد زعيم العائلة، ذو الفقار علي بوتو، لهذا لم تكن علاقة الاستخبارات الإيرانية بعزير بلوش وأمثاله مستغربة. لكن اللافت هو فتح هذه القضية من قبل الجيش في الوقت الراهن، في ظل استياء إيران ومن يدعم سياساتها في باكستان إزاء تعيين قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال راحيل شريف، قائداً للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده السعودية والذي يضم أكثر من أربعين دولة إسلامية. وقد تحرك اللوبي الإيراني في باكستان إزاء هذا الأمر، وتعالت الأصوات من مختلف المنابر الإعلامية والدينية ضد تعيين الرجل، على الرغم من تطمينات مسؤولين في الحكومة الباكستانية على أن تعيين راحيل قائداً للتحالف لا يعني انحياز باكستان إلى دولة في المنطقة على حساب أخرى، وأنه أتى في إطار سعي باكستاني للمساهمة في الجهود المبذولة ضد الإرهاب. إلا أن إيران والمساندين لها داخل باكستان لم يرتاحوا للخطوة، لا سيما أن باكستان تقول إن الدفاع عن أرض الحرمين من واجابات جيشها، كما أكد وزير الدفاع خواجه آصف.
تضاف إلى ذلك قضية تجنيد شباب باكستانيين للقتال في سورية إلى جانب مليشيات النظام وإيران، والإضاءة عليها في وسائل الإعلام، لتشير إلى قلق السلطات الباكستانية إزاء التحرك الإيراني في باكستان. وكانت الأجهزة الأمنية الباكستانية قد أعلنت اعتقال العديد من المتورطين في القضية خلال الأيام الماضية. وآخر هؤلاء الفتاة نورين لغاري التي عادت إلى مدينة لاهور، عاصمة إقليم البنجاب، قبل نحو أسبوع بعد أن تلقت تدريبات في "لواء الزينبيون" في سورية، وكانت تقاتل هناك لفترة طويلة. وتشير التقديرات إلى أن 300 باكستاني قُتلوا عام 2016 في سورية وكانوا يقاتلون ضمن "لواء الزينبيون". تجنيد هؤلاء كان يتم على يد إيران ولكن هناك من ساعدها داخل باكستان، منهم قياديون في حزب "الشعب"، ومن هذا المنطلق فإن رغبة باكستان في التنسيق مع إيران وروسيا حول القضية الأفغانية، تصطدم بعائق أساسي هو التدخّل الإيراني في الملف الداخلي لباكستان، علاوة على علاقات باكستان مع الدول العربية، وتحديداً مع السعودية.
أما على الصعيد الأمني، فتشهد العلاقات الباكستانية ــ الإيرانية توترات موسمية تهدد في كل مرة بانفجار الوضع. آخر تلك المحطات مقتل عشرة من حرس الحدود الإيراني مع باكستان، بعدما أطلق مسلحون تابعون لـ"جيش العدل" (مجموعة إيرانية متمردة ضد النظام الإيراني) النار عليهم قبل يومين، وأخذوا عسكرياً جريحاً كرهينة. حادثة دفعت بمحافظ إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، علي أوسط هاشمي، إلى التهديد، يوم الأحد، بدخول القوات الإيرانية إلى داخل الأراضي الباكستانية لملاحقة المجموعة المسلحة "إن استلزم الأمر"، بما أن "طهران لن تتحمل استمرار حالة عدم الاستقرار على ذاك الشريط الحدودي، ما يعني أنه يقع على عاتق الحكومة الباكستانية مسؤولية ضبط حدودها"، حسب تعبير هاشمي.