تجاوزات الحملات الانتخابية الأميركية: كسر للأعراف وتساؤلات حول المستقبل

04 نوفمبر 2016
ترامب يتقدم نقطة على كلينتون بآخر استطلاع للرأي(شيب سومودفيلا/Getty)
+ الخط -
تشهد حملة انتخابات الرئاسة الأميركية قبل أيام من موعد الاقتراع في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تجاوزات لقواعد وضوابط مرعية الإجراء، تم وضعها لتنظيم العملية السياسية-الانتخابية في الولايات المتحدة.
تعكس الشوائب التي تم تسجيلها أخيراً تدهوراً في أخلاقيات وأعراف الحملة الانتخابية، ما أثار مخاوف حقيقية في الساحة الأميركية. ونجم عن ذلك ضمور للثقة بالمؤسسات. وهو ما أثار الخشية ليس على سلامة الانتخابات وحسب، بل أيضاً على سلامة الديمقراطية الأميركية التي باتت "على المحك"، وفق تعبير أحد المراقبين. أي أن المشهد، في المقاييس الأميركية، "غير مسبوق" في انفلاته، وبالتالي في انفتاحه على منزلقات خطيرة، كما يرى البعض.

لكن هذا المشهد المقلق ليس وليد ساعته. ولا هو صناعة "ترامبية" بحتة (تيمناً بالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب). بل هو، إلى حدّ ما، نتاج عملية تردّ سياسي تتفاعل منذ سنوات، وكل هذه العوامل أدت مجتمعةً إلى انتعاش الخطاب العنصري والتباعد. وكان من الطبيعي أن يقود ذلك إلى ارتفاع منسوب الاحتقان والرفض الذي وصل إلى حد إعلان التمرد المسبق على نتائج الانتخابات، في حال فشل ترامب.

وفاقمت الحملة الانتخابية تدهور الوضع بهذا الاتجاه. لكن الأخطر يتمثل في أن المؤسسة الأمنية الأقوى دخلت عملياً على خط الحملة الانتخابية لتربك الساحة الانتخابية وتخلط الأوراق. يتعلق الأمر بما كشفه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، جيمس كومي، عن وجود رسائل إلكترونية جديدة قد يكون لها علاقة بالمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون. لقد وجه كومي بذلك ضربة موجعة لحملة كلينتون الانتخابية. ضربة قد لا تكون قاتلة، لكنها أدخلت معركة هيلاري كلينتون في منطقة الخطر، قبل أن يفجر مكتب التحقيقات الفدرالي مفاجأة جديدة بنشره الثلاثاء تحقيقاً قديماً أجراه بشأن مرسوم عفو مثير للجدل أصدره الرئيس الأسبق بيل كلينتون في اليوم الأخير لولايته وشمل الملياردير مارك ريتش، الذي توفي في 2013 وكان ملاحقاً في قضايا تهرب ضريبي وتعاملات تجارية مشبوهة واستغلال النفوذ.

وجاءت الخطوة الجديدة من قبل "أف بي آي" بعدما طرحت شكوك بشأن أبعاد قرار كومي الكشف عن وجود رسائل إلكترونية جديدة قد يكون لها علاقة بهيلاري كلينتون، ذلك أن خطوته خرجت عن القاعدة السائدة، والتي تحظر الحديث عن ملف من هذا النوع إذا كان لا يزال تحت التحقيق خلال آخر شهرين من الحملة الانتخابية. والهدف من هذه القاعدة يتمثل في تجنب أن تترك خطوة كهذه تأثيرها على مجرى التنافس الانتخابي. 
وما يثير الجدل أكثر فأكثر، هو أن كومي أقدم على خطوته من دون موافقة رئيسته، وزيرة العدل الأميركية، لوريتا لينش، التي نصحت بعدم المضي في إعلانه. وبرر كومي تصرفه بقوله إنه يفي بوعده للكونغرس الأميركي بإطلاعه على أي جديد في موضوع المراسلات المتعلقة بكلينتون. لكن في غياب الدليل القاطع بحق هيلاري كلينتون، كان يتوجب عليه الانتظار للكشف عن مضمون المراسلات، لا سيما أنها استخرجت من حاسوب آخر لا يخص الوزيرة السابقة. وزاد من الارتياب أن كومي نفسه سبق أن نصح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعدم اتهام موسكو بالقرصنة على مواقع الديمقراطيين والحصول على معلومات جرى تزويد موقع "ويكيليكس" بها قبل الانتخابات "لئلا يبدو أوباما متحيزاً". حرْص كومي على حجب الدور الروسي المشتبه به قابله مسارعته إلى كشف موضوع قد يتسبب بالأذى لكلينتون، عزز تهمة التدخل في الانتخابات ضدها.

هكذا دخلت الانتخابات في نفق جديد. وتردد أن ترامب سيطلب السماح للناخبين الذين صوتوا قبل يوم الاقتراع – أكثر من 24 مليون ناخب – بإعادة التصويت بعدما تم الكشف عن قضية المراسلات الجديدة. وثمة ولايات تسمح بهذه الإعادة. ويشكل ذلك مدخلاً لنزاع من شأنه تعقيد العملية الانتخابية، إذ من المتوقع أن تعترض كلينتون على مثل هذه الخطوة، لأنها تتفوق على ترامب في نسبة التأييد التي تحصل عليها لدى الناخبين الذين صوتوا قبل موعد الانتخابات.

سواء كانت مقصودة أو عن طريق الخطأ، بدت خطوة كومي بمثابة تدخل انتخابي منحاز، ساهم باهتزاز المعادلة الانتخابية. وهو ما بدأ يظهر من خلال استطلاعات الرأي. 

ولا تكمن المشكلة فقط في تفرد كومي بالقرار بل أيضاً في المناخ السياسي، الذي تطغى عليه أجواء من التحايل على القوانين والفساد السياسي. 


المساهمون