تسليح الجيش المصري مدنيين في سيناء: إنتاج حرب أهلية؟

15 أكتوبر 2015
تشهد سيناء أوضاعاً غير مستقرة منذ عامين (فرانس برس)
+ الخط -

بدأ الجيش المصري وأجهزة الاستخبارات، خطوات عملية لتقديم الأسلحة والمعدات، لعناصر من أهالي محافظة شمال سيناء على الحدود الشرقية للبلاد، بهدف دعم ومساعدة هذه العناصر قوات الأمن، خلال مواجهتها التنظيمات المسلحة في المنطقة. هذه الخطوة لاقت تحذيرات من خطورتها من خبراء مهتمين بالأمن القومي، اعتبروا أن التمادي فيها "يعني دقّ طبول الحرب الأهلية في محافظة شمال سيناء".

وتشهد سيناء أوضاعاً غير مستقرة، منذ ما يزيد عن عامين، مع وجود صراع محموم بين القوات المشتركة من الجيش والشرطة، وعناصر مسلحة. وخلال العامين الماضيين، أطلق الجيش المصري حملة عسكرية تستهدف القضاء على وجود تنظيم "ولاية سيناء" ووقف تمدده وانضمام عناصر جديدة له، ولكنه لم يتمكن من السيطرة على الأوضاع ميدانياً.

وحاول الجيش والاستخبارات الزجّ بالقبائل في الصراع الدائر هناك، خصوصاً مع عدم القدرة على الحسم، وفشل الخطط في محاصرة التنظيم المسلح، الذي بدأ في استقبال أعداد ليست بقليلة من المقاتلين من مصر، فضلاً عن التخوف من انضمام عناصر مصرية قادمة من العراق وسورية، وفريق ثالث من غير المصريين.

بيد أن القبائل وبشكل واضح وصريح رفضت المشاركة في هذا الصراع، وأرسلت رسائل مبطّنة إلى قيادات الجيش والاستخبارات الحربية تحديداً، التي كانت تتولى التنسيق مع شيوخ القبائل. وكان على رأس أسباب رفض شيوخ القبائل والعائلات الكبيرة في سيناء، مساعدة الجيش ودعمه في مواجهة الجماعات المسلحة، عدم إشعال نيران حرب أهلية في سيناء، خصوصاً أن أغلب عناصر تلك المجموعات من شباب القبائل.

كما أن شيوخ القبائل وجدوا عدم احترام لهم في تجاوز أعراف وتقاليد المجتمع السيناوي، فضلاً عن الانتهاكات التي طاولت أهالي سيناء من قتل واعتقالات عشوائية، والتعرض للنساء والأطفال، وأخيراً عمليات التهجير.

ولجأ الجيش والاستخبارات إلى إذكاء الأزمة والصراع لعدم تلقّي خسائر أخرى، إذ عمدا إلى دعم بعض المدنيين لحمل السلاح علانيةً وتحديداً في الشيخ زويد، بدعوى مواجهة تنظيم "ولاية سيناء". وسادت حالة من الاستياء والغضب من شيوخ القبائل والعائلات الكبيرة بسبب اتجاه الجيش إلى إرباك الوضع في سيناء أكثر وأكثر، مع المخاوف من أن يؤدي دعمه مسلحين خارج إطار الدولة إلى حرب أهلية بين أبناء القبائل.

اقرأ أيضاً: سيناء بعد 42 عاماً على 6أكتوبر:الكارثة الكبرى منذ 1967

ويقول أحد شيوخ العشائر والعائلات الكبيرة، تعليقاً على ظهور المسلحين المدعومين من الجيش بالسلاح، إن "الجيش نفذ مخططه في محاولة إشعال الحرب الأهلية، واعتمد على عناصر مدنية في محاولة للوقوف أمام المسلحين". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك العناصر المدعومة من الجيش، بدأت تقوم بجولات في مدينة الشيخ زويد طوال اليوم، على متن سيارات نصف نقل، مشيراً إلى أن هذه العناصر ظهرت قبل بضعة أيام لأول مرة في الشيخ زويد، مدججة بالسلاح، أغلبه خفيف ومتوسط، من دون أن يتم اعتراضها من القوات المشتركة من جيش وشرطة.

ويكشف المصدر، أن هؤلاء العناصر المسلحة، أغلبهم من العشائر الصغيرة في سيناء والتي هي أقل نفوذاً وتأثيراً، فضلاً عن خارجين على القانون، مشدداً على أن "قبائل سيناء الكبيرة تعلم تماماً مخطط الجيش لبدء حرب أهلية في سيناء، لتعويض فشله في مواجهة تنظيم ولاية سيناء"، معتبراً أن "تلك العناصر لن تتمكن من مواجهة التنظيم". ويلفت إلى أن قبائل سيناء ستفوّت الفرصة على الجيش بعدم الدخول في صدام مع تلك العناصر المدعومة من الجيش، لعدم إثارة وإرباك الوضع، وإعطاء مبرر للجيش لمزيد من التنكيل والقمع والقتل والاعتقالات بحق المدنيين العزل.

من جهته، يحذر أحد شيوخ العائلات، من العواقب الوخيمة لمخطط الجيش في سيناء، إذا ثارت القبائل الكبيرة ضده، خصوصاً أن هناك ثأراً لديها من الجيش. ويشدد على أن الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، لا يريد إنهاء الأوضاع في سيناء والتخلّص من العناصر المسلحة، لكي يبقى الوضع مشتعلاً، للمتاجرة بورقة الإرهاب، فيما الأهالي يدفعون الثمن.

وهذه ليست المرة الأولى، التي يعتمد الجيش المصري فيها على عناصر مدنية في عملياته ضد تنظيم "ولاية سيناء"، إذ كان يعتمد على بعض الداعمين له لمعرفة الدروب الصحراوية، والطرق الوعرة، التي قد يلجأ إليها عناصر التنظيم. ويعتمد الجيش المصري على شبكة من المدنيين لنقل تحركات العناصر المسلّحة، إضافة إلى الإبلاغ عن عددها ومحاولة كشف هوية بعضها، بيد أن تلك المحاولات باءت بالفشل، خصوصاً مع استهداف "ولاية سيناء" للداعمين للجيش، الذين يطلق عليهم التنظيم "جواسيس".

ويواجه الجيش المصري وأجهزة الاستخبارات العامة والحربية، أزمة شديدة في مواجهة التنظيم المسلح، لجهة النقص الحاد في المعلومات عنه وعناصره وقياداته وتحركاته.

في المقابل، تقول مصادر مصرية مهتمة بالحركات المسلحة، ومنها تنظيم "ولاية سيناء"، لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم يعرف جيداً من هي تلك العناصر، متسائلة: "ألن تتمكن العناصر التي تستهدف الجيش والشرطة من استهداف مجموعات مدنية غير مدربة؟". وتذهب المصادر، إلى وجود حسابات دقيقة للتنظيم في عمليات الاستهداف، متوقعة أن يكون السبب في عدم استهداف هذه العناصر، هو أن تكون تلك المجموعات فخاً من الجيش، حتى إذا ما تمت المواجهة تحاصر قوات الجيش عناصر التنظيم.

بينما يقول خبير في الأمن القومي المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الطريقة في مواجهة التنظيمات المسلحة، قد تؤدي في حال التمادي فيها، إلى إشعال فتنة وحرب أهلية بين قبائل سيناء، لن يستفيد منها الجيش في المواجهة، ومن الأفضل البحث عن حلول حقيقية لا تعالج الوضع السيء بكارثة أكبر، يمكن أن تستمر سنوات".

ويعتبر أن "العقول التي تقود المواجهة لا تملك استراتيجية ولا خطة واضحة المعالم لها، فهي تتصرف بطريقة عشوائية، ويدفع الوطن ثمنها الفادح في الخسائر البشرية، والمجتمعية، والاقتصادية، وتضعنا أمام كارثة حقيقية تحيط بالأمن القومي المصري".

اقرأ أيضاً: ‏"نيويورك تايمز": سياسة الأرض المحروقة للسيسي بسيناء "فاشلة وعمياء"‏

المساهمون