قال عدد من المحامين الذين حضروا جلسات التحقيق في القضية الجديدة 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل"، إن الأوراق والأحراز التي واجهت بها نيابة أمن الدولة العليا المتهمين، وعلى رأسهم المحامي اليساري زياد العليمي والمتحدث باسم التيار الشعبي الناصري حسام مؤنس والصحافي الناصري هشام فؤاد ورجل الأعمال الليبرالي عمر الشنيطي، لم توضح من قريب أو بعيد دلائل اتهامهم بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، على عكس ما جاء في بيان وزارة الداخلية الذي اتهمهم بإنشاء مسارات للتدفقات المالية الواردة من الخارج بطرق غير شرعية وبالتعاون مع شخصيات "إخوانية" مثل محمود حسين وعلي بطيخ.
وأضاف المحامون، لـ"العربي الجديد"، أن القضية عملياً منقسمة إلى جزأين، الأول وضعت النيابة فيه الشخصيات المصنفة بأنها قريبة من التيار الإسلامي و"الإخوان"، ومنهم الداعية خالد أبو شادي، والقيادي في حزب الاستقلال الداعية أسامة العقباوي، والمستشار القانوني لمجموعة من أسر معتقلي "الإخوان" المحامي قاسم عبد الكافي، ورجل الأعمال مصطفى عبد المعز عبد الستار الشريك الرئيسي في مجموعة شركات المعز للتنمية العمرانية. وتم إجراء جلسات "سريعة وقصيرة" مع هؤلاء المتهمين، وتوجيه اتهامات لهم "بالانضمام إلى جماعة الإخوان الإرهابية وتمويل الجماعة والعمل على إحياء تنظيمها السري".
أما الجزء الثاني فهو الخاص بالنشطاء، ومنهم العليمي ومؤنس وهشام فؤاد، بالإضافة إلى المحاسب حسن بربري، والذي قال مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، إنه تم القبض عليه رغم عدم انتمائه لأي تيار سياسي، نظراً لأنه معروف في الأوساط الحقوقية كمحاسب بارز وذي خبرة لإنهاء أعمال المنظمات مع الدولة والجهات المانحة، وأن القبض عليه جاء رداً على تقارير سلبية عن مصر أعدتها منظمات دولية كان يعمل معها. وذكر المحامون أن التحقيقات مع هؤلاء المتهمين جاءت مطولة، وامتد بعضها لعشر ساعات، إذ عمد المحققون إلى محاولة الربط بين العمل السياسي أو الحقوقي أو الصحافي بتنفيذ "أجندة" جماعة الإخوان المسلمين بصورة أغضبت المتهمين، الذين أكدوا عدم وجود أي صلة بينهم وبين الجماعة. وكانت المفاجأة أن التحريات المقدمة خالية من أي إشارة للاجتماعات التي كان مؤنس والعليمي وفؤاد أطرافاً فيها لإنشاء ما يسمى بـ"تحالف الأمل"، بين عدد من نشطاء أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والعيش والحرية، وعدد من الشخصيات الناصرية المعروفة للاستعداد لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة، بشخصيات عدة منها العليمي.
وأوضح المحامون أنه رغم معرفة الأمن الوطني بتفاصيل هذه الاجتماعات، إلاّ أنه تم استخدام بعض المعلومات فقط، واقتطاعها من سياقها لاستخدامها في السردية الخاصة، بالتعاون مع "الإخوان" تحديداً، وهو ما أوقع المتهمين في مأزق أثناء التحقيقات، بسبب عدم رغبتهم في الكشف عن تفاصيل الحراك السياسي، وفي الوقت نفسه ضرورة الإشارة للتدليس الذي ارتكبته الشرطة في إعداد أوراق القضية ومحاولة سوقها إلى طريق مختلف عما كان يتصوره نشطاء "تحالف الأمل" حال تحريك قضية ضدهم.
وأشار المحامون إلى أن المتهمين استغرقوا وقتاً طويلاً في الحديث عن الخصومة السياسية بينهم وبين "الإخوان" للتدليل على استحالة التوافق معهم على أي حراك. كما ذكر بعضهم أنهم لا يحبذون الانخراط في أي ممارسة سياسية حالياً بسبب القمع الأمني والقيود المفروضة على المجال العام. وفي النهاية تم توجيه اتهامين أساسيين لهذه المجموعة، الأول هو مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، والثاني هو بث أخبار كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتحريض على التظاهر ونشر معلومات غير صحيحة عن الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. وتعكس هذه المعلومات عدم وجود رابط واقعي في التحقيقات يدعم رواية الشرطة التي أعلنتها عقب القبض على المتهمين، وهو ما يرجح، بحسب مصدر قضائي بمحكمة استئناف القاهرة، "إمكانية إخلاء سبيل بعض المتهمين اليساريين والناصريين قريباً أو بعد عدة أشهر، كما حدث في قضية السفير معصوم مرزوق والأكاديمي يحيى القزاز التي فجرتها السلطات في يوليو/تموز من العام الماضي" وكانت أول قضية يظهر فيها اتهام "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها". والمقصود بهذا الاتهام، الذي لا يوجد له صدى في أي تشريع مصري، إمكانية محاسبة الشخصيات السياسية أو الإعلامية على أي فعل أو منشور أو حديث يتفق مع اتجاهات "الإخوان" وأي جماعة تصنفها السلطة إرهابية، حتى إذا لم يكن ثابتاً وجود اتفاق بين الطرفين على ذلك. ويوضح المصدر القضائي أن محكمة النقض لم يعرض أمامها حتى الآن أي قضية تنطوي على هذا الاتهام، لكن من الصعب "للغاية" قبول تسبيبه أمام أي محكمة، لأنه يفتقر إلى عنصر "الاتفاق" الواجب تحققه قبل توجيه اتهام لعدة أفراد أو مجموعات بالإسهام العمدي في ارتكاب جريمة.
أما المفاجأة الأخرى التي ظهرت في التحقيقات، وكانت "العربي الجديد" قد أشارت إليها أول من أمس على لسان مصدر أمني، فهي أن معظم الشركات والكيانات الاقتصادية محل القضية الجديدة، كان قد سبق وتم التحفظ عليها ضمن حملة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الممتدة لتجفيف منابع تمويل "الإخوان" منذ 2013 وحتى الآن. وهو ما يعني أن الوقائع المضبوطة لدى هذه الشركات قديمة، وبالتالي تكون القضية برمتها مفتعلة، أو أن الوقائع ارتكبت في ظل إدارة الدولة لتلك الشركات. ومن الشركات التي سبق التحفظ عليها، وادعت وزارة الداخلية أنها متورطة في القضية الجديدة، مجموعة إخوان رزق للاستثمار، وشركة التاج الذهبي، وشركة مكة للتوريدات، وشركة ركاز للاستثمار العقاري، وعيادات المدينة الطبية. علماً بأن مقطع الفيديو الذي نشرته الشرطة تضمن فقط مشاهد مداهمة لشركة واحدة، هي "إخوان رزق"، وتم توجيه اتهام لشخص يُدعى الدسوقي رزق بتمويل الجماعة، لم يعرف حتى الآن ما إذا كان داخل أو خارج مصر، لكنه ليس من المقبوض عليهم في القضية.