28 أكتوبر 2024
تركيا والتحول الديمقراطي الثاني
يشكّل الاستفتاء التركي على التعديل الدستوري تطوراً مهماً في سياق التجربة الديمقراطية التركية من ناحيتين: قناعة الشعب التركي بمصداقية الانتخابات، ما جعله يحتكم إلى صناديق الاقتراع لحل الخلافات، وأن الانتقال من نظام برلماني إلى رئاسي يعتبر نقلة في تطور التجربة الديمقراطية، لن تعرف نتائجها حال تطبيق التعديل بعد سنتين. ونتحدث هنا عن ديمقراطية ناشئة، استطاعت تركيا، فيها المحافظة على العملية الديمقراطية، مع وجود دولة عميقة ومؤسسة عسكرية، طالما اخترقت المجال السياسي المؤسساتي التداولي.
لكن الديمقراطية ليست مجرد صناديق الاقتراع، كما هو الحال زمن الحداثة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا، فيمكن للصناديق أن تنتج نظاماً غير علماني، كما في باكستان، أو ذا صبغة شمولية في مزاولة الحكم، كما في مصر، أو عنصرياً كما مع إسرائيل.
هناك قضايا كثيرة مرتبطة بتطور الديمقراطية ومؤشرة على رسوخها، مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والمواطنة، وهي المسائل التي ظلت متوترةً في تركيا، وأثرت على قضايا كثيرة، لا سيما القضية الكردية.
منذ تأسيس الجمهورية الحديثة عام 1923، تشكلت في تركيا نحو 65 حكومة، وهذا رقم كبير وسلبي بالمعايير الديمقراطية، ويعكس حالة التوتر وعدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد منذ عقود. وتم الانقلاب على بعض هذه الحكومات عسكرياً (1960، 1971، 1980، الانقلاب الأبيض عام 1997)، ووصل بعضها الآخر إلى طريق مسدود، بسبب الائتلافات الحكومية الهجينة لأحزابٍ ذات أجنداتٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ متباينة.
أثّر هذا الواقع بالسلب على تطور الديمقراطية التركية التي ظلت تعاني من أوجه قصور كبيرة، ما حال دون نشوء ثقافة سياسية تخترق النسيج السياسي والاجتماعي، وإذا كان المجتمع التركي قد حقق نوعاً من الثقافة السياسية تجاه تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، إلا أن الثقافة السياسية التركية حول جدلية الأكثرية والأقلية والحريات العامة ظلت تعاني من أوجه قصور كبيرة.
في كل الأحوال، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، جرى استقرار حكومي مستدام ونمو اقتصادي مستدام ساهما في الاستقرار السياسي. لكن، من دون أن يساهما في تطور الديمقراطية التركية بما يلبي المعايير المعاصرة للديمقراطية. وتركيبة النظام السياسي وطبيعة التشكيلة البرلمانية أثّرا على صنع القرار، وساهما في تدافع السلطات والصلاحيات، وعلى مسائل تتطلب حلولاً سريعة، كما أثّرا نسبياً على التطور الاقتصادي. ومن هنا، يعتقد الرئيس أردوغان، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية، أن النظام الرئاسي سيعزّز الاستقرار السياسي، الأمر الذي سيعزّز بدوره المسار الديمقراطي، ويساعد على حل المسائل الوطنية العالقة. وهنا التقط أكراد كثيرون النتائج التي قد تترتب على الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهو تعزيز سلطة الرئيس، بعيداً عن الأحزاب والمؤسسة العسكرية، من أجل دفع المسألة الكردية إلى الأمام. وإذا كان المعقل الكردي في ديار بكر صوّت ضد التعديل، فإن معظم الأكراد في المدن صوتوا لصالحه.
ويمكن القول إنه إذا كان تأسيس الجمهورية قبل نحو مئة عام قد شكّل التحوّل الأول والكبير في التاريخ السياسي الحديث لتركيا، فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي يعتبر التحول السياسي الثاني، غير أن مفاعيل هذا التحول سترتبط بالممارسة الديمقراطية والمؤسساتية، فالنظام الرئاسي قد يكون أفضل لتركيا بسبب خصوصيتها، بشرط أن يكون هناك موازٍ مؤسساتي للرئاسة، وهو البرلمان، وإن كانت التعديلات التي تمت إجازتها على الدستور التركي لا تمنح البرلمان القوة الكافية لضبط إيقاع عمل المؤسسة الرئاسية، كما الحال في الولايات المتحدة. وستكشف التجربة بُعيد تطبيق النظام الجديد مدى التحول في الثقافة السياسية، وسيكون أمام الحزب الحاكم تجربة دقيقة، فإما أن يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الديمقراطية التركية، أو يضع نفسه في مأزق سياسي ستظهر نتائجه مستقبلاً.
على النخبة الحاكمة إعادة قراءة علاقتها بالمجال العام، وخصوصاً المجال الإعلامي الذي تعرّض لأزماتٍ خلال السنوات الماضية، وقد كشف الاستفتاء حدّة الانقسام في الثقافة السياسية للشعب التركي، فمعظم الريف صوّت لصالح تأييد التعديل الدستوري، فيما صوّتت المدن الكبيرة ضده، حيث تعتبر المدن الكبيرة أكثر مدنيةً من الريف، وأكثر حساسيةً تجاه الديمقراطية، أي أن الثقافة السياسية لديها أعمق من الثقافة السياسية لسكان الريف. ومن هنا، كانت خشيتها من أن يؤدّي تمركز السلطة بيد رجل واحد إلى إعاقة السيرورة الديمقراطية في البلاد.
لكن الديمقراطية ليست مجرد صناديق الاقتراع، كما هو الحال زمن الحداثة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا، فيمكن للصناديق أن تنتج نظاماً غير علماني، كما في باكستان، أو ذا صبغة شمولية في مزاولة الحكم، كما في مصر، أو عنصرياً كما مع إسرائيل.
هناك قضايا كثيرة مرتبطة بتطور الديمقراطية ومؤشرة على رسوخها، مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والمواطنة، وهي المسائل التي ظلت متوترةً في تركيا، وأثرت على قضايا كثيرة، لا سيما القضية الكردية.
منذ تأسيس الجمهورية الحديثة عام 1923، تشكلت في تركيا نحو 65 حكومة، وهذا رقم كبير وسلبي بالمعايير الديمقراطية، ويعكس حالة التوتر وعدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد منذ عقود. وتم الانقلاب على بعض هذه الحكومات عسكرياً (1960، 1971، 1980، الانقلاب الأبيض عام 1997)، ووصل بعضها الآخر إلى طريق مسدود، بسبب الائتلافات الحكومية الهجينة لأحزابٍ ذات أجنداتٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ متباينة.
أثّر هذا الواقع بالسلب على تطور الديمقراطية التركية التي ظلت تعاني من أوجه قصور كبيرة، ما حال دون نشوء ثقافة سياسية تخترق النسيج السياسي والاجتماعي، وإذا كان المجتمع التركي قد حقق نوعاً من الثقافة السياسية تجاه تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، إلا أن الثقافة السياسية التركية حول جدلية الأكثرية والأقلية والحريات العامة ظلت تعاني من أوجه قصور كبيرة.
في كل الأحوال، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، جرى استقرار حكومي مستدام ونمو اقتصادي مستدام ساهما في الاستقرار السياسي. لكن، من دون أن يساهما في تطور الديمقراطية التركية بما يلبي المعايير المعاصرة للديمقراطية. وتركيبة النظام السياسي وطبيعة التشكيلة البرلمانية أثّرا على صنع القرار، وساهما في تدافع السلطات والصلاحيات، وعلى مسائل تتطلب حلولاً سريعة، كما أثّرا نسبياً على التطور الاقتصادي. ومن هنا، يعتقد الرئيس أردوغان، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية، أن النظام الرئاسي سيعزّز الاستقرار السياسي، الأمر الذي سيعزّز بدوره المسار الديمقراطي، ويساعد على حل المسائل الوطنية العالقة. وهنا التقط أكراد كثيرون النتائج التي قد تترتب على الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهو تعزيز سلطة الرئيس، بعيداً عن الأحزاب والمؤسسة العسكرية، من أجل دفع المسألة الكردية إلى الأمام. وإذا كان المعقل الكردي في ديار بكر صوّت ضد التعديل، فإن معظم الأكراد في المدن صوتوا لصالحه.
ويمكن القول إنه إذا كان تأسيس الجمهورية قبل نحو مئة عام قد شكّل التحوّل الأول والكبير في التاريخ السياسي الحديث لتركيا، فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي يعتبر التحول السياسي الثاني، غير أن مفاعيل هذا التحول سترتبط بالممارسة الديمقراطية والمؤسساتية، فالنظام الرئاسي قد يكون أفضل لتركيا بسبب خصوصيتها، بشرط أن يكون هناك موازٍ مؤسساتي للرئاسة، وهو البرلمان، وإن كانت التعديلات التي تمت إجازتها على الدستور التركي لا تمنح البرلمان القوة الكافية لضبط إيقاع عمل المؤسسة الرئاسية، كما الحال في الولايات المتحدة. وستكشف التجربة بُعيد تطبيق النظام الجديد مدى التحول في الثقافة السياسية، وسيكون أمام الحزب الحاكم تجربة دقيقة، فإما أن يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الديمقراطية التركية، أو يضع نفسه في مأزق سياسي ستظهر نتائجه مستقبلاً.
على النخبة الحاكمة إعادة قراءة علاقتها بالمجال العام، وخصوصاً المجال الإعلامي الذي تعرّض لأزماتٍ خلال السنوات الماضية، وقد كشف الاستفتاء حدّة الانقسام في الثقافة السياسية للشعب التركي، فمعظم الريف صوّت لصالح تأييد التعديل الدستوري، فيما صوّتت المدن الكبيرة ضده، حيث تعتبر المدن الكبيرة أكثر مدنيةً من الريف، وأكثر حساسيةً تجاه الديمقراطية، أي أن الثقافة السياسية لديها أعمق من الثقافة السياسية لسكان الريف. ومن هنا، كانت خشيتها من أن يؤدّي تمركز السلطة بيد رجل واحد إلى إعاقة السيرورة الديمقراطية في البلاد.