تفاهمات جدة اليمنية: إدخال الانفصاليين إلى الحكومة يهدد بأزمة جديدة

14 أكتوبر 2019
يطرح الاتفاق إلحاق التشكيلات الأمنية بالأجهزة الحكومية (وائل قباطي/الأناضول)
+ الخط -

يعود الملف اليمني، ولا سيما القضية الجنوبية، إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة من بوابة النقاشات القائمة في جدة لحل الأزمة الجنوبية التي نتجت عن الانقلاب الذي قاده الانفصاليون والإمارات وانتهى بسيطرتهم على عدن بعد مواجهات عنيفة بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي ومن خلفه أبوظبي، والحكومة الشرعية ومن معها من جهة أخرى. وفيما وقفت الرياض متفرجة على انقلاب عدن من دون أي تدخّل لوقفه، فإنها تحاول اليوم دفع الأطراف اليمنية إلى اتفاق عبر حوار غير مباشر ترعاه في جدة، بدأت تتسرب بعض معالمه، التي كشفت عن أنه سيستهدف إدخال "المجلس الانتقالي" في السلطة عبر حكومة جديدة تُشكَّل مناصفة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى دمج مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، أي ضم القوات التي كانت خاضعة للإمارات وخارجة عن سيطرة الحكومة، إلى الأجهزة الحكومية اليمنية رسمياً.

وعلى الرغم من أن هكذا اتفاق يحقق مكاسب مهمة لـ"الانتقالي"، غير أنه قد يؤدي إلى مشاكل جديدة في الجنوب، لا سيما أن بعض الأطراف الجنوبية ترفض استئثار هذا المجلس بتمثيل المنطقة وتطالب بحصص لها في أي مناصب حكومية وفق الاتفاق الذي قد يخرج عن مشاورات جدة، ما قد يُقلص بالتالي وجود "الانتقالي" في السلطة.

وتتواصل النقاشات المكثّفة في جدة بين السعودية ومسؤولين في الحكومة اليمنية، بشأن مسودة اتفاق قدّمتها الرياض لحل الأزمة بين الحكومة و"المجلس الانتقالي" الانفصالي المدعوم من الإمارات. وكان هذا الحوار قد انطلق مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، بين وفد من "الانتقالي" يترأسه رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، وبين ممثلين عن الحكومة، إلا أن الطرفين لم يعقدا أي لقاءات مباشرة معلنة، واستمر التواصل عوضاً عن ذلك عبر المسؤولين السعوديين الذين يعقدون لقاءات مع الطرفين.

وأكدت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية لـ"العربي الجديد"، تواصل النقاشات بشأن مسودة الرياض المقدّمة للحل، متوقّعة أن يخرج الاتفاق بصيغته النهائية خلال أيام، لكنها أشارت إلى أن المفاوضات ما تزال مستمرة بشأن العديد من البنود وأن التباينات ما تزال مستمرة. ووفقاً للمصادر ذاتها، فقد انتقل النقاش في الأيام الأخيرة، من الخطوط العريضة الخاصة بنزع فتيل الأزمة في عدن، إلى خطوات تفصيلية بشأن الحكومة التي قد يجري تشكيلها على ضوء الاتفاق، وحصة كل طرف، بما في ذلك "المجلس الانتقالي"، والذي يطالب ممثلوه بعدد غير قليل من المقاعد الوزارية ومناصب السلطة المحلية (محافظين)، الأمر الذي واجهه الطرف الحكومي بالرفض.

وخلال الساعات الماضية، سربت مصادر سياسية يمنية، مضامين جديدة من مسودة المقترح السعودي لحل الأزمة، وتشمل تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها "الانتقالي" ومكوّنات جنوبية أخرى. ووفقاً لما نشرته قناة "الجزيرة"، تنص المسودة على تشكيل الحكومة مناصفة من الجنوب والشمال، وأن يعيّن الرئيس عبدربه منصور هادي من يشغل منصب رئيس الحكومة بالإضافة إلى أعضاء الوزارات السيادية. وتشدد المسودة على دمج مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، ما يعني ضم القوات الخاضعة للإمارات والخارجة عن سيطرة الحكومة، في الأجهزة الحكومية اليمنية. ومن أبرز ما يتضمنه المقترح السعودي أيضاً، تسمية الرياض مشرفاً على تنفيذ الاتفاق، بما يمنحها التواجد والإشراف على مختلف الخطوات التنفيذية.


وعلى الرغم من أن هذه التسريبات حول مسودة الاتفاق تُظهر تحقيق مكاسب لأتباع أبوظبي في "المجلس الانتقالي"، غير أنها بدأت في المقابل بإشعال خلافات بين الأطراف الجنوبية حول المحاصصة في الدولة، في ظل سعي أبوظبي لتمكين حلفائها في المناصب الحكومية على حساب الآخرين.
وقالت مصادر جنوبية لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات وأتباعها بدأوا بمحاولة اختبار الشارع وتسويق ما يسمونها مخرجات جدة، ويروّجون لأنصارهم أنهم حققوا مكاسب فعلية عبر الحصول على مناصب في الحكومة وفي أجهزة الدولة، فضلاً عن التسويق إلى أنهم أرغموا الشرعية على الجلوس معهم لتحقيق ذلك، مع أن مصادر في الشرعية تقول إنه لا حوار بدأ لا من قريب ولا من بعيد بين الشرعية و"الانتقالي"، وإن الحوار غير المباشر ما زال مستمراً بين الشرعية والإمارات برعاية سعودية.

وفيما تحاول الإمارات وأتباعها تهيئة الشارع الجنوبي لقبول مخرجات الحوار، إلا أن الشارع بدا متوجساً من التسريبات، لا سيما من الأنباء التي تفيد بأن الشرعية قد تعود إلى عدن، وأن "الانتقالي" سيحصل على مناصب حكومية، وقواته ستُضم إلى وزارتي الدفاع والداخلية، فيما كان العديد من قادة "الانتقالي" يشغلون فعلياً مناصب في السلطة، كمحافظين وغيرها، لتبرز تساؤلات لدى الكثير من أنصار "الانتقالي" حول كيفية القبول بهذه التسوية بعد الدماء الكثيرة التي سالت، وارتفاع منسوب الخلافات المناطقية، وتعرّض النسيج الاجتماعي كله للخطر مع انقسامات حادة في الجنوب، وكل ذلك من أجل مناصب كانت بيد قادة "الانتقالي"، أم أن كل ما حصل كان من أجل تحقيق مصالح أبوظبي فقط، وليس مصالح القضية الجنوبية.
وقال قيادي في "الانتقالي"، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هذا التساؤل مقلق ومحرج في الوقت نفسه، لأن الوضع قد يخرج عن سيطرة المجلس إذا رأى من خرج وقاتل من أجل الجنوب أن لا مكاسب تحققت، وهو ما يعني انتصار الشرعية.

وحول ما يتم الترويج له من أن "المجلس الانتقالي" سيمثّل الجنوب في المحافل الدولية، استبعدت مصادر سياسية من الشرعية وأخرى مقربة من "الانتقالي" والأطراف الجنوبية الأخرى لـ"العربي الجديد" ذلك، لأن الجنوب متعدد الأقطاب والتجاذبات الإقليمية والدولية، ولن يكون هناك لطرف واحد حق تمثيل الجنوب، إلا من خلال توحيد كل القوى الجنوبية، وهو ما أكدته أغلب البعثات الدبلوماسية والبعثة الأممية، التي التقت الكثير من قادة الأطراف الجنوبية.
وفي ظل محاولة الإمارات وأتباعها التصوير أن "الانتقالي" هو الممثل الوحيد للجنوب، تسود حالة من الشد والجذب في الرياض وجدة بين الأطراف الجنوبية، وسط إجماع على أن حصول المجلس على مناصب حكومية سيكون على حساب مسؤولين جنوبيين، لأن المناصب الوزارية ستكون وفق المناصفة بين الشمال والجنوب، لذلك تصر العديد من الأطراف الجنوبية على ضرورة المحاصصة أيضاً في المراكز المخصصة للجنوبيين كما هو الحال لدى الأطراف في الشمال.

وأكدت مصادر جنوبية في الشرعية وفي المجالس الثورية للحراك الجنوبي فضلاً عن مؤتمر القاهرة والائتلاف الوطني الجنوبي، لـ"العربي الجديد"، وجود خلافات بين قيادات جنوبية عدة على مسألة المحاصصة في المكاسب والمناصب داخل السلطة، وذلك حتى قبل أن يتم حل المشكلة بين أبوظبي والشرعية اليمنية، والتي على إثرها سيتم النقاش حول المبادرة السعودية، فيما إشراك "الانتقالي" في أي حكومة سيقابله العديد من الشروط، والتي من أهمها الحفاظ على الاستقرار وسلامة اليمن ووحدة أراضيه والالتزام بالمرجعيات الوطنية والدولة الاتحادية.
ووفق تلك المصادر، فإن أي حل لهذه المشكلة لا بد أن يراعي مصالح كل الأطراف ويشرك الجميع، من انضموا سابقاً إلى الشرعية ومن لا يزالون خارجها، حتى لا تتكرر المشكلة الحالية، ولقطع الطريق أمام مساعي إقصاء الأطراف الجنوبية الأخرى من قِبل أبوظبي، التي تسعى إلى الضغط لفرض حلول بينها وبين الشرعية، وتمكين حلفائها وإقصاء الأطراف الأخرى.

وبدأت عمليات استقطاب بين الأطراف الجنوبية استعداداً للمرحلة المقبلة، وحاول "الانتقالي" التقرب من قيادات مؤتمرية جنوبية، بينها قيادات منخرطة في صفوف الحوثيين لاستقطابها، وعُقدت لقاءات في عدن بين عدد من هذه القيادات وبين "الانتقالي"، وكان من أبرز تلك الوجوه القيادي المؤتمري البارز محسن النقيب والذي التقى في عدن رئيس الجمعية الوطنية التابعة لـ"المجلس الانتقالي" اللواء أحمد سعيد بن بريك.

المساهمون