تعليمات أجهزة السيسي لإعلام النظام: "المعارضة متّهمة"

05 فبراير 2018
لا مرشح ينافس السيسي (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
سادت وسائل الإعلام المصرية، في الفترة الأخيرة، نغمة أنه "لا وجود للسياسة في مصر"، إذ تحدث جميع مقدمي البرامج التلفزيونية في الموضوع نفسه، متّفقين جميعهم على نقطة واحدة، هي "إدانة جميع القوى والحركات السياسية المعارضة" في مصر، وتحميلها مسؤولية "غياب العمل السياسي الحقيقي، وضعف مشاركة الناس فيه". وبالتوازي مع تلك النغمة في البرامج التلفزيونية، انبرى أيضًا كثير من الكتاب والصحافيين للترويج لتلك الفكرة.

وبحسب ما علمت "العربي الجديد" من مصادر متعددة من داخل محطات تلفزيونية مصريّة، فإن تعليماتٍ مشددةً قد صدرت لمقدمي البرامج ومعدّيها، بضرورة تناول القضية من وجهة النظر تلك التي تُحمّل القوى السياسية المعارِضة مسؤولية إضعاف الحركة السياسية المصرية بشكل عام، وذلك اتساقًا مع ما صرح به الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، خلال افتتاح حقل "ظهر" للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، عندما اتهم القوى السياسية في مصر بالجهل بمقومات بناء الدولة تارة، وبالاشتراك في مؤامرة لإسقاطها تارة أخرى، وذلك قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التي منع النظام المصري المنافسيْن الأبرزين للسيسي اللذين كانا يشكلان شبه تهديد للسيسي نفسه، وهما الفريق أحمد شفيق، والفريق أول سامي عنان، من خوضها، كما كان ذلك سبباً في انسحاب المنافس المدني الوحيد "اليساري" خالد علي.

وكان السيسي قد وجّه تحذيراً شديد اللهجة، الأربعاء الماضي، إلى "المعارضين"، وذلك بعد يوم من دعوة بعض السياسيين والقوى المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الفترة ما بين 26 فبراير/ شباط و28 مارس/ آذار. وقال السيسي "احذروا، ما حصل في منذ سبع أو ثماني سنوات لن يتكرّر مجدداً في مصر (في إشارةٍ إلى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011)". وأضاف في افتتاح حقل الغاز "ما لم ينجح حينها تُريدون أن تُنجحوه الآن؟ لا. لا. لا. يبدو أنّكم لا تعرفونني جيداً".

وتابع السيسي "أمنك واستقرارك يا مصر ثمنه حياتي، أنا، وحياة الجيش. ولن يدخل أحد معنا في موضوع أمن مصر. لستُ سياسياً يتكلّم فقط، ولسنا نبني بلداً بالكلام، وكي تعود إلى هذا الشكل، الله يعلم كيف عادت. من يُفكّر في أن يقترب من مصر، سأقول للمصريين انزلوا مجدداً وأعطوني تفويضاً أمام الأشرار. أي أشرار. لستُ أخاف غير الله. أنا أتعلّم منذ 50 عاماً ماذا تعني دولة، وأعلم نفسي ماذا تعني الدولة، وهي أمرٌ صعب جداً".

كلام السيسي تلقّفه الإعلاميون المحسوبون على النظام في مصر وأخذوا الترويج له بشتى الطرق. فحتى الصوت الوحيد الذي خرج قبل فترة ينتقد استبعاد جميع المرشحين لانتخابات الرئاسة، وينتقد طريقة تعامل الأجهزة في مسألة اختيار منافس مناسب للسيسي والدفع به للترشح (وهو ما حدث مع رئيس حزب "الغد" موسى مصطفى موسى)، الذي كان صوت المذيعة لميس الحديدي، التي اتهمت تلك الأجهزة بنسف الحياة السياسية في مصر، عادت بسرعة إلى حظيرة النظام الإعلامية، لتردد النغمة نفسها: "مفيش سياسة".


وكانت لميس الحديدي قد استنكرت، قبل خطاب السيسي بأيام، "غياب السياسة في مصر خلال الفترة الأخيرة، وعدم وجود قاعدة شعبية للأحزاب في مصر"، مشيرةً إلى أن الأحزاب تتحمل جزءاً من المسؤولية إلى جانب النظام السياسي. وأضافت الحديدي "هقولها وأجري على الله، يوجد غياب أو تغييب للسياسة في مصر، نحن عاملنا السياسة باستحقار، وأي حد يعمل في السياسة، إما عميل أو يجب انتقاده بشدة". وأشارت إلى "عدم وجود رئيس وزراء سياسي، أو وزراء سياسيين، وكذلك عدم وجود مستشارين سياسيين لرئيس الجمهورية". وأضافت أن "هناك رغبة في إسكات الصوت الآخر من بعض الأجهزة، وخوفاً وقلقاً من أي كلام في السياسة".

لكنّ لميس الحديدي عادت مرة أخرى، بعد خطاب السيسي، لتحمِّل المعارضة السياسية وحدها مسؤولية الفشل. إذ وجهت حديثها للمعارضة قائلة "هل أنتم جاهزون لـ2022، وتجهزون مرشحين للانتخابات، وهل سيكون لكم تواجد شعبي على الأرض، وبرامج تصلح لها، أم أننا في الوقت الضائع قبل الانتخابات بعدة أشهر قليلة سنقول "أصل المجال مقفول علينا" وهناك تضييق، ونطالب بمقاطعة الانتخابات؟".

وأضافت الحديدي في برنامجها "هنا العاصمة" أن "الإعلام لم يتوقف عن الانتقاد طوال الفترة السابقة لأن هذا دوره، ولكن لم تقم المعارضة بدورها الحقيقي المتمثل في تجهيز مرشحين وتأسيس قواعد على الأرض". وقالت "كنت أتمنى من المعارضة المصرية أن تكون لديها أهداف نبيلة غير إحراج النظام أمام العالم بانسحابه من المشهد". وكان السيسي قد انتقد في خطابه أيضًا "الإعلام" وحذره من تناول القضايا "التي تمسّ الأمن القومي المصري".

من جهته، انتقد المذيع عمرو أديب، أيضًا، الداعين لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وسأل خلال برنامجه "كل يوم": "أنت عندما تجلس، هل ستغيّر شيئاً؟ الأمور هي هي. هل لديكم شكّ في النتيجة؟"، مضيفاً "يجب على كل أب النزول للانتخابات، لتعليم الأطفال المشاركة السياسية".

أما الصحافي خالد صلاح (المعروف بقربه من الأجهزة الاستخباراتية) فذهب إلى أبعد مما ذهبت لميس الحديدي وزوجها عمرو أديب، واختار أن يهاجم "المعارضة المصرية" ولكن بطريقة "مبتكرة". إذ كتب مقالاً في صحيفته "اليوم السابع" تحت عنوان "الإخوان أقوى من المعارضة المدنية... إحنا مش هنضحك على نفسنا"، قال فيه إن "الميديا الغربية تعزف أوركسترا دعائية مفزعة ضد انتخابات الرئاسة، هذه الأوركسترا هي السبب الرئيسي في تقديري، لصدى الصوت الذي نقرأه أو نسمعه في بعض البيانات السياسية الصادرة في الداخل من نفس الوجوه المكررة، التي لا نراها إلا في الأزمات، ولا نسمع لها صوتاً إلا في أوقات المحن، ولحظات الريبة وأيام الفتن".
وأضاف صلاح "هذه الوجوه تطلق على نفسها "المعارضة المدنية" تثير الشفقة أكثر مما تثير القلق، إذ إنني كنت أتمنى أن تنهض في مصر معارضة حقيقية، لكن الواقع يقول: إن من يقدمون أنفسهم باعتبارهم رموزاً ديمقراطية لم نعرفهم إلا في خدمة "بلاط الإخوان"، ولم نعرف لهم نجاحا سياسياً أو برلمانياً إلا عبر تحالفهم مع الإخوان. نحن نعرف يقينا أن الأستاذ حمدين صباحي ومن معه لم يكونوا أبداً مناضلين ديمقراطيين ليبراليين يسعون من أجل الحريات، الأستاذ حمدين هو قيادي ناصري لحركة لم يعد لها أنصار سياسيون حقيقيون".
ودعا أكثر من 150 سياسياً وناشطاً في مصر، يوم الثلاثاء الماضي، إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي يخوضها السيسي ضد مرشح كان مؤيداً سابقاً له، وذلك بعد انسحاب عدد من المرشحين الآخرين، فيما أرجعوه إلى حملة ترهيب.

ومن بين الداعين إلى المقاطعة، حمدين صباحي، الذي خاض انتخابات الرئاسة في 2014 ضد السيسي، وهشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات وأحد داعمي حملة رئيس الأركان السابق سامي عنان الانتخابية.

وألقت السلطات القبض على عنان في 23 من يناير/ كانون الثاني بعد اتهام القيادة العامة للقوات المسلحة له بمخالفة القانون بإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية من دون إذن. وأعلنت حملة عنان توقفها حتى إشعار آخر.

وقال السيسي إنه قد يطلب من المصريين النزول إلى الشوارع ومنحه "تفويضاً" في مواجهة من وصفهم "بالأشرار". ولم يحدد من يقصد.

وقال السيسي الذي انتُخب رئيساً في 2014 بعد عام من قيادته الجيش لإطاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي عقب احتجاجات على حكمه "اسمعوا اللي بقولكم عليه، اللي عايز يلعب في مصر ويضيعها لازم يخلص مني أنا الأول، لأني أنا لن أسمح".