أمام الترام في أحد شوارع فيينا، يتمدد أيهم النمر منتحباً، صارخاً: "سورية..ثورة"، مستدعياً السائق المصدوم ليعبر بالترام من فوق جسده، علّه يخلصه من آلام الفقد التي استحوذت عليه، فسلبت ما بقي من رصيده على التحمل.
الشاب الفلسطيني السوري، الذي لجأ إلى أوروبا بحثاً عن إنسانيته، طاردته لعنة القتل البهيمي السوري إلى ملاذه الآمن، فمكنته وسائل التواصل من متابعة عملية انتشال جثة والده، المدفونة تحت أنقاض منزلهم، بعد أن قصفه الطيران الروسي، كما أتاحت له "ثورة الميديا"، جلسات تعذيب يومية وهو يراقب جراح أخته وبناتها، بعد إصابتهم بطيران بوتين نفسه.
لكن الألم الذي كابد أيهم في مواجهته، طفح بروحه، وهو يرى مخيمه خان الشيح، وأهله وغالبيته من الفلسطينيين، متروكين وحدهم لحصار مطبق، يمنع عنهم الدواء والغذاء منذ أسابيع، وهدفاً سهلاً لطائرات عدو قذر شرس، فنزل إلى الشارع، ليخبر العالم بلغة لا يمتلك منها سوى بضع كلمات، كيف يقصف بوتين سورية..ومخيمه.
لمقطع الفيديو الذي وثق الحالة الهستيرية لأيهم، مبرراته من إثارة الجدل، وقد دان تصرفه كثيرون، تخوفاً من أن تسيء فعلته للاجئين، في مجتمعات بات لليمين صوت لا يستهان به، واستنكارا من إرهاب المارة في الطرقات، إذ لا ذنب لهم فيما يحصل بسورية. لكن بعضهم ذهب بذعره على الاندماج، إلى اتهام أيهم بأنه تحت تأثير الحشيش، أو المسكرات.
بالمقابل، لأيهم أقران يدركون جيداً أن للقهر والظلم انعداماً يفوق اختلال نشوة الخمر، وجنوناً لا يمت لهلوسات المدمنين بصلة، هو الألم إذ يعض أحشاء صاحبه التائه في بلاد غريبة، المقتلع من حياة ألفها وألفته، يضاعفه خذلان من عالم أناني أحمق، يمنح التساؤل عن مغزى ترويض المشاعر في عالم يقبل البهيمية الممارسة علينا، شرعيته.
في تقاطع شارعين في فيينا، تلوى أيهم، بكى وصرخ وانتحب، ثم قفز أمام سيارة كانت على وشك أن تقلع، خلع بعضاً من ملابسه، صعد على ظهر الترام، تمسك بأسلاكه الكهربائية، آملا بأن يسري تيار في جسده فيخلصه من حياة لا تشبه الحياة، ثم أرخى بدنه فهوت عظامه على الأرض، وبينما كانت الشرطة تعتقله كان ينتحب: "كلو فدا المخيم..كلو فدا المخيم".
Facebook Post |