تمرّد الشخصيات

06 مارس 2020
رضا عبد الرحمن/ مصر
+ الخط -

من ضمن الأسئلة التي تُطرَح على الروائي أيضاً، سؤال عن علاقته مع شخصياته في النص، أثناء الكتابة. وفي الغالب، سيتحدث الروائي عمّا سُمّي: تمرّد الشخصيات. وهو يعني أن الشخصية تسير أحياناً، في مخطوط الرواية بغير الطريق التي يريد أن يرغمها، هو الروائي، على السير فيها.

وقد تكون لديه أسباب أيديولوجية كامنة، وقد تكون معلنة ومقصودة، وهو يرغب في أن تكون شخصيته هذه تعبيراً روائياً عن هذا المنحى في الحياة. ولهذا يأتي بها، ويسمّيها، ومن حقه أن تسير وتقول كما يشاء ويشتهي. وكان الروائي السوري حنا مينه يكثر من الكلام عن منحى التمرّد لدى شخصياته، وقد كتب روايته التي وضع لها عنواناً هو "النجوم تحاكم القمر" بوحي من هذه الفكرة، وفيها يترك الحرية لشخصياته كي تحاسبه، في محكمة متخيلة - بعد أن تقمّص كروائي شخصية أخرى - على المصائر التي قرّرها لكل منها.

وعلى أي حال، إن تمرّد الشخصية على الروائي أمر يتعلق بمسألة الحرية أولاً: وللحرية هنا وجهان: الأول، إيمان الروائي بها، أي مدى جذرية ارتباطه بها، واستعداده للدفاع عن دعاة الحرية في أي مكان وزمان. والثاني، إيمانه بحق شخصياته في الكلام والعيش بحرية أيضاً، والدفاع روائياً عن هذا الحق. وأكثر ما يمكن أن نشهده من حيرة روائية إزاء مسألة الحرية، هو في الشخصيات التي قد تمتلك وعياً وخياراً وانتماءً في الحياة يخالف الوعي والانتماء الذي اختاره الروائي لنفسه كإنسان أو مواطن.

فمثل هذه الشخصيات تضع الروائي أمام مسألة الاختيار: هل يترك لها أن تعبّر عن نفسها بصدق؟ ماذا يمكن أن يفعل روائي سوري منحاز إلى الثورة إذا وضع شخصية موالٍ للنظام في روايته؟ وبالعكس، ماذا يمكن أن تقول شخصية موالية للثورة في رواية لكاتب من أتباع النظام؟ ولهذا، تجد أن من الصعب على الروائي الحقيقي أن يكون من أنصار الاستعباد، وإذا حدث مثل هذا الأمر، فمن من الصعب أن يتمكّن من كتابة رواية تناصر العبودية.

تمرّد الشخصيات هو، كما أتصور، لحظة التقاطع الوجداني العميق داخل فكر الروائي ومخيلته وصدقه الفني، بين رغبته في قول الحقيقة، عن العالم والوجود، حيث يكون الضمير أقوى وأكثر صدقاً وشجاعة لدى أي روائي، من الفكرة المسبقة والوصايا الأيديولوجية، وبين فكره الأيديولوجي الذي قد يدفع به لتزوير طبيعة الحق عبر دفع الشخصية، بل قسرها، لكي تسلك دروباً لا تشبهها.

لكن التمرّد قد ينجم عن هذا التناقض بالذات، بين طبائع الشخصية المختارة نفسها، والأدوار التي يريد الروائي أن يكلّفها القيام بها، بما يخالف تلك الطبيعة، فإذا بها تتمرّد، وهنا تنجح الرواية بامتلاك الصدق الفني. أو تخضع وتستسلم، وعندئذ ترى الرواية وقد أضحت مجرّد خطاب سياسي أيديولوجي. أعتقد أن أحد أسباب الضعف الفني الذي أصاب الرواية ذات المنحى الأيديولوجي ناجم عن هذا الشد بين فكر الروائي المتزمت ورغبة الشخصية - في ما لو كان قد نجح في العثور على شخصيات مرشحة للعمل بقوة - في التحرّر.


* روائي سوري

دلالات
المساهمون