يبدو أن الخطوات التنفيذية لتفاهمات قمة سوتشي الروسية - التركية حول إدلب، تسير بصورةٍ سلسة حتى الآن، إذ لم تواجهها معوقاتٌ تُذكر في مرحلة سحب السلاح الثقيل للفصائل العسكرية من "المنطقة العازلة"، نحو الخطوط الخلفية خارج المنطقة التي يتراوح عرضها بين 15 و20 كيلومتراً، وتمتد من ريف اللاذقية الشمالي نزولاً نحو الجنوب في أرياف إدلب، ثم شرقاً في ريف حماه الشمالي، نحو ريف حلب الشمالي الغربي. كما أن الروس والأتراك في تناغم تام حسب ما كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الأربعاء، بأن "الشركاء الأتراك يلعبون الدور الرئيسي في هذه المهمة"، مضيفاً في تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحافي في موسكو، أنه "يتم تنفيذ هذا الاتفاق، والدور الرئيسي يلعبه شركاؤنا الأتراك الذين يبذلون الجهود من أجل أن تتعاون المجموعات الموجودة هناك مع هذه المهمة، ومؤتمرنا يؤكد أن هذه العملية تتقدم بشكل ثابت بما فيه الكفاية".
و"المنطقة العازلة" تُحيط وفق الخريطة الميدانية، بشكل كامل في محافظة إدلب، وأرياف حماة وحلب واللاذقية المتصلة بها (منطقة خفض التصعيد)، وتُشكل بذلك منطقة عازلة، تشرف عليها القوات التركية من جانب المعارضة، والروسية من جانب النظام. وهذه المنطقة العازلة تفصل بين آخر نقاط التماس بين النظام والمعارضة في عموم سورية.
ومنذ مساء الإثنين، أُعلنت هذه المنطقة "منزوعة السلاح"، خالية من السلاح الثقيل، الذي سحبته الفصائل المنضوية في "الجبهة الوطنية للتحرير"، إلى خارج المنطقة، مع قولها إنها احتفظت بمقارها وسلاحها الخفيف داخل "المنطقة منزوعة السلاح".
وكذلك سحبت "هيئة تحرير الشام" سلاحها الثقيل من القرى والبلدات الواقعة داخل "المنطقة العازلة"، من دون أن تُعلن ذلك، ولكن يتوجب عليها وفق تفاهمات سوتشي أن تُبعد كذلك العناصر والمجموعات التابعة لها، منها بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
ووفق شهود عيان حاورتهم "العربي الجديد" في إدلب ومحيطها، فإن الفصائل العسكرية، التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، وكذلك "هيئة تحرير الشام"، سحبت على مدار أيام، الدبابات والمدرعات، والمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، نحو مقار متفرقة لها في محافظة إدلب، مع احتفاظ "الجبهة الوطنية للتحرير"، بالمقار العسكرية داخل المناطق التي تُطبق فيها "المنطقة العازلة".
وفي وقت يسود هدوء تام في محافظة إدلب، ومحيطها، في الأيام القليلة الماضية، فإن المعطيات تفيد بأن "هيئة تحرير الشام" التي يتوجب عليها سحب عناصرها من "المنطقة العازلة"، تتعامل مع الاتفاق الآن على أنه أمر واقع، ولم يُسجل أي حادثة تفيد بأن "الهيئة"، حاولت فيها إعاقة تنفيذ الاتفاق، رغم أن بعض قيادييها اعترضوا عليه علناً، كأبو مالك التلي، وأبو يقظان المصري وغيرهما.
وبدا موقف "هيئة تحرير الشام"، حيال اتفاق سوتشي مُلتبساً في البداية، مع عدم ترحيبها أو اعتراضها رسمياً على الاتفاق، الذي عارضته صراحة شخصيات لها وزنها في "الهيئة"، وجماعات متشددة أخرى في إدلب كـ"حراس الدين"، لكن الاعتراضات بدت مواقف لا يمكن وفق توزع القوى في شمال غربي سورية، أن تتحول إلى أفعال، تحديداً لكون مرحلة سحب السلاح الثقيل جرت بصورة هادئة وسلسة إلى حد كبير.
ويتوقع أن تُخلي المجموعات الراديكالية، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام"، نقاطها ومقارها في "المنطقة العازلة" خلال الأيام الثلاثة المقبلة، لتنقلها نحو بلدات وقرى متفرقة في محافظة إدلب، وأن ينحصر وجود المقاتلين في هذه المنطقة، بعناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، بسلاحهم الخفيف والمتوسط، إلى جانب الجيش التركي، الذي أسس سابقاً 12 نقطة مراقبة عسكرية في شمال غربي سورية.
ومن المفترض وفق اتفاق سوتشي، أن يُفتح الطريقان الدوليان في إدلب، وهما الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، وهو مغلق منذ سنوات، في محافظة إدلب التي يمر فيها من سراقب نحو أريحا ثم جسر الشغور ثم اللاذقية. والطريق الدولي الآخر بين درعا (المتصلة بالأردن ثم بلدان الخليج العربي)، مروراً بأطراف دمشق ثم حمص وحماه نحو حلب (ومن حلب لتركيا)، وهذا مغلق منذ سنوات، إذ يقطع إدلب من جنوبها في خان شيخون مروراً بمعرة النعمان نحو سراقب ثم حلب.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد ذكر بعد أيامٍ قليلة من توقيع اتفاق سوتشي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، أن "طريقي التجارة هذين سيتم فتحهما قبل نهاية هذه السنة"، من دون أن يحدد تماماً آلية ذلك، أو الجهة التي ستشرف عليهما عند مرورهما في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث هما مُغلقان الآن.
ورغم عدم الحديث رسمياً، حول آلية فتح هذه الطرقات، والجهات التي ستشرف عليها، إن كانت من جانب تركيا أو روسيا، إلا أن مسؤول المكتب الإعلامي لـ"فيلق الشام"، والمعروف باسم أبو عمر فيلق، ذكر مطلع الشهر الحالي، بأنه قد "حسم الأمر"، بأن "لا دخول لقوات روسية إلى المنطقة العازلة، ولا دخول لمؤسسات الدولة إلى المناطق المحررة، والقوات التركية سترد على أي خرق من مناطق النظام، وفتح الطرق الدولية سيكون بحماية الجبهة (الوطنية للتحرير) وبرعاية تركية".
وكان رئيس "الائتلاف الوطني السوري"، عبد الرحمن مصطفى، قد زار يوم الثلاثاء الماضي، مع وفد من "الائتلاف" نقاطاً عسكرية في محافظة إدلب، برفقة قياديين عسكريين في "الجبهة الوطنية للتحرير"، بالتزامن مع الإعلان عن الانتهاء من سحب السلاح الثقيل من "المنطقة العازلة"، وذلك بعد يوم واحد من تصريحات له، اعتبر فيها أن اتفاق سوتشي ستكون له آثار إيجابية على المدنيين في محافظة إدلب، فضلاً عن أنه "جنّب المنطقة مخاطر عدوان محتمل، ويحد من عمليات القصف التي كان يقوم بها النظام وحلفاؤه من المليشيات الإرهابية الإيرانية بشكل مستمر، وأن محاولاته بالسيطرة على إدلب مُنيت بالفشل، وأنه لن يُسمح له بالدخول إلى المنطقة العازلة، خصوصاً في ظل تعزيز نقاط المراقبة التابعة للضامن التركي، والاستعداد والجاهزية الكاملة لفصائل الجيش الحر".