تصاعد التوتر على الغاز في البحر المتوسط، خلال الفترة الأخيرة، إذ تسعى كل من تركيا وقبرص اليونانية ومصر إلى الحصول على أكبر حصة من هذه الثروة من خلال رسم خريطة جديدة بين الأطراف المتنازعة، فأنقرة تلوّح بالتهديد العسكري ضد قبرص التي تعتبر أن تحركها من أجل التنقيب في السواحل حق طبيعي.
وعلى الجانب الآخر، تصر القاهرة على تطبيق اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص وتحذر من أي تعدّ عليها، وهو ما رفضته تركيا التي تؤكد أن الاتفاقية غير قانونية. وزادت المخاوف في الفترة الأخيرة من تطور الصراع ليتخطى الاشتباك القانوني والسياسي إلى حروب مسلحة لحسم النزاع الدائر.
نزاع تركي - قبرصي
كانت آخر التطورات في سياق الخلافات التركية القبرصية، تصعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من لهجته المحذرة لدول وشركات من التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية الواقعة قبالة سواحل قبرص.
ونصح أردوغان، أمس، الشركات الأجنبية التي تقوم بالتنقيب قبالة هذه السواحل بألا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها من خلال ثقتها بالجانب اليوناني.
وقال أردوغان: "نحذّر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة (في إشارة إلى اليونان) وقبرص ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية".
وأردف أردوغان: "إن حقوقنا في الدفاع عن الأمن القومي في عفرين هي نفسها في بحر إيجة وقبرص".
وقال ناطق باسم "إيني"، إن سفينة الحفر سايبم 12000 كانت في طريقها إلى منطقة الاستكشاف رقم "3" التي يقع فيها حقل "سوبيا" للغاز، جنوب شرقي الجزيرة القبرصية، عندما أوقفتها السفن الحربية التركية، وطلبت منها عدم مواصلة رحلتها بسبب الأنشطة العسكرية في المنطقة التي تقصدها.
وتؤكد تركيا أن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لتركيا أو للقبارصة الأتراك.
وقال رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس، وفقا لوكالة رويترز، في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، إن تركيا خرقت القانون الدولي بعرقلة السفينة، وإن بلاده ستتخذ "الخطوات اللازمة"، من دون أن يدلي بتفاصيل.
وأكد وزير الطاقة والاقتصاد السابق في حكومة شمال قبرص التركية، سونات أطون، على حق تركيا في التنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية، معتبرا أن التحركات التركية في مياه البحر المتوسط، تأتي في إطار القوانين الدولية.
وأوضح أنّ الحكومة التركية لديها كامل الحق في إجراء مناورات عسكرية في القسم المخصص لها بالمتوسط، إلى جانب امتلاكها حق التدخل لردع أي اعتداء على أجزائها.
وأضاف أطون أنّ تنقيب إدارة قبرص اليونانية عن الغاز الطبيعي والنفط، في القسم السادس من المتوسط الواقع قبالة سواحل جزيرة قبرص، يتعارض مع حقوق تركيا الناجمة عن القوانين الدولية.
ودان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أنشطة التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية في البحر الأبيض المتوسط، وقال: "تعتبر تركيا حقول النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط فرصة للتعاون.. والمبادرات الانفرادية للجانب القبرصي اليوناني ليست في محلها وخطيرة وتؤدي إلى طريق مسدود".
واكتشف احتياطي من الغاز يقدر بنحو 127.4 مليار متر مكعب في عام 2011 قبالة ساحل قبرص في حقل أفروديت. ولكن استثمار هذا الحقل لم يبدأ بعد، وتأمل قبرص في العثور على كميات تمكنها من بناء محطة لتسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا وآسيا بحلول عام 2022.
وتقوم مجموعة شركات توتال الفرنسية وإيطاليا الإيطالية بحفر 167 كيلومترا قبالة الساحل الجنوبي لقبرص. واكتشفت أخيرا حقلا يحتوي على أكثر من 4 تريليونات قدم مكعب من الغاز في أماكن أخرى من المياه القبرصية.
وتؤيد اليونان جهود قبرص في استكشاف الموارد النفطية. وتشهد جزيرة قبرص انقساماً بين شطرين، تركي في الشمال، ويوناني في الجنوب، منذ 1974، ولاحقا رفض القبارصة اليونانيون خطة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة في عام 2004.
أنقرة في مواجهة القاهرة
وفي إطار التصعيد حول الثروات النفطية في منطقة المتوسط، ظهرت أخيراً بوادر أزمة جديدة بين مصر وتركيا، تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، حيث أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، رفض تركيا للاتفاقية بين قبرص ومصر التي تم توقيعها في عام 2013 الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالبلدين في شرق البحر المتوسط.
وقال في حديث صحافي إن بلاده "تخطط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في المستقبل القريب، وإن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقا سياديا لتركيا".
وجاء الرد المصري سريعاً، حيث حذرت القاهرة أنقرة من محاولة المساس بالسيادة المصرية في ما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بها في شرق المتوسط، مؤكدة أن ذلك محاولة مرفوضة وسيتم التصدي لها.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في تصريحات صحافية سابقة، إنه لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر المتوسط.
وبدأت مصر إنتاج الغاز من حقل ظهر العملاق الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية ويحتوي على مخزون يقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة. وكان التوتر بين تركيا وقبرص قد تصاعد على خلفية هذه القضية بعدما اتهمت نيقوسيا أنقرة بأنها تسعى إلى إرباك عمليات البحث عن الغاز التي تجريها في البحر.
وحسب ترسيم الحدود للمنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص وإسرائيل التي جرى توقيعها في نيقوسيا، فإن الجزء الجنوبي منها يخص مصر، حيث يوجد حقل ظهر غرب نقطة التقاء الحدود البحرية بين مصر والعدو الإسرائيلي وقبرص.
وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، برات البيرق، أنه سيتم إرسال أول سفينة حفر تركية إلى البحر المتوسط للحفر والتنقيب عن البترول والغاز في المنطقة في أقرب وقت ممكن.
صراع قانوني
يدور الاشتباك التركي المصري بخصوص ثروات الغاز في البحر المتوسط حول الجوانب القانونية، ولم يقطع الجانبان مفاوضاتهم السياسية لحل الأزمة رغم التلويح العسكري من الجانبين.
وفي هذا السياق، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن تركيا ترفض الاتفاقية الثنائية التي وقعتها مصر وقبرص اليونانية عام 2013، لأنها تغفل حقوق تركيا والأتراك القبارصة، بل وتقدمت أنقرة بطلب للجهات الدولية لرفض الاتفاقية، لأنها تنتهك القانون.
ولفت المحلل التركي إلى أن بلاده والقبارصة الأتراك شددوا مرارا على عدم شرعية أنشطة القبارصة اليونانيين المتعلقة بالتنقيب عن النفط في الجزيرة.
وحول الحجة القانونية لدى تركيا، عدا طعنها باتفاقية مصر وقبرص، أضاف المحلل التركي: أولاً لدى تركيا سواحل مطلة على شرق المتوسط وهي صاحبة السيادة عليها وفق القانون الدولي والاتفاقات الموقعة بعد عام 1923، كما لدى تركيا اتفاقات مع إنكلترا التي كانت تسيطر على قبرص عام 1953، والأهم أن الترسيم والاتفاق المصري القبرصي، تم بشكل ثنائي بعيداً عن تركيا وحقوقها وحقوق الأتراك القبارصة.
ولا يتوقع أوغلو أن يتطور الخلاف لدرجة الاصطدام، رغم أن الدول أرست سفنها الحربية بمياه المتوسط، لكنه يرى دخول أطراف أخرى للصراع، وفي مقدمتها إسرائيل، التي ستقف إلى جانب مصر وقبرص، ما سيعقد الأزمة وربما يؤدي إرجاء عمليات التنقيب والاستخراج حتى يتم التوافق وترسيم الحدود برضى الأطراف جميعها، وليس بشكل ثنائي.
ومن جانبه، يرى المستشار بمركز الدراسات الاستراتيجية بأنقرة، جيواد غوك، أن الاتحاد الأوروبي يميل إلى جانب مصر وقبرص، كما أن الاتفاق المصري القبرصي لاقى قبولاً دولياً منذ 4 أعوام.
يرجّح غوك، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تستمر بلاده بأعمال التنقيب، على الأقل بمياهها الإقليمية قريباً، لكنها لن تتنازل عن حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك بثروات شرق المتوسط، والتي تقول الدراسات إنه يحتوي على كميات هائلة من مخزون الغاز الطبيعي، تقدر بنحو 381 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يجعل شرق المتوسط المنطقة الخامسة عالميًا من ناحية كمية المخزون.
في المقابل، ظهرت سفينة "الأمسترال" الحربية المصرية للمرة الأولى حول حقول الغاز المصرية معلنة أن المساس بها أمن قومي لا رادع له سوى النار.
ويؤكد أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، أن مصر أودعت اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص لدى الأمم المتحدة منذ عام 2013، الأمر الذي يعطيها صفة القانونية التي لا يمكن خرقها من أي دولة أخرى. وأكد الخبير القانوني المصري أن بلاده يحق لها اللجوء للمنظمات الدولية في وجه الادعاءات التركية، لافتا إلى أنه لا يتوقع أن يحدث ذلك.
ومن جانبه، قال الخبير النفطي المصري رمضان أبو العلا، لـ"العربي الجديد"، إن تركيا ليست عضواً في اتفاقية الأمم المتحدة لأعالي البحار، وبالتالي لم تحدد حدودها البحرية، فيما يؤكد سلامة الموقف القانوني لمصر من اتفاقية ترسيم الحدود الأخيرة مع اليونان.