الأميركيون يصوتون طوال الوقت، يصوتون من أجل انتخابات أعضاء مجلس النواب كل سنتين، وانتخاب مجلس الشيوخ كل ست سنوات، وهناك انتخابات البلديات والولايات. كما يصوتون في بعض المدن والولايات على مبادرات واستفتاءات قانونية تتعلق بمدينتهم أو ولايتهم، إضافة إلى انتخاب موظفين رفيعي المستوى لمناصب عليا، منها المدعون العامون وحتى القضاة. ويشير مراقبون إلى أن الانتخابات الرئاسية الحالية أرهقت الأميركيين وسببت لهم أرقا.
وهناك الانتخابات التمهيدية داخل كل حزب لاختيار مرشح في سباق الرئاسة، وطبعا تبقى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات.
يلاحظ هذا العام أن السباق الرئاسي استنزف الناخب الأميركي بمواضيع متعلقة بالمرشحَين وحياتهما أكثر من انشغاله ببرنامجهما الانتخابي. ويلاحظ مُشاهِد قنوات التلفزة الأميركية أن الموضوع الوحيد الذي يشغلها هو الانتخابات، أو بشكل أدق فضائح كل من هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الجمهوري. وأظهرت العديد من الدراسات أن الأميركيين يشعرون في هذه الانتخابات بإرهاق وتعب أكثر من العادة.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الانتخابات تنهك الناخبين الأميركيين، وتسبب لهم أرقا بسبب طابعها الشخصي. فالتصويت ليس على البرنامج الانتخابي وتفاصيله، كالضرائب والعمل والصحة والأمن وغيرها، بل أخذ طابعا شخصيا يتمحور حول هوية المجتمع الأميركي السياسية والاجتماعية وعلى من هو "أميركي"، إن صح التعبير.
وتفيد دراسة صادرة عن جمعية المختصين النفسيين الأميركية، بأن نحو خمسين في المائة من الأميركيين يعانون من عوارض الأرق والقلق فيما يخص انتخاباتهم الحالية. ويتجلى بعضها بأعراض جسدية، ومنها الشعور بالمغص والصداع عند سماع كلمات متعلقة بالانتخابات. وفي هذا السياق، يرى بعضهم أن الانتخابات الحالية تحمل "شخصنة" أكثر من أي انتخابات أميركية سابقة، إذ إن التصويت يتضمن مواقف شخصية من بينها من يمثل أميركا أو من هو أميركي؟ فدونالد ترامب شكّك خلال حملته بـ"أميركية" شرائح عديدة في المجتمع الأميركي من بينها اللاتينيون والمسلمون والمهاجرون وغيرهم.
ولا يهم من يكون الفريق الخاسر، فمن أدلى بصوته وخسر كأنه خسر هويته، وليس كما في انتخابات عادية، إذ الخسارة أو الربح هي لفكر أو أفكار وليست مشخصنة كما في الانتخابات الحالية.
الانتخابات الأميركية الحالية هي بمثابة صراع بين هويتين: هوية أميركا المحافظة التي تغلق حدودها أمام الآخر، أميركا البيضاء، يقابلها هوية أميركا ذات الأغلبية البيضاء والتي تقبل هويات أخرى كجزء من هويتها، على الأقل من الناحية النظرية.
وبدأت وسائل إعلام أميركية عديدة الحديث عن ضرورة المصالحة الداخلية وتوحيد الصفوف بعد انتهاء الانتخابات. ناخبو ترامب الذي لم يترك شخصاً أو فئة في الولايات المتحدة من الأميركيين من أصول أفريقية أو مكسيكية والمسلمين والنساء وغيرهم من دون أن يهينها أو يسخر منها ويشكك في "أميركيتها"، كما أن هؤلاء الملايين لن يختفوا أو يتبخروا حتى لو خسر. أما الشرخ والاستقطاب في المجتمع الأميركي فحادث منذ مدة، لكنه الآن يتسع ويفتح المجال أمام ارتفاع عدد الهجمات العنصرية ضد الأقليات المختلفة، الأمر الذي بدأ يحدث بالفعل.
الناخب الأميركي، على اليسار واليمين، غاضب من الطبقة السياسية الحاكمة والكونغرس والبيت الأبيض، وفشلهم جميعاً في العمل معاً من أجل مصلحة البلد. والناخب يجد أمامه طرقاً مسدودة أو ذات اتجاه واحد.
الأميركيون يقررون، اليوم الثلاثاء، أية هوية يرغبون فيها، لكن خياراتهم هي بين سيئ وأسوأ، وهذا ما تشير إليه استطلاعات الرأي الكثيرة. كثيرون يصوتون لهيلاري كلينتون لأنهم يصوتون ضد ترامب أكثر مما يصوتون لها لأنهم معها، والعكس صحيح.