في حب الجنرال

21 أكتوبر 2015
+ الخط -
عند طرح كلمة انتخابات، من الطبيعي في أي دولة ديمقراطية حقيقية أن تأتي بخاطرك فكرة التنافس وصراع الأيديولوجيات والبرامج المختلفة. وبالطبع، يُشْتَرَطْ إطلاق حرية الترشح، ووضع ضوابط حقيقية للدعاية الإنتخابية وتحديدها، لضمان تكافؤ الفرص، ويبقى الحاسم الأول والأخير صوت الناخب.
كثيراً ما تقام الانتخابات في الدول الفاشية، على الأقل بشكل رسمي. ولكن، إما تُزَوَّرْ إرادة الناخبين مباشرة بتزوير نتائج الصناديق كما في مصر حسني مبارك، أو أن تكون انتخابات غير تنافسية، فتحظر المشاركة والترشح على الجميع، باستثناء مؤيدي النظام، كما في مصر عبد الفتاح السيسي. وفي الحالتين، النتيجة واحدة، الشعب لم ينتخب، وإرادة الشعب الحقيقية تم تزويرها، دعك من القنوات والمقالات التي تتغني بالديمقراطية، وتدعو العالم إلى مشاهدة العرس الديمقراطي والتعلم.
سمعنا جميعنا تلك المصطلحات والجمل والتصريحات الرئاسية نفسها في 2010 ونسمعها اليوم في 2015، تغيرت الوجوه، ولا يزال المنهج واحداً.
في الانتخابات المزعومة التي يقيمها نظام السيسي، يوجد تنافس، ليس بين برامج مختلفة. ولكن، بين مؤيدي النظام وبعضهم بعضاً، وكأن أحد الفرق الكروية تلعب مع نفسها في مرانٍ ما، فغالبية المرشحين ذوي مرجعية واحدة، ونهج واحد، ترفع قائمة في حب مصر راية المدنية ومساندة الدولة، ويرفع حزب النور راية الشريعة ومساندة الدولة، والواقع أن لا حزب النور يرفع راية الشريعة، ولا قائمة في حب مصر ترفع راية المدنية، بل الاثنان يرفعان صور السيسي.
أقام نظام السيسي مسرحية انتخابية، ودعا مؤيديه فقط للحضور، ففي الدول الديمقراطية، تستمد النظم الحاكمة شرعيتها بهزيمة مؤيديها معارضيها في الانتخابات. أما في مصر والدول الفاشية، فيهزم مؤيدوها مؤيديها أيضاً في الانتخابات، فسواء فاز "النور" أو فازت "في حب مصر"، فالفائز في النهاية مرجعيته عسكرية أمنية.
يصطنع مرشحو الدولة من قائمة في حب مصر، بالتعاون مع الأذرع الإعلامية، معركة وهمية مع حزب النور، لإلباسه ثوب المعارضة، حتى ينخدع جمهور المسرحية، وكأن حزب النور أضحى معارضاً، ويخوض الانتخابات باسم المعارضة، فمحاولة إلباس حزب النور ثوب المعارضة، لمجرد أن الأذرع الإعلامية للنظام تهاجمه، هي بلا شك أسخف من محاولة إلباس أحمد موسى، مثلاً، ثوب الإعلامي لمجرد امتلاكه أستوديو إعلامي، وتردد فضائي ينقل سخافاته إلى الشاشات.
على الموقع الرسمي لقائمة "في حب مصر"، تضع الحملة نبذة قصيرة عن شخصية كل مرشح، ما جذب انتباهي تعريفها مرشحها طارق الخولي، مدعي الثورية عضو حركة 6 إبريل أمس وأحد الأذرع السيساوية اليوم، كتب: "صحفى وناشط سياسى وانشق عن حركة 6 أبريل، وشكل جبهة فى مواجهة الإثاري أحمد ماهر، وحاليا مستقل وشهرته طارق الخولي". هكذا وصفت الحملة مرشحها، دعك من تعريف الخولي، وتأمل في وصف أحمد ماهر بالإثاري. هكذا هو النهج والطريق الذي يوصلك في جمهورية مصر السيساوية، فإن كنت حزباً إسلامياً تريد نفاق السلطة والتملق لها، فما عليك إلا مهاجمة المعارضة الإسلامية، وتصويرها جماعات إرهابية فقط، لأنها لا تساند مؤسسات الدولة، مثلك كما يفعل حزب النور مع جماعة الإخوان المسلمين، أما إن كنت تطرح نفسك تياراً مدنياً وتريد خدمة السلطة، فما عليك إلا مهاجمة المعارضة المدنية وتشويهها، كما يفعل مصطفى بكري وسامح اليزل ورفاقهم في قائمة في حب مصر. الوطنيون فقط هم من يدعمون العسكر، أما المعارضون فهم إما أثاريون مُخربون، كأحمد ماهر ورفاقه في "6 إبريل"، أو يتعاملون مع الغرب مثل محمد البرادعي.
خلاصة الكلام أن المرشحين في الإنتخابات البرلمانية المزعومة لا هم متنافسون، ولا بينهم معركة انتخابية، فليست قوائم "النور" و"في حب مصر" قائمتين مختلفتين، بل قائمة واحدة، اسمها "في حب الجنرال".
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
محمد عادل (مصر)
محمد عادل (مصر)