تظاهرات المعارضين الروس: نهاية مفعول ضم القرم والحرب السورية

13 مارس 2019
تظاهر 15 ألف روسي ضد "الرونت السيادي" (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ منتصف العام الماضي يواجه حزب "روسيا الموحدة" الحاكم ومؤسسه الرئيس فلاديمير بوتين، موجة من تراجع نسب التأييد، وتوسع رقعة الاحتجاجات التي بدأت بالتعبير عن رفض رفع سن التقاعد وصولاً إلى تظاهرة مناهضة لتشديد الرقابة على الإنترنت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بمشاركة أكثر من 15 ألف شخص، جُلهم من الشباب. وما يزيد من أهمية تلك الموجة الاحتجاجية أنها لم تعد تقتصر على مطالب اجتماعية واقتصادية. كما أنها تعتبر الأوسع نطاقاً منذ مايو/ أيار 2012، حين خرجت مسيرات حاشدة رفضاً لعودة بوتين إلى الرئاسة، بعدما شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام. إلا أن السلطة الروسية تمكنت آنذاك من ردع وتيرة الاحتجاجات عن طريق تشديد قانون التظاهر وصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحتجين، بتهمة "الاعتداء على أفراد الأمن"، في ما عُرف إعلامياً بـ"قضية ساحة بولوتنايا". وفي هذا الإطار، يُرجع الناشط اليساري إيغور ياسين، تجدد موجة الاحتجاجات في روسيا إلى مجموعة عوامل اجتماعية عميقة، بما فيها استمرار انخفاض مداخيل الأفراد، وتراجع تأثير الدعاية و"نجاحات" السياسة الخارجية، ونشأة جيل جديد لا يتذكر أحداث "بولوتنايا". ويقول ياسين، لـ"العربي الجديد"، إن "مداخيل الأفراد تتراجع للعام الخامس على التوالي. أما رفع سن التقاعد فقد أثار خيبة الأمل من بوتين، حتى بين مؤيديه، إذ عارض نحو 90 في المائة من السكان هذا الإصلاح".

وفي السنوات الماضية، شكلت ملفات السياسة الخارجية، مثل ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014 والتدخل العسكري في سورية في 2015، عامل زيادة لنسبة تأييد السلطة في الداخل وسط ارتفاع شعبية بوتين إلى أكثر من 80 في المائة. إلا أن ياسين يوضح أن "الدعاية الوطنية حول ضم القرم لم يعد لها تأثير على الناس، فما بالك بالنجاحات في سورية النائية". وحول عودة الشباب إلى المشاركة في التظاهرات، يقول "مرت سبع سنوات على احتجاجات بولوتنايا، ونشأ جيل جديد يبدي ردود فعل غاضبة على محاولات السلطات فرض قيود على الإنترنت وغيره من الحريات".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي عباس غالياموف، أن عدد المشاركين في التظاهرات الأخيرة البالغ 15 ألفاً، يشكل "عتبة" لن تسمح للسلطات بالحديث عن فشل الاحتجاج. ومع ذلك، أوضح غالياموف، لصحيفة "فيدوموستي" الروسية، أنه "لا مجال للحديث عن نجاح كاسح من قبل المحتجين"، مستبعداً احتمال حدوث أي تغيير يُذكر في ميزان القوى. وبدورها، رأت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن التظاهرات المطالبة بحرية الإنترنت تعكس غضباً في صفوف الطبقة الوسطى لا يقل أهمية عن احتجاجات المتقاعدين والموظفين الحكوميين. وفي مقال بعنوان "لهذه الأسباب لا ينبغي تجاهل التظاهرات من أجل الإنترنت الحر"، نشر أمس الثلاثاء، أشارت الصحيفة إلى أن التظاهرات المطالبة بحرية الإنترنت لا تثير القلق نفسه لدى السلطات مثل الاحتجاجات المحتملة ضد رفع سن التقاعد أو التضخم أو تراجع المدخول، مُرجعة ذلك إلى أن السلطة لم تكن يوماً تسترشد بـ"البورجوازية الجديدة" أو تسعى لنيل أصواتها. ومع ذلك، ذكّرت "نيزافيسيمايا غازيتا" بأن بوتين أعلن عن هدف طموح يتمثل في إقامة اقتصاد جديد يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة وزيادة المدخول، ما سيترجم إلى تحول جزء من طبقة "الأتباع" إلى الطبقة الوسطى، وتغيير الأنماط الاستهلاكية. واعتبرت أن الارتقاء بجودة الحياة لن يتحقق إلا بتوفير إمكانية حصول المرء على المعلومات التي يحتاجها والسماح له بتصفح الإنترنت بحرية.

وكانت العاصمة الروسية موسكو قد شهدت، الأحد الماضي، تظاهرة حاشدة احتجاجاً على مشروع قانون "الرونت السيادي" الذي من شأنه تشديد القبضة على الشبكة العالمية بذريعة خطر فصل الخدمة من الخارج. وتزامنت التظاهرة مع استمرار مجلس الدوما (النواب) الروسي في مناقشة مشروع قانون "الرونت السيادي"، الذي من شأنه "إقامة بنية تحتية مستقلة لاستمرار عمل الإنترنت في روسيا دون انقطاع في حال تعذر الاتصال بالخوادم الخارجية"، أي في حال فصل الإنترنت عن روسيا من الخارج. ورغم أن التظاهرة هيمنت عليها شعارات مطالبة بحرية الإنترنت، إلا أنها لم تخلُ من هتافات سياسية، مثل "روسيا بلا بوتين" و"روسيا ستكون حرة"، بينما أوقفت الشرطة عشرات المشاركين. يذكر أن استطلاعاً حديثاً، أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام"، أظهر تراجع ثقة الروس ببوتين إلى 32 في المائة فقط، فيما يعتبر أدنى مستوى لهذا المؤشر منذ 13 سنة. إلا أن استطلاعاً آخر أجراه مركز "ليفادا" أظهر تراجعاً في الأمزجة الاحتجاجية، إذ أعرب 34 في المائة من المستطلعة آراؤهم فقط عن اعتقادهم بخروج احتجاجات في مدنهم، وذلك مقابل 41 في المائة في الصيف الماضي، حين تم الإعلان عن الرفع التدريجي لسن التقاعد.

المساهمون