الديمقراطية الديكورية

08 ديسمبر 2015
+ الخط -
كلمة ديمقراطية مصطلح إغريقي تمت صياغته من شقين: (ديموس) وتعني "الشعب"، و(كراتوس) وتعني "السلطة" أو "الحكم"، أي أن المعنى الحرفي للكلمة هو الحكم للشعب، بمعنى أن الشعب من يدير أموره ويتخذ قرارات الدولة، لكن من البديهي أنه لا يعقل أن تناقش ملايين الشعب كل أمر وتتخذ قراراً فيه، ومن ثم انقسمت الديمقراطية إلى جزء مباشر وغير مباشر.
في الجزء المباشر من الديمقراطية، يقرر كل أفراد الشعب بحرية كاملة القرارات الأهم والمصيرية، مثل الموافقة على دستور الدولة أو اختيار رئيسها أو نواب برلمانها، أما في الجزء غير المباشر منها، فتتخذ السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بعد انتخابهم قرارات وتسن قوانين تمثل الدولة وتحكمها وبالتالي فتلك القرارات والقوانين تمثل الشعب ما دام اختار سلطته التنفيذية والبرلمانية بحرية تامة، فإذا تحقق ذلك في دولة ما تحققت الديمقراطية الحقيقية فيها.
لكن، ما الذي يحدث في مصر ويؤدي لنقل ديمقراطيتها المزعومة من خانة الديمقراطيات الحقيقية إلى خانة الديمقراطيات الشكلية والديكورية؟
-سعت السلطة الحاكمة في مصر قبل ثورة يناير إلى قطع الطريق على الديمقراطية حتى لا تصل إلى المرحلة الكاملة، واختارت مرحلة الصناديق للسطو على العملية الديمقراطية، فقامت بتغيير الصناديق وتبديل أصوات الناخبين من أجل إخراج نتائج تنتصر لرجالها المنحازين لها لا للشعب حقيقةً.
-انتهت مسألة تغيير الصناديق تقريبا في الانتخابات المقامة عقب ثورة يناير فسُمِحَ بمراقبة الصناديق مراقبة كاملة من القضاة، وعلى الرغم من الخلل القائم في المنظومة القضائية في مصر، إلا أن ذلك جعل من الصعب جداً تزوير النتائج في مرحلة الصناديق ولم يستطع أحد التشكيك في نزاهة الصناديق منذ ثورة يناير إلا في نطاق ضيق جداً لا يصل إلى مرحلة الظاهرة، ومن ثم كانت اتهامات التلاعب بالانتخابات تدور في فلك التأثير على الناخبين مرة باستخدام الدين ومرة باستخدام الرشاوي الإنتخابية وما سمعناه جميعاَ من اتهامات الحشد بالزيت والسكر، بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه.
-بعد أحداث 30 يونيو كان لا بد للسلطة من إيجاد نقطة جديدة في مسار العملية الديمقراطية تقطع فيها الطريق عليها حتى لا تسمح بوصولها إلى مرحلة ديمقراطية كاملة، اختارت الدولة وضع فلاترها قبل مرحلة الصندوق، فلاتر حقيقية تعمل بكفاءة لمنع مرور معارضيها ووصولهم إلى مرحلة التحاكم إلى الصندوق، بدءاً من الإتحادات الطلابية ووصولاً إلى مجلس النواب، فلاتر حقيقية تعمل بكفاءة، وليست كفلاتر السيسي رديئة الصنع فيما يبدو والتي لم تمنع سقطاته ولا ذلات لسانه من الخروج للعلن.
-نجحت السلطة في قمع معارضيها وفرض واقع السماح بتأييدها وفقط، بداية من اعتقال من روج للتصويت ضد دستورها وصولاً لمرحلة إهانة واعتقال بعض مؤيديها حتى، سواء الذين لا يصفقون بالشكل الكافي كما حدث مع رجل الأعمال صلاح دياب، أو ربما حتى من ينافسون أشد مؤيديها إخلاصاً كما رأينا اعتقالها لمؤيديها من أعضاء حزب النور من محيط بعض اللجان الإنتخابية، فقط لأنهم ينافسون قائمة أمنية شَكَّلَها رجل طالما تباهى على شاشات التلفاز في المواقف المختلفة بعلاقاته واتصالاته الأمنية ومعلوماته المخابراتية.
-اعتقلت السلطة معارضيها، وفَصَّلَ مهندسو انتخاباتها قانوناً انتخابياً على مقاس قائمتها الأمنية، سمح بحصولها علي كل المقاعد وأهدر قرابة ال30% من أصوات من شاركوا في تلك الانتخابات وأعطوا أصواتهم لقائمة حزب النور رغم تأييده للسلطة، لكن على الرغم من ذلك تبقي حقيقة ثابتة مفادها أن الصوت الأعلى كان للمقاطعة، وأن نسبة المشاركة التي لم تتعدى 20% تخبرنا أن باقي ال60% الذين شاركوا في انتخابات برلمان 2011 قد قرروا المقاطعة.
-في مصر والدول الدكتاتورية لا يمكن المجاهرة في عام 2015 بالفاشية ومواجهة العالم المتحضر بأكمله في ظل انهيار اقتصادي في معظم تلك الدول التي ينهب حكامها خيرات شعوبها ولا يمكن معه تحمل فرض عقوبات إقتصادية، ومن ثم تحتاج هذه الدول إلى بعض مظاهر الديمقراطية والتي تحرص على ألا تكون ديمقراطية حقيقية لتلوح بها للمجتمع الدولي، وللآسف فكثيراً ما يكون المجتمع الدولي مختل الموازين ينتظر فقط مثل تلك الديمقراطيات الشكلية لتبرير تحالفه مع الفاشية ودعمه للطغاة.
لكن، تبقى حقيقة ثابتة أن ديمقراطيتهم المزعومة ديكورية لا قيمة لها، وأن الأمل لتلك البلد في الوصول إلى ديمقراطية حقيقية لا يزال متوقفاً على دعائنا أن نسمع صوت الكتلة المقاطعة في الميادين، فلنأمل ألا ننتظر استجابة دعائنا طويلاً.
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
37416B7A-F54A-4425-8822-A9A63A182E41
محمد عادل (مصر)
محمد عادل (مصر)