تحيا مصر

29 مايو 2015
+ الخط -
في أثناء حديثي مع بعض أصدقائي عن فشل النظام العسكري القائم في توفير أدنى متطلبات قيام نظام مستقر، ويقيني من ثورة آتية لا شك في وجه نظام فاشل مثله، انتفض صديقي مؤيد الجنرال متشنجاً، وكأنه أصيب بالصرع، صديقي يردد: "تحيا مصر.. يحيا السيسي".
"تحيا مصر" هو الشعار الذي يرفعه المسبحون بحمد الجنرال القائد الملهم في وجه كل من لا يراه قائدا ولا ملهما.
مصر التي تحيا في عقل صديقي هي مصر ككيان مادي بمؤسسات تقليدية، كالجيش والشرطة والقضاء، لا يهم صديقي أن هذه المؤسسات فاسدة، بقدر ما يهمه وجودها بالأصل، ما يهم صديقي هو نظام مستقر أو على الأقل يحاول أن يبدو كذلك، ولو صنع استقراره على أشلاء معارضيه. أما مصر التي نرجو لها الحياة حقاً فهي مصر الوطن، لا النظام، مصر المواطن.
لن تحيا مصر بالديكتاتورية والفاشية واعتقال الأطفال، لن تحيا مصر باختطاف الطلاب من جامعاتهم وتصفيتهم، ومن ثم إلقاء جثثهم في الصحراء وادعاء قتلهم في اشتباكات مسلحة. لن تحيا مصر باعتقال الساسة وزجهم في السجون، وقتلهم بمنع العلاج الطبي عنهم.
لن تحيا مصر بالكراهية ولا بإعلام أحمد موسي ولا بتسريبات عبد الرحيم علي، ولا بعدل أحمد الزند. قطعاً، لن تحيا مصر باعتقال أحمد ماهر، والتنكيل بأسرة الراحل سيف عبد الفتاح، وفصل محمد البلتاجي من وظيفته أستاذاً جامعياً، لن تحيا دولة تتدخل لمنع إصدار جواز سفر لأحد معارضيها.
ستحيا مصر، يا صديقي، عندما يحيا المصريون، يحيا الوطن متى حيا أبناءه، لا إن حيا مؤيدي الحاكم وفقط، ستحيا يا صديقي يوم أن يتم تعيين أبناء عمال النظافة قضاة، لا يوم إقالة من يعلن ذلك، وتعيين آخر لا يسمح بتعيينهم أيضاً لكنه لا يصرح بذلك. ستحيا يوم أن يطالب تامر أمين الرئيس الذي لا يعجب المواطنين بالرحيل، بدلا من مطالبة المصريين أنفسهم بالرحيل.
الوضع في مصر الآن أشبه برجل تم تعيينه مديراً لمدرسة، رفع الرجل شعار "تحيا المدرسة"، وشرع في طلاء جدران المدرسة المتهالكة، كي تبدو جديدة في عيون الزوار، الرجل نفسه يعذب التلاميذ ويضربهم ويعاملهم أسوأ معاملة. المدرسون والعاملون في المدرسة، وحتى الطلبة، انقسموا إلى فريق يتملق الرجل، ويرى ضرورة حزم المدير وشدته في التعامل معهم، حتى تستقيم أمور المدرسة، وفريق آخر ساخط يطالب باحترام إنسانيته ومعاملته معاملة لائقة، من المؤكد أن التلاميذ الساخطين كثر، ويوماً ما سيكسرون عصا المدير وسيحاسبونه على ما فعل بهم.
سيحكي التاريخ طرفة اختيار السيسي شعار "تحيا مصر" لحملته الانتخابية ولفترة حكمه، وحتى لطائراته الرئاسية، كما كان سيحكي لو اختار هتلر شعار "تحيا الإنسانية" في حربه على العالم، أو اختارت داعش، مثلاً، شعار "لكم دينكم ولي دين"، في أثناء قطعها رقاب مسيحيي مصر وأثيوبيا.
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
محمد عادل (مصر)
محمد عادل (مصر)