اعترف الروس بمسؤولية النظام السوري عن هجوم خان شيخون الكيماوي، لكنهم نسجوا قصة عن حيثيات المجزرة في محاولة لتحميل مسؤولية مقتل وإصابة مئات المدنيين بالأسلحة الكيمياوية للمعارضة، في حين تفيد المعلومات بأن المجزرة ناتجة عن غارة جوية بأربع قنابل مظلية تحمل غازات سامة.
وفي السياق، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، اليوم الأربعاء، إنه "وفقاً لوسائل الرصد الجوية الروسية، قصفت القوات الجوية السورية في الساعة 11.30 و12 ظهراً بالتوقيت المحلي أمس مستودعاً ضخماً للذخيرة تابعاً للإرهابيين في الأطراف الشرقية لبلدة خان شيخون بريف إدلب، وكان المستودع يحوي ذخيرة ومعدات، فضلاً عن العثور على مصنع محلي لإنتاج قنابل محشوة بمواد سامة".
وزعم المتحدث أن "المستودع احتوى على ذخائر أسلحة كيميائية تم نقلها إلى البلاد من العراق".
ونشرت قناة "روسيا اليوم" فيديو للمتحدث كوناشينكوف، قال فيه، بحسب الترجمة الفورية، إن "الطيران السوري قصف أمس من الساعة 11.30 إلى الساعة 12.30 مستودعاً كبيراً للإرهابيين يحتوي على أسلحة ومعدات عسكرية، ويوجد في محيطه ورشة لصناعة الألغام المشحونة بمواد سامة"، معتبراً أن "من هذا المخزون الواسع زوّد المقاتلون في العراق بالأسلحة الكيمياوية، والتي أثبتت المنظمات الدولية والسلطات العراقية أكثر من مرة استخدام الإرهابيين لها".
خبر واحد وتصريح واحد حمل الكثير من المغالطات ونسج القصص غير المنطقية، بدءاً من تحديد موعد عملية القصف، إذ إن المسؤول الروسي يتحدث عن القصف بين 11.30 و12.30، والذي استهدف المشفى الوحيد في المنطقة ونقاطاً عدة أخرى، وأغفل تماماً القصف الكيمياوي الذي وقع بحدود الـ6.30 صباحاً.
كذلك تحدث عن قصف في الجهة الشرقية، فيما استهدف الهجوم الكيماوي الحي الشمالي للبلدة. وتحدث عن قصف مستودع أسلحة ومعدات بالجوار منه ورشة لصناعة ألغام مشحونة بمواد سامة؟!!! وهذه قد تكون جديدة، أي وجود ألغام كيمياوية، ليعود ويناقض نفسه متحدثاً عن أن "ذلك المستودع يزوّد المقاتلين في العراق بالأسلحة الكيمياوية".
وتغافل المتحدث العسكري الروسي عن أن من يوجد في العراق هو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومن يسيطر على خان شيخون هي فصائل مسلحة معارضة، وأن بين الجانبين عداء كبير.
إلى ذلك، أكّد المجلس المحلي في مدينة خان شيخون، لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى عدد من الناشطين، أن القصف تم عبر "4 قنابل محمولة بمظلات من طائرة حربية نوع "سوخوي 22" في الساعة 6.30 صباحاً"، ما يعني أن القنابل غير دقيقة التوجيه، والمكان المستهدف كان منازل مدنيين، إذ سقط "أحد الصواريخ في وسط الشارع، والصاروخ الثاني في وسط منزل، والذي لا يبعد عن النقطة الأولى أكثر من 200 متر، والصاروخ الثالث يبعد عنه نحو 400 متر، أما الرابع فيبعد 800 متر"، ما يؤكد أن المستهدف لم يكن مستودعاً أو ورشة، بل منطقة سكنية مكتظة بالمدنيين.
وقال عضو المركز توثيق انتهاكات استخدام الأسلحة الكيمياوية في سورية، نضال شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "استخدام الأسلحة الكيمياوية ليس جديدا في سورية، فهو مستمر منذ أربع سنوات ونصف السنة تقريباً"، وبيّن أن "هناك لجنة تحقيق اكتشفت، عقب سحب الترسانة الكيمياوية عام 2013، وجود آثار لغاز السارين في دمشق، وطلبت من النظام حينها تسليم ما يمتلكه منه، إلا أن الأخير أكد عدم وجودها حينها".
ولفت شيخاني إلى أن "تصنيع مثل هذا الغاز ليس بالأمر السهل. وبالمقارنة بين الضربة الكيمياوية في الغوطة والضربة الأخيرة في خان شيخون، نجد أن الأعراض متشابهة، إذ يتبن أنها غاز أعصاب يعمل على شلل الجملة العصبية من الجهاز التنفسي والقلب والدماغ، وخاصة أن هذا الغاز المستخدم من الواضح أنه عالي التركيز، أي أن به مواد كيميائية إضافية، كما أن القنابل الملقاة تحتاج إلى مفجر قوي ليتسبب بأكبر انتشار ممكن، وهذا لا يتوفر في الصواريخ محلية الصنع".
وذكر عضو المركز توثيق انتهاكات استخدام الأسلحة الكيمياوية في سورية أن "موعد القصف تم اختياره من قبل خبراء، إذ تكون درجة الحرارة عند الساعة 6.30 تقريباً معتدلة والرياح شبه ساكنة، وهذه الظروف الجوية هي الأمثل لقتل أكبر عدد ممكن".
وأوضح أن "في سورية تم إلى الآن ارتكاب 230 انتهاكاً كيمياوياً، 90% منها تم إثبات استخدامها عبر الطيران الحربي، ومعروف من الجميع من يمتلك الطيران الحربي".
وأضاف: "لدى التدقيق بمخلفات البراميل والقنابل التي تحمل تلك المواد الكيمياوية والمستخدمة في العديد من المناطق، يتبين أنها متشابهة بشكل كبير جداً من حيث العبوات البلاستيكية الموجودة بداخلها والخطوط داخلها والمفجرات لها، وكل ذلك يدل أن مصدر إنتاجها واحد، ويتطلب وجود معمل بتقنيات محددة، ولا أعتقد أن المعارضة تمتلك الإمكانات والقدرة على إنتاج مثل هذه الأسلحة".