تدفق المهاجرين غير الشرعيين يزلزل الاتحاد الأوروبي

20 يونيو 2015
مطالبات في فرنسا لإغلاق الحدود بوجه المهاجرين (فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت قضية الهجرة غير الشرعية إلى كابوس يقضّ مضجع دول الاتحاد الأوروبي، كما باتت نقطة خلافية غير مسبوقة عكست التناقضات الجوهرية بين الدول الأوروبية فيما يخص سياسة التعاطي مع الهجرة واللجوء، مع الصعود المدوي لأحزاب اليمين المتطرف المعارضة لاستقبال المهاجرين في دول الاتحاد.

وفي مطلع هذا الأسبوع تفجّرت الأزمة بين فرنسا وإيطاليا بخصوص قضية المهاجرين، بعدما أصرت باريس على منع المئات منهم، وغالبيتهم اريتريون وصوماليون وإثيوبيون وسودانيون، من دخول التراب الفرنسي عبر بلدة فينتيميلي الحدودية، فيما هدد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي الذي تعاني بلاده من تدفق 57 ألف مهاجر غير شرعي منذ مطلع العام الحالي، بمنح وثائق قانونية للمهاجرين غير الشرعيين، تُمكّنهم من مغادرة إيطاليا باتجاه الدول الأوروبية الأخرى، وهو الإعلان الذي دانته بشدة فرنسا وأيضاً ألمانيا التي تُعتبر واحدة من الدول الأوروبية الأكثر إغراء للمهاجرين. وفي الوقت ذاته ضاعفت سويسرا والنمسا من مراقبة حدودهما من عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وجاءت هذه الأحداث لتعمّق الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي، بعد الرفض الفرنسي لنظام الحصص الذي اقترحته المفوضية الأوروبية من أجل توزيع متكافئ لطالبي اللجوء بين الدول الأوروبية وتخفيف العبء على ايطاليا واليونان.

اتفاق "شنغن" في خطر

ويهدد تدفق اللاجئين غير الشرعيين بنسف اتفاق "شنغن" الأوروبي الخاص بحرية التنقل داخل الفضاء الأوروبي، وفتح الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي. فمنذ بضعة شهور عمدت كل الدول الأوروبية تقريباً إلى تكثيف مراقبة حدودها في محاولة لصد تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وهذا ما دفع بوزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير، إلى التصريح الثلاثاء الماضي، بأن "اتفاق شنغن بخصوص التنقل الحر للأفراد والبضائع داخل دول الاتحاد الأوروبي سيصير حبراً على ورق إذا لم تتحمّل الدول الأوروبية مسؤولياتها".

وحاولت المفوضية الأوروبية احتواء الأزمة بعقدها اجتماعاً في لوكسمبورغ الثلاثاء الماضي جمع وزراء داخلية إيطاليا وفرنسا وألمانيا، خُصص لدراسة تداعيات أزمة بلدة فينتيميلي. وأمام الضغط الأوروبي سحبت الحكومة الإيطالية تهديداتها بمنح المهاجرين وثائق سفر تمكّنهم من اجتياز الحدود بين الدول الأوروبية، مقابل تعهّد فرنسي وألماني بإنشاء وتمويل مركز إيواء ضخم في جزيرة صقلية لمساعدة إيطاليا في ضبط إيقاع الهجرة غير الشرعية، وأيضاً مقابل وعد بتسريع تكليف الوكالة الأوروبية "فرونتيكس" بمهمة إبعاد المهاجرين الذين لا يدخلون في خانة "اللجوء السياسي" من التراب الإيطالي.

وفي بادرة لتخفيف الامتعاض الإيطالي، أبلغ وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، الخميس الماضي نظيره الإيطالي أنجلينو ألفانو، بأنه على استعداد لبعث عشرات الموظفين الفرنسيين لمساعدة الإيطاليين في احتواء المهاجرين غير الشرعيين، لإبعاد المهاجرين الاقتصاديين بعد فرز أولئك الذين يحق لهم تقديم طلبات اللجوء السياسي.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يوافق على تنفيذ عملية لمحاربة تهريب المهاجرين

فرنسا تحتمي بسياسة الفرز

وأمام استفحال أزمة المهاجرين التي تحوّلت إلى نقطة جدل داخلي في فرنسا، تبنّت الحكومة الاشتراكية خطة عاجلة جديدة صاغتها وزارتا الداخلية والسكن الأربعاء الماضي. واعتمدت الخطة على فكرتين أساسيتين: أولاً تحسين عملية التكفل بطالبي اللجوء السياسي، وثانياً تعزيز محاربة الهجرة غير الشرعية. وتعهّدت الخطة بزيادة مراكز إيواء طالبي اللجوء السياسي لتصل القدرة الاستيعابية إلى 34 ألف شخص بدل 25 ألفاً حالياً. كما سيتم تقليص المدة الزمنية المخصصة للرد على طلبات اللجوء التي تصل حالياً إلى عامين من أجل فرز سريع بين الهجرة السياسية والهجرة الاقتصادية غير الشرعية، ما يعني تشغيل المئات من الأشخاص في مصالح مراقبة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية والتي تلقت العام الماضي 62 ألفاً و735 طلباً للجوء، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم مرتين أو ثلاثاً هذا العام. كما نصّت الخطة على تسريع عمليات الترحيل القسري للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا تتوفر فيهم شروط اللجوء.

وبدت هذه الخطة محاولة من الحكومة لطمأنة الرأي العام الداخلي بعد أن انفجرت أزمة المهاجرين داخل العاصمة باريس، وقامت الشرطة بإجلاء عدة مخيمات عشوائية أقامها هؤلاء في عدة مواقع بالعاصمة. ووجدت الحكومة الاشتراكية نفسها في موقف حرج، إثر اتهام المعارضة اليمينية واليمين المتطرف الحكومة بالتقاعس إزاء هذه الأزمة والمطالبة بإغلاق الحدود كإجراء ضروري لحماية فرنسا من "غزو" المهاجرين.

أرقام صادمة

وفي خضم هذه التطورات المتصاعدة، نشر ائتلاف The migrants File الذي يضم 25 صحافياً وباحثاً من ستة عشر بلداً أوروبياً، تحقيقاً مطولاً عن أزمة الهجرة في أوروبا، تضمّن أرقاماً صادمة ومفاجئة. وجاء في التحقيق أنه أمام مهاجرين مستعدين للتضحية بحياتهم ودفع كل ما يملكون لشبكات التهريب، تنفق دول الاتحاد الأوروبي مبالغ ضخمة لحماية حدودها. فقد أنفقت الدول الأوروبية أكثر من 13 مليار يورو (نحو 15 مليار دولار) من أموال الضرائب في تمويل خطط مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وأكد التحقيق أنه منذ العام 2000 صرفت الدول الأوروبية مبلغ 11,3 مليار يورو (نحو 13 مليار دولار) في تمويل إجراءات طرد المهاجرين السريين خارج الحدود ومبلغ 1,6 مليار يورو (نحو ملياري دولار) في إجراءات تعزيز الحراسة على الحدود. وذكر التحقيق أن عملية طرد واحدة لمهاجر سري تكلف حوالي 4000 يورو (4500 دولار) يذهب نصفها في دفع كلفة التسفير القسري.

من جهة أخرى، كشف التحقيق مفارقة أخرى أظهر أن ما ينفقه المهاجرون للوصول إلى أوروبا هو أكثر مما تنفقه دول الاتحاد الأوروبي في عمليات إبعادهم. فمنذ عام 2000 أنفق المهاجرون غير الشرعيين حوالي 16 مليار يورو للوصول إلى أوروبا. ويتعلق الأمر بالأشخاص الذي يدخلون تراب البلدان الأوروبية من دون تأشيرة قانونية، إما عن طريق البحر المتوسط والأطلسي، أو البر أو جواً عبر مطارات بلدان الاتحاد الأوروبي التي يصلها الآلاف أيضاً بوثائق مزوّرة.

ووفق التحقيق الذي تطلّب ستة أشهر من العمل الميداني، قام به 20 صحافياً وباحثا إحصائياً من 16 بلداً أوروبياً، فإن 600 ألف مهاجر سري قدّموا طلبات اللجوء السياسي عام 2014 ومنذ بداية العام الحالي حتى نهاية مايو/أيار الماضي، عبَر أكثر من 100 ألف مهاجر البحر الأبيض المتوسط في اتجاه السواحل الأوروبية، قضى منهم 1865 شخصاً غرقاً في عرض البحر.

هكذا تحوّلت معضلة الهجرة غير الشرعية إلى أهم تحدٍ يواجهه الاتحاد الأوروبي منذ إنشائه، وصار تدفق الآلاف من المهاجرين ظاهرة تُهدد بتغيير جوهري في الخارطة السياسية لدول الاتحاد بسبب النجاح المتصاعد للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تستقطب الرأي العام الأوروبي بشعاراتها المطالبة بإغلاق محكم للحدود والطرد الفوري والجماعي للمهاجرين غير الشرعيين. ولعل إعلان المجر قبل يومين عزمها بناء جدار عازل لحماية حدودها من تدفق المهاجرين، على الرغم من رفض المفوضية الأوروبية لهذا المشروع، دليل آخر على انقسام الأوروبيين حول هذه المعضلة.

اقرأ أيضاً: الخطة الأوروبية العسكرية لوقف الهجرة إلى مجلس الأمن

المساهمون