"طاولات راقصة" في قرطبة: روحانية الأشياء وألغازها

18 نوفمبر 2024
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في القرن التاسع عشر، ظهرت الروحانية كوسيلة لتجاوز القيود التقليدية، مما أتاح للكتّاب والفنانين، مثل فيكتور هوغو، استكشاف عوالم اللاواعي وتحرير النساء من الهياكل الأبوية.
- معرض "طاولات راقصة" للفنانة مرسيدس أزبيليكويتا يستكشف الروحانية من خلال أعمال فنية تتراوح بين التعويذات والطقوس، مما يفتح المجال للأفكار لتتدفق بحرية بين الواقعي والخيالي.
- يقدّم المعرض تجربة غامرة حيث تتداخل الحدود بين المادي والروحي، مما يعكس قوة الفن في جعل غير المرئي مرئياً، مستلهماً من تجارب فيكتور هوغو.

في القرن التاسع عشر، ظهرت الروحانية، بين المسيحية والتحليل النفسي، بوصفها إمكانية لإعادة لمِّ الشمل بين العالم الأرضي وعالم الأرواح. لم تفتح هذه الحركة أبواباً جديدة للخيال فحسب، بل أتاحت أيضاً للعديد من الكتّاب والفنانين مساحة من الحرية لتجاوز القيود التي يفرضها المجتمع التقليدي. على سبيل المثال، وثّق فيكتور هوغو من منفاه تجاربه الروحانية، حين وصف "رقصة" الطاولات في جلسات الوساطة الروحية التي توفّر إمكانية الاتصال بكائنات من عوالم أخرى. 

يبدو أنَّ هذه الممارسة لم تساعد على أن يتعرّف الإنسان على عوالم اللاواعي فحسب، بل عكست أيضاً القوّة التحرّرية للروحانية، خاصة عند النساء اللواتي وجدن في هذه التجارب طرقاً إبداعية وتواصلية تتجاوز الهياكل الأبوية.

"طاولات راقصة" عنوان معرض الفنانة الأرجنتينية مرسيدس أزبيليكويتا (مواليد لا بلاتا،1981)، المقام حالياً في "المركز الأندلسي للفن المعاصر" بقرطبة، ويتواصل حتى التاسع من آذار/ مارس 2025، حيث تستكشف الفنانة المساحة الإبداعية التي تظهر من خلال روحانية الأشياء المليئة بالألغاز والسحر والغنائية، وتدعونا إلى التفكير في أنماط الخلق ومصادر الإلهام والفرق بين الإرادي، والآلي، والمُوحى لنا.

شخصيات طيفية مستوحاة من الخيال إلى جانب كائنات عابرة للبشر

ما إن يدخل الزائر المعرض، حتى يشعر أنّ جميع الأعمال تبدو بمثابة تعويذات أو طقوس، أو مقطوعاتٍ موسيقية، أو نماذج أوّلية أو حتى شخصيات خيالية تتحاور بعضها مع بعض. غير أن اللافت أنّ في هذه الحوارات ثمّة أشياء مثيرة للاهتمام بشكل خاص، مثل عمل "عنكبوت مغناطيسي"، الذي تتحاور فيه لوحة على قنديل متصلٍ بزوج من السراويل مع حذاء مليء بالمسامير؛ الأمر الذي يولّد مساحة خيالية تدخل فيها الأفكار وتخرج بلا مسافات. لكنّ حوارات أخرى تبقى في رقصة غير مكتملة مثل هروب النجوم من حذاء أو غيتار أو قبعة معلّقة في سقف المتحف.
 
هناك أيضاً شيء حرفيٌّ، فالأشياء والتفاصيل الدقيقة التي تنبض بالحياة وتتكاثر في مكانها، لديها نزعة الهروب نحو الخارج. يتجلّى هذا الشيء بوضوح في عمل "القوة الجماعية"؛ وهو طاولة مليئة بالأيدي الجصّية الجاهزة للهرب. ولكن، إلى أين؟ إلى عالم الأرواح؟ إلى البعد الآخر من الحياة، حيث يوجد الموت؟ لا أحد يعرف الجواب. 

في معرض الفنانة الأرجنتينية لن يشعر الزائر أنه وحيد، حتى لو كان حقاً كذلك. معه سوف تتجول الشخصيات الطيفية المستوحاة من الخيال إلى جانب كائنات عابرة للبشر ومزعجة في بعض الأحيان. الهدف من ذلك، هو إقحام المشاهد في عالم تكون فيه الحدود بين الواقعي والحلمي، بين المادي والروحي، غير واضحة من خلال لعبة الأضواء والظلال. هكذا تبدو الطاولات وكأنّها تتراقص على إيقاع التركيب الصوتي الذي يحيط بمساحة المعرض بأكمله، مما يوحي بإيماءات أداء تتأرجح بين الكوريغرافيا وغير المرئي والعفوي. 

منحوتات ثلاثية الأبعاد ترتدي الملابس القرطبية النموذجية، طاولات معلقة في الفضاء، وعناصر نسيجية، وجدران مزينة بسلسلة من الرسومات، جميعها تخلق بيئة تنكشف فيها الظلال تدريجياً، مما يجعل المشاهد يدخل تحت تأثير القوى غير المرئية في عالم يتجاوز الملموس. 

في هذا العالم غير المرئي، يخوض الزائر تجربة غامرة، حيث لا يقتصر الإدراك على البصر، بل يشمل الحواس كلها، مما يسمح بتصوّر الأثيري والروحي، ويذكّر بقوة الفن وقدرته على أن يجعل غير المرئي مرئياً، تماماً كما حاول فيكتور هوغو أن يفعل ذلك من منفاه.

المساهمون