تتّسع، في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، رقعة المؤيدين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل والمعروفة باسم (BDS). وباتساع هذه الرقعة، ازداد توغل وضغط اللوبي الصهيوني على الساسة الأميركيين من أجل تشريع قوانين تحاول تجريم المقاطعة وإدراجها في خانة "معاداة السامية"، علماً بأن بعض المؤسسات التي تدعم حركة المقاطعة هي منظمات يسارية يهودية كمنظمة "أصوات يهودية من أجل السلام".
وفي خطوة مفاجئة، وإن لم تكن مستبعدة، قام حاكم ولاية نيويورك، آندرو كوومو، يوم الأحد الماضي، بالتوقيع على قرار إداري يقضي بمقاطعة ومحاربة حركة المقاطعة. واختار كوومو، وهو من الحزب الديمقراطي، الإعلان عن تلك الخطوة بعد اشتراكه في مسيرة "يوم إسرائيل"، الذي يقام سنوياً في مدينة نيويورك. ولم تكن هذه الخطوة مستبعدة لأن برلمان الولاية يشهد منذ أشهر مداولات في محاولة لسن قانون مشابه في نصه، لما جاء في القرار الإداري لكوومو، إلا أن المفاجأة جاءت في استباق كوومو لمداولات البرلمان بأيام وإعلانه عن قراره. ويبدو أن ضغط اللوبي الصهيوني ازداد، في ظل التوقعات بفشل الحصول على الأغلبية المطلوبة لتمرير اقتراح القانون، مما حدا بحاكم نيويورك إلى التفرد بالإعلان عن تلك الخطوة.
ويعدّ إقرار حاكم ولاية أميركية لتدبير من هذا النوع خطوة غير مسبوقة. وينص القرار على أن ولاية نيويورك لن تقدم أي دعم مادي، مباشر أو غير مباشر، لأية جهة تقاطع، أو تروّج لمقاطعة، "إسرائيل" اقتصادياً وثقافياً أو أكاديمياً أو بأي شكل آخر. واحدة من تلك المنظمات الأميركية هي منظمة "فلسطين القانون" (Palestine Legal)، ومن ضمن اختصاصاتها تقديم الدعم القانوني لطلاب الجامعات والأفراد والمؤسسات التي تنشط في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني داخل الولايات المتحدة، بما فيها حركة المقاطعة. وفي هذا السياق تقول رئيسة المنظمة، الحقوقية ديمة خالدي، لـ"العربي الجديد"، في نيويورك، إن "هذا القانون يتعدى على حقوقنا الأساسية، بما فيها الحق في حرية التعبير، التي ينص عليها الدستور الأميركي، عن طريق استخدام القوة الاقتصادية للدولة من أجل تقويض دعم القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان الفلسطيني". وتؤكد خالدي أن مؤسستها تتشاور حالياً مع مؤسسات أخرى حول إمكانيات رفع دعوى قضائية ضد هذا القرار الإداري غير الدستوري.
صحيحٌ أنه لم يسبق لحاكم ولاية أميركية أن اتخذ قراراً إدارياً كهذا، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تشريع قانون مشابه، مع فارقٍ يتمثل في أن إصداره تم من قبل برلمانات الولايات والكونغرس الأميركي. وقد كثّف اللوبي اليميني والصهيوني في السنوات الأخيرة جهوده في هذا السياق، وشهد عام 2014 أكثر من تسع محاولات لتشريع قوانين ضد حركة المقاطعة، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل. أما في عام 2015، فشهد محاولات تمرير 16 تشريعاً في ولايات ومدن مختلفة، نجحت ثلاثة منها وأصبحت قوانين سارية المفعول في عدة ولايات، من بينها إلينوي وجنوب كارولاينا. في هذا الصدد، تشدّد خالدي على أن هذه القوانين، باستثناء محاولتها حجب الأموال الحكومية عن المنظمات الداعمة للمقاطعة في ولاياتها، لا تجرّم أو تمنع دعم المقاطعة والتعبير عن ذلك، بأن هذا الحق، أي حق التعبير عن الرأي، تكفله حرية التعبير التي ينص عليها الدستور الأميركي.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ما تقوم به هذه القوانين والحملات المضادة لحقوق الإنسان الفلسطيني، إضافة إلى الضرر المادي، هو محاولة بث الرعب والبلبلة في قلوب الداعمين للقضية الفلسطينية والمناهضين لخروقات حقوق الإنسان، التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة بين الشباب وطلاب الجامعات والأساتذة الجامعيين، غير المثبّتين منهم على وجه التحديد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت إحدى المنظمات الصهيونية أسماء مئات الأساتذة الجامعيين في الولايات المتحدة ضمن قائمة سوداء تناشد من خلالها طلاب الجامعات بمقاطعة حصصهم، والضغط على جامعاتهم، بسبب توقيعهم على عريضة، خلال الحرب الأخيرة على غزة، تطالب بمقاطعة الجامعات الإسرائيلية لعلاقتها الوطيدة مع جيش الاحتلال.
وتمكن اللوبي اليميني من الضغط على إدارة جامعة "إلينوي" لتسحب تعيينها للأستاذ الجامعي، ستيفن سلايطة، بسبب تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتقد جيش الاحتلال، كذلك خلال الحرب الأخيرة على غزة، وعلّلت الإدارة ذلك بكون تغريداته قد "خرجت عن الحد المقبول لحرية الرأي، وأن طلابه لن يشعروا بأمان في صفوفه". وعلى المستوى الفدرالي، أصدر الكونغرس العام الماضي قانوناً يحارب المقاطعة ويهدد بسحب الدعم المادي للمؤسسات التي تدعمها، ويطالب بتقرير دولي مفصل حول المؤسسات الرسمية في العالم، التي تدعمها، وما إذا كان لها أسهم في البورصات الأميركية، وغيرها من الخطوات العديدة المتعلقة بالتجارة والعقود التجارية بين الولايات المتحدة ودول ومؤسسات عالمية.