أصبح دونالد ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأميركية بعدما حقق نصراً تاريخياً على منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية، وحقق مفاجأة انتخابية خالفت كل التوقعات واستطلاعات الرأي التي كانت ترجح فوز وزيرة الخارجية السابقة. وحصل على صوت 288 مندوباً للمجمع الانتخابي، قبل الانتهاء من عملية فرز الأصوات في كل الولايات.
وفي خطاب الانتصار الذي ألقاه أمام أنصاره بمقر حملته الانتخابية في نيويورك، أشار إلى أنه تلقى اتصالاً من كلينتون وهنأته بالفوز شاكراً لها الاتصال.
وشدد الرئيس الأميركي المنتخب على ضرورة وحدة الأميركيين، معرباً عن استعداده للتعاون مع الجميع حتى الذين عارضوا وصوله إلى البيت الأبيض. كما أكد ترامب أنه سيكون رئيساً لكل الأميركيين بمعزل عن لونهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم العرقية.
وأصيب مؤيدو كلينتون بصدمة كبيرة بالنتائج غير المتوقعة، وسادت حالة من الحزن الشديد بين أنصارها الذين تابعوا صدور النتائج طوال ساعات الليل.
وعلى الرغم من المخاوف من تداعيات وصول ترامب إلى البيت الأبيض على الأوضاع الداخلية الأميركية والانقسامات التي تسبب بها خطابه التحريضي، وعلى علاقات أميركا الدولية، أزال فوزه بعض المخاوف الأخرى التي لا تقل خطورة. وتتعلق تلك المخاوف بطبيعة ردة فعل أنصاره من المجموعات العنصرية المتطرفة التي هددت بالثورة المسلحة وإشعال حرب أهلية في الولايات المتحدة إذا فازت كلينتون في الانتخابات.
وأثارت الاستعراضات العسكرية لتلك المليشيات المسلحة في ولايات الجنوب الأميركي مخاوف جدية لدى الأجهزة الأمنية الأميركية. وكان مكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي آي" سبق وأفشل هجمات عنصرية عدة كان يخطط لتنفيذها عناصر من تلك المجموعات بعدما تم اعتقالهم. وآخر تلك الخطط محاولة لتفجير مسجد وحي يقطنه أميركيون من أصول صومالية في ولاية مينيسوتا، كان من المقرر تنفيذها اليوم بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.
غير أن المعضلة الأساسية التي يتوجب على الرئيس الجديد التعامل معها هي النظرة السائدة وسط شريحة واسعة من الأميركيين بأن انتخابه والظاهرة الشعبوية التي ولدها، ما هي إلا رد عنصري من قبل الأكثرية من الأميركيين البيض على السياسات والتغييرات التي استجدت على الحياة والثقافة الأميركية خلال رئاسة باراك أوباما، أول رئيس أميركي أسود.
وتفسر وجهة النظر هذه، الاختراقات الكبيرة التي حققها ترامب في معاقل الحزب الديمقراطي في ميتشيغن، وويسكنسن، وبنسلفانيا. وهي ولايات ذات أكثرية من البيض. وتعد الاختراقات رد فعل عنصري، بعدما نجح ترامب في استقطاب العمال والطبقة المتوسطة من الأميركيين البيض.
وانتقلت شرائح واسعة من الفئات الشعبية والعمالية المحسوبة عادة على اليسار الأميركي وعلى الحزب الديمقراطي إلى أحضان ترامب، الزعيم الشعبوي الذي يمثل اليمين الأميركي المتطرف. واستطاع الملياردير النيويوركي إقناع هؤلاء العمال بأنه يسعى إلى تحقيق ثورة على فساد الطبقة السياسية في واشنطن.
وفاز ترامب بأصوات 29 بالمائة من الناخبين اللاتينو في فلوريدا، التي يعتبرها ولايته الثانية بعد نيويورك، بفضل أصوات الجالية الكوبية والناخبين القادمين من بورتريكو. والأرجح أن الماكينة الانتخابية الجمهورية، وتحديداً الحملة الانتخابية للسيناتور، ماركو روبيو، الذي احتفظ بمقعده في مجلس الشيوخ ساهمت بترجيح الدفة لصالح المرشح الجمهوري الذي نجح في تجاوز المشاعر المعادية لخطابه بشأن المهاجرين، ونيته ترحيل ملايين المقيمين في الولايات المتحدة من المهاجرين من دول أميركا اللاتينية.
وترى حملة كلينتون الانتخابية أن وجود المرشح الثالث غاري جونسون كان له دور في خسارة المرشحة الديمقراطية ولايات فلوريدا ونورث كارولينا، وغيرها من الولايات التي شهدت منافسة حادة وتقارباً كبيراً في النتائج، حيث وصل أحيانا الفارق إلى بضعة أصوات.
كما اعتبر مسؤولون مقربون من كلينتون أن رسالة مدير "اف بي آي"، جيمس كومي، إلى الكونغرس وإثارة موضوع الإيميلات، وإعادة التحقيقات بقضية استخدام كلينتون بريدها الإلكتروني الخاص خلال عملها في وزارة الخارجية، كان لها أثر سلبي كبير على حملة المرشحة الديمقراطية، وأثر على اتجاهات التصويت، وخصوصا الاقتراع المبكر.
وأثبتت الوقائع الميدانية وقوف الحزب الجمهوري إلى جانب ترامب وتقديم الدعم له، وخصوصا لجهة الدور الكبير الذي قامت بها الماكينة الانتخابية للمؤسسة الحزبية التي ما كان بإمكان حملة ترامب تحقيق هذه النتيجة لولاها. طبعا سيكون لهذا الاحتضان الجمهوري لترامب تأثيرات جيدة على مستقبل العلاقة بين ترامب والحزب الجمهوري بعد "الحرب الأهلية" التي شهدها الحزب طوال مراحل الحملة الانتخابية التي امتدت على مدى سنة ونصف.