تشوه المواليد الجدد...أسلحة إسرائيل المحرمة تفتك بأجنة غزة (فيديو)

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
24 نوفمبر 2016
6D2FA147-F10E-4325-8D70-EDC0D8318906
+ الخط -
سيطرت مشاعر الصدمة على العشريني الغزي، عبد الرحيم حامد، بعد أن أخبره الطبيب أكرم جمعة اختصاصي طب الأجنة، بأن واحدا من بين طفليه اللذين لم يولدا بعد، يعاني من تشوهات خلقية، تستدعي إجراء عملية الولادة في مشفى متخصص خارج غزة، على أن يتبعها إجراء عملية جراحية دقيقة لعلاج تشوه الجنين حتى لا يموت، كما حدث لمولود زوجة شقيق حامد، التي تقطن معهم بذات المنزل في منطقة شرق رفح، إذ كان جنينها يعاني تشوهات أدت إلى ولادة مبكرة، فارقت على إثرها مولودتها الحياة.

لا تعد حالة عائلة حامد، فريدة من نوعها بحسب الطبيب جمعة، المشرف على علاج الحالتين، إذ تزايد عدد حالات تشوه الأجنة التي يتابعها في مركزه المتخصص في الإخصاب وطب الأجنة جنوب قطاع غزة.

وأجهضت ما بين 60% إلى 70% من الحوامل التي يتابعن مع مركز الطبيب جمعة، خلال فترة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014، غير أن النسبة العظمى منهن كانت من المنطقة الشرقية بالقطاع، التي تبلغ مساحتها حوالى 100 كيلومتر مربع وتعرضت لقصف مكثف إذ ألقى عليها ما بين 16 إلى 18 ألف طن متفجرات وفقا لإحصاء صادر عن شرطة هندسة المتفجرات في قطاع غزة، نهاية عام 2014.


أرقام مفزعة

يولد في قطاع غزة حوالى 60 ألف طفل سنوياً، ويستقبل مشفى الشفاء 30% منهم، بحسب الدكتور علام أبو حامدة، استشاري ورئيس قسم حضانة حديثي الولادة في المشفى الواقع في مدينة غزة، ويؤكد أبو حامدة أنه قبل عام 2006 كانت نسبة التشوهات ثابتة ومتماشية مع الأرقام العالمية، التي تصل إلى 40 حالة تشوه لكل ألف مولود، لكن النسبة زادت بعد عام 2010 بنحو 50%، فأصبحت حوالي 63 حالة تشوه لكل 1000 مولود في غزة، ثم حدثت زيادة أخرى بعد عدوان 2012، وزيادة أكبر بعد العام 2014، لتصل إلى 100 حالة لكل ألف مولود، بمختلف أنواع التشوهات مثل انفلاق الحنك أو الشفة الأرنبية، أو تشوه اليدين أو القدمين والفتق، وليس فقط الخطيرة منها، مثل تشوهات القلب والدماغ.

ووفقا لما وثقه معد التحقيق عبر أبرز منشأتين صحيتين تخدمان المنطقة الشرقية في غزة، فإن مشفى ناصر بمحافظة خان يونس أجرى 9600 عملية ولادة عام 2015، وتم تسجيل 100 حالة تشوه من مختلف الأنواع لكل ألف مولود، في حين أن مشفى الشفاء أجريت فيه 18 ألف حالة ولادة في ذات العام وتكررت فيه ذات النسبة، ما استدعى بدء دراسة لتحديد أنواع وعدد وأسباب حالات تشوهات المواليد الجدد على مستوى القطاع، ويتوقع الدكتور أبو حامدة صدور نتائج الدراسة نهاية العام الجاري.



أبرز أنواع التشوهات

ظهرت حالات غريبة من تشوهات الأجنة لم تكن معهودة من قبل في غزة، بعضها مصنف ضمن التشوهات الكبيرة في الجهاز العصبي والدماغ والقلب، بحسب متابعة الدكتور أكرم جمعة اختصاصي طب الأجنة، ووفق استطلاع ميداني أجراه معد التحقيق شمل 40 سيدة في قرى شرق رفح وخان يونس، تبين أن 5 سيدات من بين العينة (غير العلمية)، عانين من تشوهات لأجنتهن في حين أن 10 منهن ولدن مبكرا، خلال الفترة من 2010 وحتى 2016.

ويؤكد اختصاصي طب الأجنة جمعة أن بعض أنواع تشوه الدماغ (الاستسقاء)، "Non immune hydrops fetalis"، والموصوفة بالنادرة ظهرت في غزة بنسب مقلقة، لافتا إلى ظهور تشوه يعرف بـ "hydro cephalis" والذي يعد من أخطر أنواع استسقاء الدماغ، بالإضافة إلى تشوه الأطراف أو نقصها المعروف بـ"حدوة الحصان"، إضافة إلى تشوه "فتاق العصعص" وهو من الأنواع الخطيرة، الذي قد يؤدي إلى وفاة الجنين لاحقاً.

ويتفق الطبيبان أبو حامدة وجمعة على وجود علاقة قوية ما بين تشوهات الأجنة وسكن العائلة شرق غزة في مناطق تكرر تعرضها للقصف العنيف في اعتداءات الاحتلال الثلاثة، وهو ما يتفق علميا مع دراسة منشورة في المجلة العلمية "International Journal of Environment Research and Public Health"، وأجراها الباحثون باولا ماندوكا من جامعة "جِنوا" في إيطاليا، وعوني نعيم من غزة، وسيمونا سينيوريلو من جامعة "نابولي الثانية"، وبحسب الدراسة فإن رابطا وثيقا يجمع ما بين التعرض لمعادن الأسلحة التي استخدمت في قطاع غزة، وارتفاع نسبة العيوب الخلقية والولادات المبكرة في غزة.
وكشفت النتائج المنشورة في العام 2010 عن أن ما نسبته 27 % من أهالي الأطفال، الذين يظهرون عيوباً خلقية، تعرضوا لقنابل الفوسفور الأبيض، وحسب دراسات وزارة الصحة، فإن قنابل الدايم والقذائف المشحونة بالفسفورالأبيض، إضافة إلى معادن مثل الزئبق والسيلينيوم والقصدير، تعتبر من أكثر العناصر تسببا للتشوهات.

ويؤكد خبراء شرطة هندسة المتفجرات بغزة، أن الأسلحة التي أطلقتها إسرائيل، كانت تحوي مادة "الدايم"، "DIME - Dense Inert Metal Explosive" والتي تنتشر في جسد من يصاب بها أو يستنشقها، وتهاجم البصمة الوراثية لمادة "D.N.A" في جسم الإنسان، وتعمل على حدوث تفاعلات ضارة داخل الجسم، وانتقال جينات مشوهة من الأبوين للطفل، ما يزيد حالات التشوه، بحسب الملازم في هندسة المتفجرات محمد مقداد، وهو ما يطابق دراسة مجموعة New weapons البحثية والمتخصصة في تقييم مخاطر الأسلحة الاحدث المستخدمة أثناء الحروب على الأفراد والسكان، والتي أصدرتها في 17 سبتمبر/أيلول 2009، وأكدت احتواء تربة غزة على 35 معدان ساما ومسرطنا، ووجود تركيزات غير عادية للعناصر النادرة في تربة غزة ومن أهمها التنجستن والكوبالت، وأن وجود هذه العناصر تظهر آثاره السلبية مثل تشوهات خلقية وأمراض سرطانية.

زيادة تشوهات القلب

في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 كشفت دراسة طبية أجراها فريق بحثي من مشفى النصر للأطفال، وجود زيادة ملحوظة في نسبة تشوهات القلب لدى مواليد غزة خلال الأعوام التي تلت الحروب التي تعرض لها القطاع، ويعزي الباحثون هذه الزيادة الملحوظة إلى تعرض الحوامل لمواد ناتجة عن الأسلحة المحرمة دولياً.

وأوضحت الدراسة أن نسبة حالات تشوهات القلب الموجودة في قسم الحًضانة بمشفى النصر للأطفال تتراوح بين 1.3% و4.8%، مع ارتفاع نسبة الذكور المصابين مقارنة بالإناث، وزيادة النسبة في مدينة غزة. وأوصى الباحثون بأهمية إجراء دراسات تحليلية لمعرفة نوع ومدى التعرض للأسلحة المحرمة دوليا وتأثيرها على تشوهات القلب لدى مواليد غزة.


عناصر ثقيلة

يعزو أستاذ علم وظائف الأعضاء بالجامعة الإسلامية في غزة، البروفيسور ماجد ياسين، مسببات تشوه الأجنة إلى مكونات الأسلحة الإسرائيلية التي تحوي مادة اليورانيوم المنضب، إذ تؤثر على الخلايا الجينية لدى الجنين وتشوهها، لافتا إلى أنه في الفترة ما بعد عدوان (2008-2009)، ارتفعت حالات الإجهاض من 15% إلى 25%، وزادت نسبة تشوهات الأجنة من 5% إلى 15%، وفق نتائج دراسة أجراها في تلك الفترة.

وأدت بعض القذائف المنفجرة في غزة، إلى ظهور دوائر كربونية بيضاء اللون في التربة، وتحوي هذه الدوائر على مخلفات كيميائية متنوعة، مثل الرصاص والرينيوم، والكربون، وهي مواد سامة ثقيلة غير قابلة "للهدم البيولوجي"، تعلق في الطبقة السطحية للتربة، ويستمر وجودها في الأرض فترات طويلة نظراً لصعوبة تفتيتها، وتنتقل للإنسان بفعل انتقالها للمزروعات أو الخزان الجوفي للمياه، أو تتطاير مع الرياح، ويستمر ضررها لفترات طويلة، كما يؤكد الدكتور سمير العفيفي، المحاضر بقسم البيئة وعلوم الأرض بالجامعة الإسلامية بغزة، ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة.


ثاني أسباب وفاة الأطفال الغزيين

تعرضت زوجة الشاب ياسين أبو جزر، إلى الإجهاض في عام 2015، وهو ما دفعه إلى مغادرة منزله الذي سقطت عليه قذيفة أثناء عدوان 2014، ما أسفر عن استشهاد والديه، وقال أبو جزر لـ"العربي الجديد":"كنت أسكن شرق رفح، وانتقلت إلى وسط المدينة، اخترت منزلا في منطقة لم تطلها الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، خوفا من تكرار إجهاض زوجتي".

وتعد تشوهات الاطفال السبب الثاني لوفيات الأطفال في غزة بعد الالتهابات بأنواعها، كما يؤكد الدكتور محمود ضاهر، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في القطاع، مشيرا في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن الولادة المبكرة، واختناقات الولادة، يؤديان كذلك إلى وفاة الأطفال حديثي الولادة في غزة.
ولفت إلى أن منظمة الصحة العالمية تعمل على مساعدة وزارة الصحة في القطاع لتقليل عدد وفيات الأجنة والأطفال حديثي الولادة، من خلال مشروع "الولادات الآمنة"، بعد طلب الهيئات الصحية المحلية المساعدة من المنظمة، إثر ارتفاع نسبة الوفيات والتشوهات، ما دفع المنظمة إلى العمل على تحسين ظروف الولادة ورعاية الأطفال حديثي الولادة، ومن بينهم الطفلة جنى السويركي ذات العامين، والتي يقطن أهلها حي الشجاعية شرق غزة، وتعاني من تسمم دموي أدى إلى شحوب لونها وتحوله إلى الأزرق الداكن، وإضطرابات في الحركة والنمو، كما يقول ذووها الذين أكدوا أن ابنتهم ولدت قبل الحرب وكانت طبيعية، لكن ليلة المجزرة البشعة التي شهدها الحي في يوليو/ تموز من العام 2014، نتج عنها انبعاثات ومخلفات عن القذائف المنتشرة في كل مكان، ما أصاب ابنتهم بمرضها إذ لم يتجاوز عمرها عدة أيام وتعرضت لانبعاثات هائلة آذت جسدها مثل بقية أطفال القطاع.
دلالات

ذات صلة

الصورة
مسيرة في شوارع واشنطن بالأكفان من أجل النساء في غزة - 17 - 10 - 2024

مجتمع

شهدت واشنطن موكباً جنائزياً ومسيرة تضامنية مع النساء في غزة، جابت شوارع العاصمة وصولاً إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية
الصورة
تجمّع عسكري إسرائيلي على حدود لبنان، 30 سبتمبر 2024 (إريك مارمور/Getty)

سياسة

بعد عام على فتح الجبهة اللبنانية تحوّل لبنان من معركة إسناد غزة، إلى الحرب الشاملة، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، التي بدأت في 23 سبتمبر الماضي.
الصورة
مسرة في جامعة جورج واشنطن دعماً لفلسطين/22 أغسطس 2024(Getty)

سياسة

خرجت مسيرة احتجاجية في شوارع واشنطن، اليوم الأربعاء، تنديداً باستمرار العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزة.
الصورة

مجتمع

اضطرت عائلة في غزة مبتورة الأطراف إلى النزوح باتجاه مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بعد تدمير منزلها في مدينة رفح (جنوب) رغم صعوبة الأوضاع والحركة