تعيين أحمد أبو الغيط أميناً عاماً... الرمزية والرسائل

12 مارس 2016
تحّفظت قطر على تعيين أحمد أبو الغيط(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يجمع عدد كبير من المراقبين للمشهد العربي الراهن، حتى من بين غير المتحمسين للثورات العربية، أو من أصحاب التقييم السلبي لموجة انتفاضات عام 2011، على توصيف مشابه للحظة تعيين أحمد أبو الغيط أميناً عاماً جديداً لجامعة الدول العربية، مساء الخميس، على اعتبار أن الحدث يجسد أحد أكبر الانتصارات للثورات العربية المضادة، أو بكلام أدق، أبرز "إنجاز" للمتمسكين ببقاء رموز النظام العربي لما قبل أحداث الانتفاضات العربية.

تقييم لا ينطلق فحسب من تاريخ الرجل، كأبرز مسؤول عربي يدافع رسمياً وعلناً عن عدوان إسرائيلي، أي الرصاص المصبوب 2008-2009، متبنّياً الادعاء بأن "لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها"، بل أيضاً هو تقييم يستذكر أن الرجل كان وزير خارجية حسني مبارك لحظة إطاحة الأخير، لما تمثله هذه الجزئية من رمزية تُضاف إلى خطوة انقسمت الآراء حولها، بين من اعتبرها "طبيعية في سياق الأحداث"، من جهة، ومن يرفض اعتبارها طبيعية، ألا وهي موافقة السلطة الفلسطينية ودولة تونس على تعيين أبو الغيط.

فإذا كان موقف وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي "منطقياً" مقارنة مع سلوك سلطة الرئيس محمود عباس وخياراتها السياسية، إلا أن موافقة تونس، باعتبارها الدولة الوحيدة التي نجحت ثورتها، نسبياً، صعق كثيرين. بينما لا يتفق كثيرون على هذا الرأي، على اعتبار أن الطبقة السياسية الحاكمة اليوم في تونس ليست بكاملها وليدة الثورة، من رأس الهرم وصولاً إلى الأطر السياسية الدنيا.

انطلاقاً من هذه الوقائع، بدا سلوك المعترض الوحيد، دولة قطر، محدوداً، ومقيداً أولاً بالنظام الداخلي للجامعة الذي يفرض انتخاباً بغالبية الثلثين السهلة على المعسكر المؤيد لتعيين أبو الغيط، وثانياً مقيداً بحساسية الموقف، والرغبة القطرية بالمحافظة على ما تبقى من إجماع عربي، أو بأقل تقدير التخفيف من الخلافات العربية ــ العربية التي تصل إلى مستوى العداوات هذه الأيام، وهو ما يفرض، برأي القيادة القطرية، تفادي ما يمكن أن يزيد من التوتر على العلاقات العربية البينية.

ويحلو للبعض في هذا السياق، التهوين من قرار تعيين أبو الغيط، انطلاقاً من لازمة أن منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية رمزي بلا أي فعالية، ويشبه حال الجامعة كمؤسسة تنازع حتى صار عقد القمة السنوية بمثابة الكأس المرّ على الدول الأعضاء يتسابقون على التهرب منها، على ما تفيد تجربة الأعوام الماضية، وصولاً إلى الاعتذار المغربي الأخير عن استقبال فعاليات القمة.

اقرأ ايضاً: أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة العربية... وتحفظ قطري

وتقول مصادر دبلوماسية مصرية، على هامش اليوم الثاني للجلسة غير العادية للجامعة العربية، إن الأسباب التي دفعت قطر للتحفظ على اسم الأمين العام الجديد، أحمد أبو الغيط، والذي يتولى مهام عمله في يوليو/تموز المقبل، بالتزامن مع الموعد المقرر للاجتماع السنوي، يتصدرها موقفه السلبي من القضية الفلسطينية، وبعض مكونات المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، نظراً لكونه كان واحداً من أركان مبارك، ولا يفصل بين قناعته الشخصية بأن الحركة تمثل ذراعاً لجماعة "الإخوان المسلمين"، والتي ساهمت في الإطاحة بنظام مبارك، وبالتالي الإطاحة بأبو الغيط نفسه من وزارة الخارجية المصرية التي تولى حقيبتها بين 2004 و2011.

كما أن أبو الغيط سبق له أن هاجم دولة قطر، متهماً إياها بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، وذلك قبل أيام قليلة من سقوط النظام المصري إبان ثورة 25 يناير 2011. وتبرر مصادر مطلعة عن كثب على أجواء اجتماعات الدورة الحالية لوزراء الخارجية العرب، أن الفترة المقبلة كانت تتطلب أميناً عاماً بمواصفات خاصة، لطبيعة المرحلة التي ربما تشهد تغييراً كبيراً في نظام عمل الجامعة، لتكون قادرة على مواكبة الأحداث العربية، وكذلك القيام بدور في حل الصراعات التي يعج بها العالم العربي، وفي مقدمتها مشكلات ليبيا، والعراق، وسورية، واليمن.

وتكشف فيها مصادر دبلوماسية أخرى جانباً من كواليس الجلسة المغلقة التي عقدت بين وزراء خارجية كل من السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، ليل الخميس، لإقناع الدوحة بالموافقة على اختيار أبو الغيط خلفاً لنبيل العربي. وتفيد المصادر بأن قطر وافقت بعد اقتراح كل من السعودية، والإمارات، قيام الأمين العام بجولة عربية، فور توليه المنصب، يبدأها بالدوحة، ويوضح خلالها موقفه من القيادة القطرية، وكذلك موقفه من القضايا العربية الراهنة، على أن يتبعها بزيارة للعاصمة السودانية الخرطوم، والتي اعترضت بدورها على ترشيح اسم أبو الغيط.

وكان وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد قال في مداخلة قبل إعلان وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، والذي تتولى بلاده رئاسة الجلسة، في رده على تعيين أبو الغيط: "التزمنا بالتوافق العربي حول ترشيح مصر أبو الغيط أميناً عاما للجامعة ونعلن تحفظنا على شخصه". ويصف مصدر دبلوماسي مصري، اختيار أبو الغيط، بأنه رسالة بالغة السوء للشارع العربي، خاصة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي، ستبدو سعيدة بهذا الاختيار ورسائله.

اقرأ أيضاً مذكرات هيلاري كلينتون: أبو الغيط دافع بشراسة عن مبارك
المساهمون