وحسمت وزارة الداخلية المغربية، أمس السبت، فوز العدالة والتنمية، الذي اجتاز اختبار صناديق الاقتراع للمرة الثانية في تاريخه وتحديداً منذ عام 2011، بعدما أظهرت النتائج أنه نال 125 مقعداً من أصل 395 مقعداً، بزيادة 18 مقعداً عن انتخابات 2011، فيما حل الأصالة والمعاصرة ثانياً بـ102 مقعد، في حين جاء حزب الاستقلال ثالثاً بـ46 مقعداً.
وعلى الرغم من أن "الأصالة والمعاصرة" استطاع تحقيق تقدم بالمقارنة مع انتخابات 2011، إذ انتقل إلى المرتبة الثانية بـ102 مقعد بعدما نال سابقاً 47 مقعداً، إلا أن "البام" خسر رهانه على أن تحمل نتائج فرز القائمتين الوطنيتين اللتين تضمان 90 مقعداً (موزعة بين واحدة للنساء تضم 60 مقعداً، وأخرى للشباب ما دون الـ40 عاماً تضم 30 مقعداً)، مفاجآت من شأنها قلب موازين القوى لصالحه. وذلك بعدما كانت نتائج الدوائر الانتخابية المحلية البالغ عددها 92، والتي تضم 305 مقاعد من أصل 395 وهو عدد مجمل مقاعد مجلس النواب، قد منحت حزب العدالة والتنمية الصدارة.
توزع المقاعد
وبحسب بيان لوزارة الداخلية المغربية، حصل حزب العدالة والتنمية على 98 مقعداً في الدوائر الانتخابية المحلية و27 مقعداً على اللائحة الانتخابية الوطنية، ليصل المجموع إلى 125 مقعداً. وتلاه خصمه الرئيسي حزب الأصالة والمعاصرة الذي فاز بـ81 مقعداً محلياً و21 مقعداً وطنياً ليكون مجمل مقاعده 102. فيما حصل حزب الاستقلال (المعارض) على 46 مقعداً (35 مقعداً بالقوائم المحلية، و11 بالقائمة الوطنية)، وحصل حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك بالحكومة) على 37 مقعداً (28 مقعداً بالقوائم المحلية، و9 بالقائمة الوطنية).
أما حزب الحركة الشعبية (مشارك في الحكومة)، فحصل على 27 مقعداً (20 بالقوائم المحلية و7 بالقائمة الوطنية)، فيما حصل حزب الاتحاد الدستوري (المعارض) على 19 مقعداً (15 بالمحلية و4 بالوطنية).
من جهته، نال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض) 20 مقعداً (14 بالمحلية و6 بالوطنية)، أما حزب التقدم والاشتراكية (يساري مشارك في الحكومة) فحصل على 12 مقعداً (7 بالمحلية و5 بالوطنية). وحصد حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية (معارض) 3 مقاعد، فيما حصل حزب "فيدرالية اليسار الديمقراطي" (معارض) على مقعدين، ليدخل للمرة الأولى إلى البرلمان. أما حزبا الوحدة والديمقراطية (معارض)، واليسار الأخضر المغربي (يساري معارض)، فحصل كل منهما على مقعد واحد.
مقارنة بين 2011 و2016
وفي السياق، يتوقف أستاذ القانون الدستوري المغربي، عبد الرحيم العلام، في حديث إلى "العربي الجديد"، عند الأرقام الأولية لتوزيع المقاعد الانتخابية ونسبة التصويت التي بلغت 43 في المائة بالمقارنة مع 45 في المائة في انتخابات 2011. ويلفت إلى أنه خلال الانتخابات السابقة كان عدد الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات نحو 13 مليوناً ونصف مليون ناخب، بينهم 6 ملايين اختاروا المشاركة في الانتخابات، فيما عمد مليون مقترع منهم إلى إبطال صوته. أما في انتخابات 2016، فإن عدد الذين يحق لهم التصويت يقدر بنحو 16 مليون ناخب، لم يشارك منهم سوى قرابة 6 ملايين و700 ألف ناخب، في حين لم يكن واضحاً حتى ساعات ما بعد ظهر يوم أمس، السبت، عدد الذين أبطلوا أصواتهم.
ويرى العلام أن هذه الأرقام تشير إلى أن الزيادة في عدد المسجلين للانتخابات لم تنعكس زيادة في عدد المشاركين. وهو ما يتيح القول، من وجهة نظره، إن المشاركة كانت متدنية بالمقارنة مع انتخابات 2011 وحتى بالمقارنة مع الانتخابات المحلية في 2015 التي وصلت فيها النسبة إلى قرابة 53 في المائة. ويعزو هذا التراجع إلى أسباب عدة، أولها ضعف الأداء الحكومي، وتراجع نسب المشاركة في المدن الرئيسية وحتى في عدد من المناطق الريفية. ويلفت إلى أنه إذا استطاع الحزب الفائز، أي العدالة والتنمية، أن يقنع قرابة مليون ونصف مليون مغربي بالتصويت له، فإنه لم يستطع أن يقنع قرابة 14 مليون مسجل في الانتخابات باختياره. كما يتوقف عند الظروف التي رافقت العملية الانتخابية والاتهامات التي وجهت لوزارة الداخلية بالتدخل، فضلاً عن وجود قوى سياسية نادت بمقاطعة الانتخابات اعتراضاً على الحياة السياسية والمطالبة بإصلاح حقيقي ومطالبة الحكومة بتحمل مسؤولياتها كاملة.
وفيما يتفق العلام مع الآراء القائلة بأن "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" أبرز الأحزاب الرابحة من النتائج، لا يوافق على اعتبار أن حزب الاستقلال خاسر أيضاً لأنه لم يتراجع، من وجهة نظره، بالقدر الذي تراجعت فيه أحزب أخرى مثل "الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية".
خلاصات وسيناريوهات
من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني المحمدية، عمر الشرقاوي، في حديث إلى "العربي الجديد"، وجود خمس خلاصات أساسية يمكن استنتاجها من نتائج الانتخابات.
أولها أن النتائج تعبّر عن استمرار نَفَس انتخابات 2011 التي ترافقت مع الربيع العربي، إذ حصل يومها حزب العدالة والتنمية على وهجه السياسي الذي يبدو أنه مستمر إلى اليوم. فعلى الرغم من سنوات الإنهاك الخمس التي عانى منها بعد توليه تسيير الشأن الحكومي للمرة الأولى في تاريخه، وعلى الرغم من بعض القرارات غير الشعبية التي اتخذها، إلا أن نتائج الانتخابات أعطت مفعولاً عكسياً، في إشارة واضحة إلى أن السلطة لا تؤدي فقط إلى إنهاك صاحبها بل قد تفضي إلى زيادة شعبيته على غرار ما حدث مع "المصباح".
أما الخلاصة الثانية، فتتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة الذي يرى الشرقاوي أنه خرج من انتخابات 2016 رابحاً على مستويين. الأول رفع من سلته الانتخابية بعدما ضاعف عدد مقاعده الانتخابية وحل في المرتبة الثانية. كما أنه تمكن ثانياً، من التطبيع مع الحياة السياسية. ويشير الشرقاوي إلى أنه ثار جدل في السابق حول نشأة الحزب فضلاً عن اتهامه بأنه يشكل الذراع الحزبي/ السياسي للدولة. وتضاف إلى ذلك نقاشات حول الموقف من وجود الحزب، لكن الحديث تمحور خلال انتخابات 2016 حول ما إذا كان سيتصدر الأصالة والمعاصرة الانتخابات أم لا.
ثالث الخلاصات تتمثل، من وجهة نظره، في انهيار أحزاب الحركة الوطنية التي شكلت عمود الحياة السياسية المغربية، والمقصود بها تحديداً أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية. ويشير الشرقاوي إلى أن هذه القوى واجهت "تسونامي سياسي" جرف كل قوائمها الانتخابية وحولها إلى أحزاب عادية أو صغيرة في المشهد السياسي.
رابعاً، يعتبر أستاذ العلوم السياسية أنه بات يمكن القول إنه يوجد انهيار في الإيديولوجية اليسارية، إذ إن القوى اليسارية المشاركة في الانتخابات، من الاتحاد الاشتراكي إلى التقدم والاشتراكية وحتى تحالف فيدرالية اليسار، لم تتمكن من الفوز حتى بخمس المقاعد التي نالها حزب العدالة والتنمية، في إنعكاس لمدى التراجع الذي أصابها.
أما في خامس الخلاصات وأهمها، من وجهة نظره، فيتوقف الشرقاوي عند ما يعتبر أنه "صعوبة في تشكيل التحالف الحكومي" المرتقب، إذ إن "النتائج التي أفرزتها الصناديق وضعتنا أمام صعوبة تشكيل الحكومة، وهذا ما يضع البلاد أمام سيناريوهات عدة". ويلفت إلى أنه دستورياً سيلجأ الملك إلى تكليف شخصية من الحزب المتصدر، أي العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة، لكن هذا الأمر يحيل إلى سيناريوهين اثنين من وجهة نظره. الأول أن يتمكن الرئيس الحالي للحكومة، الأمين العام للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من تشكيل ائتلاف حكومي يتيح له ضمان تأمين أصوات 198 نائباً ليستطيع نيل الثقة البرلمانية. ويرى الشرقاوي أن هذا الأمر، حسابياً، ليس بالعسير، إذ يحتاج "المصباح" إلى تأمين ما بين 73 و75 صوتاً ليضمن ذلك. ويمكن أن يحصل على هذه الأصوات بشكل أساسي من حزب الاستقلال، وهو ما يشير إلى أن الأخير يعد أبرز ورقة يجب أن يعمل عليها "العدالة والتنمية"، فضلاً عن إمكانية الاستعانة بالأحزاب الأخرى التي تحالفت مع الحكومة الحالية، وتحديداً حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في عدم قدرة بنكيران على تشكيل الحكومة نتيجة امتناع الأحزاب الأخرى عن التعاون معه. وهنا ستكون البلاد أمام أزمة تتيح الانتقال إلى طرح سيناريوهات أخرى عدة، خصوصاً أنه لا يوجد نص دستوري يتضمن مخارج واضحة لأزمة فشل الحزب المتصدر للانتخابات بتشكيل الحكومة.
ويلفت الشرقاوي إلى أن المادة 47 من دستور عام 2011 تنص على أن "يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعيّن أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها..."، من دون أن يتضمن الإشارة إلى مهل دستورية تمنح للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة أو تحدد الخطوات الدستورية في حال فشله.
وهو ما يطرح إمكانية اللجوء إلى احتمالات إضافية من بينها تكليف الحزب الذي حل ثانياً بمهمة تشكيل الحكومة، أو إجراء انتخابات مبكرة على غرار النموذج المعتمد في عدد من الدول. وفي السياق، يتوقف الشرقاوي عند "النموذج الإسباني" الذي تم اللجوء إليه أخيراً في محاولة لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد، فيما يبدو لافتاً أن الحديث عن هذا النموذج كان يتردد همساً على لسان أكثر من مراقب طوال الأيام التي سبقت الانتخابات.
أما الخيار الآخر، الذي يطرحه الشرقاوي، فهو أن يتدخل العاهل المغربي والذي يمكن أن يلجأ إلى طلب تشكيل حكومة ائتلاف وطني أو تعيين شخصية مستقلة. وفيما يلفت إلى أنه تبقى للملك صلاحيات حصرية يمكنه اللجوء إليها، يرى الشرقاوي أن لكل من هذه الخيارات تكاليفها السياسية.
في المقابل، يستبعد العلام الرأي القائل بأن حزب العدالة والتنمية قد يفشل في تشكيل الائتلاف الحكومي، ما قد ينقل البلاد إلى مرحلة أخرى مفتوحة على احتمالات عدة، من بينها تكليف الحزب الذي حل ثانياً، الأصالة والمعاصرة، بتشكيل الحكومة، لأسباب عدة، أولها أن الدستور المغربي لا يتضمن أي نص بهذا الخصوص، وأي محاولة للسير في هذا الاتجاه ستتطلب على الأرجح من الملك طلب فتوى دستورية بذلك. كما يرجّح عدم الوصول إلى هذه النقطة لما لها من كلفة سياسية، من وجهة نظره، على البلاد واستقرارها، لا سيما أنها ستتيح القول إن ما لم يحصل عليه الأصالة والمعاصرة في الصناديق سيحصل عليه من الملك أو المجلس الدستوري. كما يستبعد العلام اللجوء إلى خيار انتخابات مبكرة جديدة، خصوصاً أن حزب العدالة والتنمية قد يفوز من جديد بالانتخابات.