03 اغسطس 2022
تحرير الرقة... إنذار للأسد؟
نحو الرقة دُر. فجأةً، ومن دون سابق إنذار، قرّرت واشنطن إطلاق معركة تحرير الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويقيم فيها حكم الشريعة منذ نحو ثلاث سنوات. لن تشن الهجوم، بطبيعة الحال، القوات الأميركية مباشرة، وإنما بالاستعانة بتحالف "قوات سوريا الديمقراطية" التي تؤلف "وحدات حماية الشعب" الكردية عموده الفقري، تحت غطاء جوي أميركي. وهي الوحدات التي تمرّست واستبسلت في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، في معركة تل أبيض القريبة من الحدود التركية، علماً أن الرقة ذات غالبية عربية، إلا أن الفصائل العربية في "قوات سوريا الديمقراطية" لا تبدو مستعدةً للمشاركة في الحملة.
فلماذا الرقة، وفي هذا التوقيت؟ تقع مدينة الرقة في وسط المحافظة التي تحمل اسمها، في شمال وسط سورية، شرق مدينة حلب. وكانت الرقة أول محافظة تسقط في أيدي "داعش"، من دون أن تدافع عنها عملياً كتائب الأسد، وهو تنظيم صنعه النظام، عندما قرّر عسكرة الثورة السلمية التي انفجرت في وجهه في 15 مارس/ آذار 2011، فاطلق سراح من أصبحوا في ما بعد قياديي "داعش"، مثل أبو محمد الجولاني وأبو محمد العدناني وغيرهما... ومنذ ذلك الحين، سادت حال من التواطؤ الفعلي وغير المستور، لم يقدم خلالها أي من الطرفين على مهاجمة الآخر، لا في الرقة ولا في غيرها، حيث تمدّد "داعش"، وحيث يوجد منذ ظهوره في نهاية 2011. ولم يطل قصف طيران النظام ولا براميله المتفجرة، يوماً، مواقع لـ "داعش". وقد صب التنظيم المذكور كل جهوده لمقاتلة "الجيش الحر" وفصائل المعارضة الأخرى وكذلك "جبهة النصرة"، وحيّد، باستمرار، المناطق التي تسيطر عليها كتائب الأسد. وأخيراً، كانت معركة استعادة مدينة تدمر من أيدي "داعش" أكبر دليل على ذلك، إذ كشف نائب رئيس مجلس المحافظة أن تنظيم "الدولة الإسلامية" تمكّن من السيطرة على تدمر، بعد أن تلقت قوات النظام تعليماتٍ بالانسحاب وعدم التصدّي له، وبعدها شارك الطرفان في عملية تهجير أهل المدينة. والأمر نفسه حصل عندما شنّت كتائب الأسد في 27 مارس/ آذار الماضي هجوماً لاستعادتها بدعم روسي وإيراني.
قرّرت واشنطن التحضير لمعركة تحرير الرقة، عقب زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف إل. فوتيل، شمال سورية، للتنسيق مع مقاتلين أكراد تحضيراً للهجوم. وهو أكبر مسؤول عسكري أميركي يزور سورية منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011، إلا أن اللافت أكثر فأكثر هو عرض روسيا خدماتها، إذ أعلنت، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، استعداد موسكو لتنسيق الجهود مع "الائتلاف الدولي"، ومع الأكراد من أجل تحرير الرقة من قبضة "داعش".
فهل انتقلنا من مرحلة التنسيق السياسي والدبلوماسي إلى مرحلة التنسيق العسكري بين واشنطن
وموسكو، اللتين كانتا تقفان على طرفي نقيض، في بداية الصراع الدائر على مصير سورية، أم أن الحمية دفعت أوباما إلى إعادة النظر في موقفه، فقرّر خوض معركة إثبات وجود قبل مغادرة البيت الأبيض. أو الأصح أن أميركا قرّرت الكشف، بوضوح، عن أوراقها، واستكمال شهر العسل مع إيران عبر التقرب من ربيبها بشار الأسد، بذريعة محاربة الإرهاب؟
وبعيداً عن هذه الاحتمالات أو تلك، أين أصبحت معركة حلب التي حشد لها النظام، واندفعت إليها بقوة مقاتلات "سوخوي" بوتين، وارتكبت فيها أبشع المجازر، ودمرت خلالها أعرق المدن وأغناها تراثاً وتاريخاً؟ معركة صوّرت على أنها مفتاح الحسم للسيطرة على شمال سورية وإحكام القبضة على الحدود مع تركيا، من أجل قطع خطوط الإمدادات عن الإرهابيين والتكفيريين. وهذا يمهّد لفرض حل روسي- إيراني (بتواطؤ أميركي) على معارضةٍ مشرذمةٍ ومتناحرةٍ وعاجزة، ومتروكةٍ لمصيرها على طاولة مفاوضات شكلية في جنيف... فهل دفع فشل معركة حلب، أو تعثرها، باستراتيجيي الطرفين للبحث عن معركةٍ أخرى، سهلة المنال، ضد "داعش"، إلى درجة أن موسكو أعلنت أنها ستوقف عملياتها ضد جبهة النصرة، علماً أنها كانت ترفض مشاركتها في أي مفاوضات، باعتبارها تنظيماً إرهابياً.
نهج العقل الروسي المراوغ هو نفسه منذ تدخل عسكرياً في سورية، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، يقوم على فرض حل تحت الضغط العسكري. ولذلك، يجب دوماً تسخين الأرض، وتكثيف القصف في أثناء المفاوضات. ولا بد هنا من التذكير بأن بوتين كان قد تعهد بأن تدخله العسكري لن يدوم أكثر من ثلاثة أشهر. وفي نهاية الرابع، أعلن انسحاباً فولكلورياً لقواته غير ذي وزن. وها قد مضت سبعة أشهر على هذا التدخل و"الدب الروسي" يغرق أكثر فأكثر في أوحال المستنقع السوري. وكما في كل مرة، فشل تكتيك الضغط العسكري، لأن المعارضة رفضت الجلوس، في المرة الأولى، إلى الطاولة قبل وقف إطلاق نار شامل. وفي المرة الثانية، لأن الحملة العسكرية نفسها على حلب لم تنجح. وها هي موسكو تحاول إعادة لملمة "جنيف-3"، على الرغم من إعلان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، عدم تفاؤله.
واذا كانت موسكو ترغب حقيقة في تحقيق حل سياسي تفاوضي، لا ممارسة لعبة الشطرنج على الرقعة السورية، قبل مغادرة أوباما ودخول رئيسٍ جديد عتبة البيت الأبيض، فإن العودة إلى جنيف يجب أن تتم على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على قيام مرحلة انتقالية، تمهّد لعملية انتقال السلطة. وبما أن واشنطن قد أعلنت، مراراً، أن المرحلة الانتقالية سيبدأ تطبيقها في شهر أغسطس/ آب، أي بعد شهرين، فلا مفرّ، بالتالي، من وضع حد لصلف النظام وتقليم أظافره، لإرغامه على الولوج إلى المرحلة الانتقالية بدون الأسد، وهو الذي حاول الاستحصال، في إبريل/ نيسان الماضي، على شرعيةٍ مزيفةٍ، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، عبر تنظيم الانتخابات-المهزلة التي أحرجت حتى القيادة الروسية نفسها. فهل يكون المدخل إلى تطويعه إطلاق معركة إخراج حليفه المضمر (داعش) من الرقة، خصوصاً وأن معركة حلب أثخنت الحليف الإيراني وذراعه الضارب، حزب الله، بالجراح. أم أنها مجرد مسرحية مضيعة للوقت، يتبعها ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة أخرى؟
فلماذا الرقة، وفي هذا التوقيت؟ تقع مدينة الرقة في وسط المحافظة التي تحمل اسمها، في شمال وسط سورية، شرق مدينة حلب. وكانت الرقة أول محافظة تسقط في أيدي "داعش"، من دون أن تدافع عنها عملياً كتائب الأسد، وهو تنظيم صنعه النظام، عندما قرّر عسكرة الثورة السلمية التي انفجرت في وجهه في 15 مارس/ آذار 2011، فاطلق سراح من أصبحوا في ما بعد قياديي "داعش"، مثل أبو محمد الجولاني وأبو محمد العدناني وغيرهما... ومنذ ذلك الحين، سادت حال من التواطؤ الفعلي وغير المستور، لم يقدم خلالها أي من الطرفين على مهاجمة الآخر، لا في الرقة ولا في غيرها، حيث تمدّد "داعش"، وحيث يوجد منذ ظهوره في نهاية 2011. ولم يطل قصف طيران النظام ولا براميله المتفجرة، يوماً، مواقع لـ "داعش". وقد صب التنظيم المذكور كل جهوده لمقاتلة "الجيش الحر" وفصائل المعارضة الأخرى وكذلك "جبهة النصرة"، وحيّد، باستمرار، المناطق التي تسيطر عليها كتائب الأسد. وأخيراً، كانت معركة استعادة مدينة تدمر من أيدي "داعش" أكبر دليل على ذلك، إذ كشف نائب رئيس مجلس المحافظة أن تنظيم "الدولة الإسلامية" تمكّن من السيطرة على تدمر، بعد أن تلقت قوات النظام تعليماتٍ بالانسحاب وعدم التصدّي له، وبعدها شارك الطرفان في عملية تهجير أهل المدينة. والأمر نفسه حصل عندما شنّت كتائب الأسد في 27 مارس/ آذار الماضي هجوماً لاستعادتها بدعم روسي وإيراني.
قرّرت واشنطن التحضير لمعركة تحرير الرقة، عقب زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف إل. فوتيل، شمال سورية، للتنسيق مع مقاتلين أكراد تحضيراً للهجوم. وهو أكبر مسؤول عسكري أميركي يزور سورية منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011، إلا أن اللافت أكثر فأكثر هو عرض روسيا خدماتها، إذ أعلنت، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، استعداد موسكو لتنسيق الجهود مع "الائتلاف الدولي"، ومع الأكراد من أجل تحرير الرقة من قبضة "داعش".
فهل انتقلنا من مرحلة التنسيق السياسي والدبلوماسي إلى مرحلة التنسيق العسكري بين واشنطن
وبعيداً عن هذه الاحتمالات أو تلك، أين أصبحت معركة حلب التي حشد لها النظام، واندفعت إليها بقوة مقاتلات "سوخوي" بوتين، وارتكبت فيها أبشع المجازر، ودمرت خلالها أعرق المدن وأغناها تراثاً وتاريخاً؟ معركة صوّرت على أنها مفتاح الحسم للسيطرة على شمال سورية وإحكام القبضة على الحدود مع تركيا، من أجل قطع خطوط الإمدادات عن الإرهابيين والتكفيريين. وهذا يمهّد لفرض حل روسي- إيراني (بتواطؤ أميركي) على معارضةٍ مشرذمةٍ ومتناحرةٍ وعاجزة، ومتروكةٍ لمصيرها على طاولة مفاوضات شكلية في جنيف... فهل دفع فشل معركة حلب، أو تعثرها، باستراتيجيي الطرفين للبحث عن معركةٍ أخرى، سهلة المنال، ضد "داعش"، إلى درجة أن موسكو أعلنت أنها ستوقف عملياتها ضد جبهة النصرة، علماً أنها كانت ترفض مشاركتها في أي مفاوضات، باعتبارها تنظيماً إرهابياً.
نهج العقل الروسي المراوغ هو نفسه منذ تدخل عسكرياً في سورية، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، يقوم على فرض حل تحت الضغط العسكري. ولذلك، يجب دوماً تسخين الأرض، وتكثيف القصف في أثناء المفاوضات. ولا بد هنا من التذكير بأن بوتين كان قد تعهد بأن تدخله العسكري لن يدوم أكثر من ثلاثة أشهر. وفي نهاية الرابع، أعلن انسحاباً فولكلورياً لقواته غير ذي وزن. وها قد مضت سبعة أشهر على هذا التدخل و"الدب الروسي" يغرق أكثر فأكثر في أوحال المستنقع السوري. وكما في كل مرة، فشل تكتيك الضغط العسكري، لأن المعارضة رفضت الجلوس، في المرة الأولى، إلى الطاولة قبل وقف إطلاق نار شامل. وفي المرة الثانية، لأن الحملة العسكرية نفسها على حلب لم تنجح. وها هي موسكو تحاول إعادة لملمة "جنيف-3"، على الرغم من إعلان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، عدم تفاؤله.
واذا كانت موسكو ترغب حقيقة في تحقيق حل سياسي تفاوضي، لا ممارسة لعبة الشطرنج على الرقعة السورية، قبل مغادرة أوباما ودخول رئيسٍ جديد عتبة البيت الأبيض، فإن العودة إلى جنيف يجب أن تتم على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على قيام مرحلة انتقالية، تمهّد لعملية انتقال السلطة. وبما أن واشنطن قد أعلنت، مراراً، أن المرحلة الانتقالية سيبدأ تطبيقها في شهر أغسطس/ آب، أي بعد شهرين، فلا مفرّ، بالتالي، من وضع حد لصلف النظام وتقليم أظافره، لإرغامه على الولوج إلى المرحلة الانتقالية بدون الأسد، وهو الذي حاول الاستحصال، في إبريل/ نيسان الماضي، على شرعيةٍ مزيفةٍ، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، عبر تنظيم الانتخابات-المهزلة التي أحرجت حتى القيادة الروسية نفسها. فهل يكون المدخل إلى تطويعه إطلاق معركة إخراج حليفه المضمر (داعش) من الرقة، خصوصاً وأن معركة حلب أثخنت الحليف الإيراني وذراعه الضارب، حزب الله، بالجراح. أم أنها مجرد مسرحية مضيعة للوقت، يتبعها ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة أخرى؟