تقرير "تشيلكوت": أفخاخ قانونية تترك الباب موارباً لمحاكمة بلير

08 يوليو 2016
حياة بلير السياسية قبل التقرير ليست كما بعده (Getty)
+ الخط -

بعد نشر لجنة السير تشيلكوت تقريرها حول مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003، وإدانات صريحة لرئيس الوزراء الأسبق توني بلير، بوصفه المسؤول الأول عن قرار مشاركة بريطانيا في الغزو إلى جانب الولايات المتحدة، تُطرح أسئلة ملحّة، حول ماذا بعد؟ وهل ستنجح العائلات المفجوعة، ومن خلفهم معارضو الغزو من النشطاء والسياسيين، في جرّ بلير إلى المحاكم الوطنية أو الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بوصفه تسبب بمقتل 179 جندياً بريطانياً، ومئات آلاف العراقيين؟

ما يشجّع على ترسيخ فكرة أن "كرة تشيلكوت" لن تتوقف عن التدحرج، وربما تصل إلى قاعات القضاء، أنّ تقرير لجنة التحقيق لم يؤكد شرعية العمل العسكري، وترك المسألة مفتوحة، كما أن "لجنة تشيلكوت" أفادت بأن المبرّرات التي قدّمتها حكومة بلير كأساس قانوني للحرب "لم تكن مرضية إلى حدّ بعيد". وكأن التقرير بذلك ترك الباب موارباً، لم يغلقه تماماً بالتصريح بشرعية قرار الحرب، ولم يفتحه على مصراعيه بالجزم بعدم شرعية قرار الحرب.

والتقطت عائلات جنود بريطانيين قتلوا في العراق ما ورد في التقرير، وبادرت على الفور في إجراءات قانونية قد تؤدي إلى محاكمات خاصة ضد رئيس الوزراء الأسبق. وبالتوازي مع هذا المسار، تتحضّر مجموعة من النواب في مجلس العموم البريطاني لمحاكمة بلير، باستخدام آلية برلمانية قديمة، لم تستخدمها السلطات التشريعية منذ عام 1806. ونقلت صحيفة "تليغراف" عن مصدر برلماني، قوله إن "المساءلة القانونية غير بعيدة عن أذهاننا، لكننا نحتاج أولاً للاطلاع على تقرير لجنة التحقيق ودراسته. هناك بالتأكيد شعور أن بلير يجب أن يُحاسب بشكل صحيح بسبب تصرفاته التي قادت إلى حرب كارثية".

وذكرت الصحيفة أن عملية محاكمة بلير من قبل السلطة التشريعية قد تبدأ بطلب من نائب واحد، يقدم اقتراحاً مشفوعاً بأدلة، ثم تشرع لجنة من مجلس النواب بإعداد وثيقة "المساءلة القانونية". وإذا تمت إدانة بلير من قبل السلطة التشريعية، تحال القضية إلى السلطات القضائية تمهيداً لمحاكمة قضائية قد تؤدي إلى سجن بلير.

ولا يبدي الراغبون في ملاحقة توني بلير قضائياً مستوى التفاؤل ذاته، عندما يتعلق الأمر باحتمال جرّ بلير إلى محكمة الجنايات الدولية، ذلك أن خبراء القانون الدولي، ومنهم المحامي البريطاني، قاضي الاستئناف السابق بالأمم المتحدة، جيفري روبرتسون، يستبعدون احتمال تقديم بلير للمحاكمة كمجرم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، ذلك أن "خرق أحكام ميثاق الأمم المتحدة لا يعني أن منفذّيه متهمون بارتكاب جريمة حرب". وأوضح روبرتسون أن الفقرة الثانية من المادة 5 من نظام روما الأساسي تشير إلى أن المحكمة لا يجوز لها ممارسة الولاية القضائية على جريمة العدوان، حتى تتفق الدول الأعضاء على تعريفها الحديث.




ولفت إلى أن الدول لم تتوصل لاتفاق في هذا الشأن عام 2010، وقررت إرجاء الأمر حتى التوصل لمزيد من الاتفاق عام 2017. وأشار القاضي السابق بمحكمة جرائم الحرب في سيراليون إلى أن استحالة محاكمة بلير تعود إلى مبدأ قانوني أساسي وهو أن القاعدة القانونية لا تطبق بأثر رجعي، وفي عام 2003 وقت وقوع الغزو، لم تكن جريمة العدوان محددة، وبالتالي لا يمكن تقديم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن كـ"جانٍ رئيسي"، وتوني بلير كـ"شريك"، للمحكمة الجنائية الدولية.

وحول إمكانية محاكمة بلير بجريمة العدوان داخل البلاد، إذا ما تم تضمينها في القانون العام البريطاني، قال روبرتسون إن المحكمة العليا في بريطانيا رفضت هذ الطرح عام 2006، إذ رفض اللورد توماس بنغهام السماح بأن تصبح جزءا من القانون البريطاني من دون موافقة برلمانية. وأكد بنغهام، آنذاك، أن "ممثلي الشعب في البرلمان، وليس السلطة التنفيذية أو القضاة، هم الذين يفصلون في تحديد ما هو سلوك إجرامي".

قد لا تنجح محاولات جرّ بلير إلى ساحات القضاء المحلي أو الدولي، وقد يكون من الخيال رؤية بلير خلف القضبان، لكن الأكيد أن سمعة الرجل قد تضررت بشكل كبير بعد كل ما ورد في تقرير "تشيلكوت" من إدانات وانتقادات عن سوء الإدارة والتخطيط، والتجاهل المُتعمّد للمؤسسات، والتهميش الجائر للوزراء، ناهيك عن التلفيق والتضليل.

وقد تظهر أولى علامات ذلك قريباً، عندما يفشل توني بلير في حجز مقعد على رأس طاولة المفاوضات حول انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وقد حاول منذ الإعلان عن نتيجة استفتاء الـ23 من يونيو/ حزيران الماضي، تقديم نفسه باعتباره الأكثر قدرة وخبرة على قيادة فريق المفاوضين البريطانيين لانتزاع أفضل اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. وقد عبّر بلير عن ذلك، ضمناً، في مقال كتبه في صحيفة "تليغراف" البريطانية قائلاً: "ستكون هناك مفاوضات معقّدة للغاية، فيها ألف شيطان في كل تفصيل... هذا يستلزم حنكة سياسية بالغة".