تمييز داخل تمييز

10 مارس 2015
يعاني اللاجئون السوريون في لبنان من التمييز (فرانس برس)
+ الخط -
تستقطب القضايا الحقوقية الكثير من المؤيدين. وربما يشكل هؤلاء المؤيدون أكثرية بصفة عامة. لكنّ تلك الصفة العامة تحتمل الكثير من التأويل بما فيها من تفاصيل. وهو ما يقلب التأييد فيها إلى تهميش ومعارضة، بل إلى معاداة ومحاربة في كثير من الحالات.

لا يغيب الحقوقيون، بمواقفهم الفردية وجمعياتهم التي تلفّ العالم العربي بالقضايا في شتى المجالات، عن ذلك. وفي لبنان تحديداً، يحاول هؤلاء محاربة التمييز. يظهرون للآخرين ذلك، وربما يقتنعون به في مرحلة معينة، عندما يتوقف التمويل ويستمر الصوت عالياً. يرفعون شعار المساواة الذي تندرج تحته الكثير من المحركات، منها المواطنة والدمج. لكنّ محاربة التمييز تلك تبقى انتقائية، ولا تستكمل بنود شرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

فببساطة تتحدث تلك البنود عن "محاربة كافة أشكال التمييز". تلك الأشكال تتخذ هنا مسالك متباينة تخضع لمعايير عديدة، منها العرقي والقومي والوطني والجنسي والديني والمناطقي والطائفي. فيصبح التمييز مختبئاً بتمييز داخل تمييز.

أمثلة كثيرة تظهر اليوم في لبنان. فهناك مثلاً من يحاربون التمييز على أساس الدين والطائفة والجنس وربما غير ذلك، ومع ذلك يمارسون التمييز على أساس الجنسية. ويظهر ذلك بشكل كبير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تجاه اللاجئين السوريين. كما يلبسون تمييزهم لبوساً مختلفاً، يتعدد ما بين الخوف على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وصولاً إلى الخوف على "الكيان اللبناني". وهؤلاء أنفسهم قد يصلون في تمييزهم، إلى وسم من يتعاطف- مجرد تعاطف من دون أن يدعو لمساواة- مع اللاجئين، بأنّه "غير لبناني" و"غير وطني". ولا فارق في طوائف هؤلاء، فهم يمارسون تمييزهم من دافع "لبناني وطني".

تمتد الأمثلة في كلّ اتجاه. وتستهدف كافة الأقليات، من العرقية إلى السياسية والاجتماعية. وينسجم ممارسو التمييز مع أنفسهم انسجاماً تاماً. ويغفلون تماماً عن ازدواجيتهم الحقوقية. فهم يقتنعون بمنطق خاص بهم، تزداد متانته كلما ازداد المتفقون معهم في الرأي. لكنّهم أنفسهم، في لحظة معينة، قد ينقلبون على بعضهم تبعاً لتمييز آخر، ربما يكون طائفياً، أو ربما يكون جنسياً، أو ربما يتعلق بالميول الجنسية.

تحضرني هنا الاعتداءات المتكررة على المثليين في السنوات الماضية، حتى من قبل المتظاهرين الذين دعوا لـ"الحرية والسيادة والاستقلال" عام 2005. لكنّ تلك الاعتداءات لا تلقى أيّ تعاطف أو اعتراف بالحقوق من معظم اللبنانيين، حتى ممّن يقدمون أنفسهم كأنبياء حقوقيين. فالتمييز لا محاربته هو الأساس.
المساهمون