ماذا يعني أن يقول الناقد، أي ناقد، إن هذه الرواية أو تلك، تشكّل إضافة إلى الرواية العربية؟
إذا كان ذلك يشير إلى مضمون الرواية، أو إلى خطابها الفكري والسياسي، فإنه يقصد أنَّ ما تقوله لم يقله أحد من قبل، ولم يأت على ذكر موضوعاتها أحد أيضاً، أمّا إذا كان يشير إلى بنائها الفني فإنه يقصد أنها قد سجّلت تطوُّراً جديداً في المعمار الروائي لم يقدّم مثلَه أحد من قبل أيضاً. واستناداً إلى إحدى هاتين الإجابتين، يمكن أن نقرّر متى يمكن لرواية ما أن تكون إضافةً إلى تاريخ الرواية، ومتى يمكن لرواية أخرى أن تكون مجرّد رقم جديد لا يغيّر البناء ولا يبدل التاريخ الأدبي؟
وفي الغالب، فإنَّ تطوُّر الروايات في أي مكان وزمان، أو جمودها وعجزها عن تتبُّع التغيُّرات، أو خلق إضافات جديدة في مسار الرواية العربية والعالمية سوف يأخذ معطياته المقرّرة من اجتماع قطبَي الرواية في أي نص من النصوص. فإمّا أن تكون الموضوعات أو الأفكار هي التي تهيمن على هذا الحقل الأدبي، أو تكون التقنيات وطرق الفن هي التي تقرّر قيمته وجدواه وحقّه في البقاء، في مرحلة أخرى. سبق أن وُضعت هذه المسألة في صورة صراع الشكل والمضمون.
والروائيون في البلدان التي تتعرّض للقهر أو الاحتلال أو تعيش التخلُّف الاجتماعي والاقتصادي، محرجون دائماً في الاختيار بين هاتين المهمَّتَين الروائيتَين، أكثر من غيرهم من الروائيّين في البلدان المستقرة، وثمّة من يوجّه إليهم كثيراً من النقد فيما إذا تجاهلوا، ولو في رواية واحدة من رواياتهم، قضية الثورات أو موضوعات الظلم والاستبداد، دون أن نذكر المسؤولية الأخلاقية التي تعنيهم هم أنفسهم دون أن يكونوا تحت رقابة أحد.
وتزداد هذه المواقف اليوم في البلاد العربية، ويمكن أن نقرأ نقداً لرواية ما يقول إنها قاربت أو لم تقارب موضوع الثورة مثلاً، بل إنَّ العديد من جداول القراءات النقدية السائدة يستند إلى المواقف السياسية أولاً، وسوف نجد من يقرّر جودة هذا النص أو ذاك بسبب موضوع الرواية، ومضمونها، لا بسبب قيمتها الفنية.
وأذكر أننا خضنا كثيراً من النقاشات بخصوص انشغال الفن بالوردة أم بالقضية، وربما كانت نقاشات الجيل قد وصلت إلى أسماع محمود درويش كي يقول: "إنا نحب الورد/ لكنا نحب القمح أكثر". وهو خطاب في الموضوع، وليس خطاباً في الفن، علماً أنَّ الشعر استطاع التخلُّص من هذه الثنائية مبكراً.
ولكن تاريخ الرواية في العالم، وفي عالمنا العربي، هو تاريخ الابتكارات والاقتراحات الفنية، وليس تاريخ تطوُّر الأفكار التي تحملها. ولهذا نرى أن الرواية في الغرب تنتقل من مدرسة فنية إلى أخرى، وهذا الانتقال يعني تغيُّراً في الرؤية الفكرية والفنية إلى العالم الذي يعيش فيه الروائيون، يحمل في طياته أبعاداً فنية بالضرورة.
ومن غير المعروف اليوم ما إذا كان الروائيّون قادرين على التخلُّص من عبء الموضوع بوصفه مرجعاً وحيداً، دون أن يتعرّضوا لهزّات من الوجدان الشخصي، أو للتأنيب من الشعور الجمعي.