14 نوفمبر 2024
تخبط استراتيجي سعودي
تعيد الأزمة اللبنانية السعودية الحالية إلى الواجهة احتمال عودة لبنان إلى حلبة للمواجهة وتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية، بسبب التوتر المتزايد بين إيران والسعودية على خلفية ملفات ملتهبة في المنطقة.
تُشكل استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية حلقة ضمن سلسلة وقائع وأحداث تمتد من مربع الحكم في الرياض، في اتجاه ساحات المواجهة المفتوحة مع إيران في اليمن والعراق وسورية ولبنان. وقد أبانت التطورات الميدانية أخيرا في اليمن صعوبة، إن لم نقل استحالة، تعديل ميزان القوى لصالح التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في ضوء ما أبدته طهران من إدارة استراتيجية للملف اليمني، بكل تعقيداته العسكرية والسياسية. وبحكم المتغيرات التي عرفها الملفان العراقي والسوري، والتي لا يبدو أنها تصب في مصلحة الرياض، ارتأت الأخيرة نقل المواجهة إلى لبنان، مستغلةً أهمية التخلص من حزب الله بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة ضمن استراتيجيتهما القاضية بالحد من النفوذ الإيراني.
إذا نُظر إلى استقالة الحريري ضمن ''الرؤية'' السعودية للمنطقة، فإن الهدف منها إيجاد حالة سياسية تكون مقدمة لأزمة لبنانية داخلية، يبدو من خلالها حزب الله، ومن ورائه إيران،
مسؤوليْن عن هذه الأزمة، وتداعياتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، ما قد يضيّق الخناق عليهما، ويفتح الباب أمام قرار دولي بتوجيه ضربةٍ للحزب، تشارك فيها قوى دولية وإقليمية بزعامة الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني إيجاد فرصة ذهبية لتوجيه ضربة موجعة لإيران، تكون مقدمة لتقليص نفوذها المتنامي في المنطقة.
تبدو هذه الرؤية محكومة بـ ''ثابت'' لبناني لا يتغير، لا يرى في لبنان إلا حلبة تقليدية مستباحة لتصريف النزاعات والتوترات المذهبية والسياسية، وخوضِ حروبٍ بالوكالة عن القوى الدولية والإقليمية الكبرى، تساعد على ذلك هشاشة نسيجه الاجتماعي والأهلي والطائفي، وغياب قرار وطني متسق متوافق عليه بين القوى والأطراف اللبنانية.
تعكس هذه الرؤية تخبطا استراتيجيا واضحا في السياسة السعودية حيال المنطقة، فتوسيع دائرة المواجهة مع إيران في اتجاه لبنان، في هذا التوقيت، سيكون مكلفا جدا، وستكون له تداعياتٌ قد تكون السعودية أول متضرّر منها. فلن تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام توجيه ضربة إلى حليفها حزب الله، وإذا كانت توازنات القوة والنفوذ تفرض عليها عدم التدخل العسكري في لبنان، فإن لديها من الأوراق ما يمكن أن تربك به المعادلة المذهبية والطائفية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. هذا ناهيك عن الكلفة الرمزية الباهظة التي ستدفعها الرياض، في حالة تحالفها مع إسرائيل، لشن حربٍ على حزب الله، وهو ما قد يتحول، في المقابل، مهما كانت نتيجة هذه الحرب، إلى مورد رمزي وسياسي ومذهبي بالنسبة للسياسات الإيرانية في المنطقة.
وضعُ المتغيرات الداخلية التي تعرفها المملكة في سياق موازٍ مع السياسة الخارجية يمثل مجازفةً إلى حد كبير، بسبب غياب رؤية واضحة قادرة على إدارة التوازن بين الواجهتين الداخلية والخارجية في السياسة السعودية. ولا مبالغة في القول إن البحث عن مخرجات إقليمية لما تعرفه السعودية على الصعيد الداخلي (اعتقال أمراء ومسؤولين ورجال أعمال بتهم الفساد، تصفية مراكز القوى المناهضة لصعود ولي العهد محمد بن سلمان...) قد يبعثر كل الأوراق أمام الأخير الذي فتح جبهات كثيرة داخلية وخارجية في وقتٍ واحد، من دون أن تكون له القدرة والكفاءة على إدارة ذلك كله بأقل الخسائر الممكنة.
إضافة إلى ذلك، يعكس إدراج التحرك السعودي في لبنان ضمن سعي الرئيس الأميركي، دونالد
ترامب، إلى تكثيف الضغط على إيران وحزب الله، قصورا واضحا في معرفة الخلفية التي تحكم رؤية الولايات المتحدة للمنطقة، على اعتبار أن تدخل واشنطن في أي عمل عسكري ضد حزب الله، لن يكون ضمن الرؤية السعودية، بقدر ما سيكون ضمن رؤية أميركية لإعادة صياغة خريطة المنطقة، يعاد فيها رسم الحدود والمواقع وشبكات النفوذ والهيمنة والتأثير، بما يضمن تفوق الكيان الصهيوني وتعزيز هيمنته. ولعل ما يؤكد ذلك ما أعلنه قبل أيام البيت الأبيض من أن "واشنطن ترفض أي أعمال تقوم بها مليشيات لبنانية أو قوى خارجية لتهديد استقراره''، الأمر الذي يعني أن الخطوة السعودية تبدو خارج حسابات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
مشكلة الرياض في أنها لا تتوفر على رؤية متسقة لما تعرفه المنطقة من متغيرات، فما الذي يمنعها مثلا من البحث عن مسارات دبلوماسية وسياسية لحل خلافاتها مع إيران، وتجنب صدام مكلف معها؟ سيكون من الغباء الاعتقاد بأن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وضربَ حزب الله، والقضاء على الحوثيين في اليمن، وتصفيةَ القضية الفلسطينية في تسويةٍ مريبة، والاستمرارَ في حصار دولة قطر، سيضع أوراق المنطقة دفعة واحدة بين يدي محمد بن سلمان، ليعيد ترتيبها حسب مزاجه ورغباته. يبدو الأمر أكبر من ذلك بكثير في منطقةٍ تشكل مختبرا مفتوحا لصراع المصالح الكبرى العابرة للقارات.
يؤشر قرار نقل المواجهة مع إيران من اليمن إلى لبنان على تخبط استراتيجي واضح في السياسة السعودية، خصوصا بعد بروز بوادر تدويل الأزمة، بسبب إصرار قطاع واسع من الطبقة السياسية اللبنانية على ضرورة عودة الحريري إلى بلاده، واحترام سيادة لبنان وحريته، الشيء الذي قد يُحول استقالة الحريري إلى مأزق آخر للرياض.
تُشكل استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية حلقة ضمن سلسلة وقائع وأحداث تمتد من مربع الحكم في الرياض، في اتجاه ساحات المواجهة المفتوحة مع إيران في اليمن والعراق وسورية ولبنان. وقد أبانت التطورات الميدانية أخيرا في اليمن صعوبة، إن لم نقل استحالة، تعديل ميزان القوى لصالح التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في ضوء ما أبدته طهران من إدارة استراتيجية للملف اليمني، بكل تعقيداته العسكرية والسياسية. وبحكم المتغيرات التي عرفها الملفان العراقي والسوري، والتي لا يبدو أنها تصب في مصلحة الرياض، ارتأت الأخيرة نقل المواجهة إلى لبنان، مستغلةً أهمية التخلص من حزب الله بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة ضمن استراتيجيتهما القاضية بالحد من النفوذ الإيراني.
إذا نُظر إلى استقالة الحريري ضمن ''الرؤية'' السعودية للمنطقة، فإن الهدف منها إيجاد حالة سياسية تكون مقدمة لأزمة لبنانية داخلية، يبدو من خلالها حزب الله، ومن ورائه إيران،
تبدو هذه الرؤية محكومة بـ ''ثابت'' لبناني لا يتغير، لا يرى في لبنان إلا حلبة تقليدية مستباحة لتصريف النزاعات والتوترات المذهبية والسياسية، وخوضِ حروبٍ بالوكالة عن القوى الدولية والإقليمية الكبرى، تساعد على ذلك هشاشة نسيجه الاجتماعي والأهلي والطائفي، وغياب قرار وطني متسق متوافق عليه بين القوى والأطراف اللبنانية.
تعكس هذه الرؤية تخبطا استراتيجيا واضحا في السياسة السعودية حيال المنطقة، فتوسيع دائرة المواجهة مع إيران في اتجاه لبنان، في هذا التوقيت، سيكون مكلفا جدا، وستكون له تداعياتٌ قد تكون السعودية أول متضرّر منها. فلن تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام توجيه ضربة إلى حليفها حزب الله، وإذا كانت توازنات القوة والنفوذ تفرض عليها عدم التدخل العسكري في لبنان، فإن لديها من الأوراق ما يمكن أن تربك به المعادلة المذهبية والطائفية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. هذا ناهيك عن الكلفة الرمزية الباهظة التي ستدفعها الرياض، في حالة تحالفها مع إسرائيل، لشن حربٍ على حزب الله، وهو ما قد يتحول، في المقابل، مهما كانت نتيجة هذه الحرب، إلى مورد رمزي وسياسي ومذهبي بالنسبة للسياسات الإيرانية في المنطقة.
وضعُ المتغيرات الداخلية التي تعرفها المملكة في سياق موازٍ مع السياسة الخارجية يمثل مجازفةً إلى حد كبير، بسبب غياب رؤية واضحة قادرة على إدارة التوازن بين الواجهتين الداخلية والخارجية في السياسة السعودية. ولا مبالغة في القول إن البحث عن مخرجات إقليمية لما تعرفه السعودية على الصعيد الداخلي (اعتقال أمراء ومسؤولين ورجال أعمال بتهم الفساد، تصفية مراكز القوى المناهضة لصعود ولي العهد محمد بن سلمان...) قد يبعثر كل الأوراق أمام الأخير الذي فتح جبهات كثيرة داخلية وخارجية في وقتٍ واحد، من دون أن تكون له القدرة والكفاءة على إدارة ذلك كله بأقل الخسائر الممكنة.
إضافة إلى ذلك، يعكس إدراج التحرك السعودي في لبنان ضمن سعي الرئيس الأميركي، دونالد
مشكلة الرياض في أنها لا تتوفر على رؤية متسقة لما تعرفه المنطقة من متغيرات، فما الذي يمنعها مثلا من البحث عن مسارات دبلوماسية وسياسية لحل خلافاتها مع إيران، وتجنب صدام مكلف معها؟ سيكون من الغباء الاعتقاد بأن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، وضربَ حزب الله، والقضاء على الحوثيين في اليمن، وتصفيةَ القضية الفلسطينية في تسويةٍ مريبة، والاستمرارَ في حصار دولة قطر، سيضع أوراق المنطقة دفعة واحدة بين يدي محمد بن سلمان، ليعيد ترتيبها حسب مزاجه ورغباته. يبدو الأمر أكبر من ذلك بكثير في منطقةٍ تشكل مختبرا مفتوحا لصراع المصالح الكبرى العابرة للقارات.
يؤشر قرار نقل المواجهة مع إيران من اليمن إلى لبنان على تخبط استراتيجي واضح في السياسة السعودية، خصوصا بعد بروز بوادر تدويل الأزمة، بسبب إصرار قطاع واسع من الطبقة السياسية اللبنانية على ضرورة عودة الحريري إلى بلاده، واحترام سيادة لبنان وحريته، الشيء الذي قد يُحول استقالة الحريري إلى مأزق آخر للرياض.