بيوت بيروت التراثية تشكو تنكّر أصحابها

بيروت

الأناضول

avata
الأناضول
16 مايو 2015
E4F60820-FF97-4C78-B805-43C14D01A4E4
+ الخط -

"بيروت القديمة ستنتهي إن لم نتحرك، وستتحول إلى مجموعة صور وذكريات في الكتب وعلى طوابع البريد"، صرخة أطلقتها المهندسة منى الحلاق التي تعمل ومجموعة من المهندسين المعماريين والناشطين اللبنانيين للحفاظ على ما تبقى من المباني التراثية في بيروت.

ففي مكتبها الواقع في منطقة عين المريسة غربي العاصمة اللبنانية، تفتش منى في التاريخ. تجلس على شرفة في الطابق الثاني من منزلها الواقع في مبنى على طراز الأبنية اللبنانية القديمة، تتأمل أبراجاً ضخمة تظلل بيتها القديم وقصراً تراثياً بجانبه، يحمل عبق الماضي وعراقته، وهي على يقين أن الأحياء التراثية في المدينة باتت في خطر شديد في وقت ينهش فيه "وحش الباطون والأسمنت" المتمثل بناطحات السحاب والأبراج والمشاريع الاستثمارية ما تبقى من أحياء تراثية في بيروت.

تقول الحلاق: "منذ انتهاء الحرب الأهلية ونحن نتطلع إلى تراث المدينة المتبقي، وتم تحديد 4 مناطق تحيط بوسط المدينة يجب الحفاظ عليها، من الجميزة والأشرفية – سرسق مرورا بزقاق البلاط وصولا إلى الباشورة وعين المريسة، حيث تتواجد في هذه المناطق أكثر المباني التراثية التي تعود إلى أواخر العهد العثماني وإلى حقبة الثلاثينيات والأربعينيات" من القرن الماضي.

عام 1995 تم تحديد معظم المباني التراثية والقديمة في بيروت، حيث بلغ عددها 520 مبنى، "وهو عدد قليل جداً بالنسبة لعاصمة كبيروت"، فالتوسع العمراني و"هجمة" الأبراج العالية على هذه المباني تخطيا كل الخطوط الحمراء، حيث تم هدم أكثر من 100 مبنى حتى اليوم، ما يعتبر خسارة كبيرة للمدينة، بحسب الحلّاق.

بعض اللبنانيين اختار إحياء المباني التراثية في بيروت على طريقته، وبطريقة فعلية تحافظ عليها مكاناً نابضاً بالحياة. فليس بعيداً عن عين المريسة، يدير عمر نصر (مواليد العام 1960) فندقاً متواضعاً في منطقة "مونو – الأشرفية"، وهو عبارة عن مبنى تراثي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 200 عام. في الفندق، قناطر عالية وغرف صممت على الطريقة اللبنانية التقليدية. بهو واسع بطابع شرقي يشعر الزبائن بدفء وضيافة تختلف عن فخامة الفنادق الضخمة المنتشرة في كل مكان.

يقع الفندق في منطقة كان اللبنانيون يطلقون عليها مسمى "خط تماس"، وهو تعبير يعني خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، جبهة القتال الفاصلة بين المتحاربين في شرق بيروت حيث الغالبية المسيحية، وغربها حيث الغالبية المسلمة، بل وما زال بعض الكبار في السن يستخدمه إلى اليوم.

يروي نصر كيف جاء والده من منطقة جبل لبنان واستثمر هذا المكان. وبعد أن خفتت أصوات المدافع في بيروت عام 1990، كان الفندق في وضع يرثى له، وكان مهدداً بالانهيار والهدم، إلا أنه قام بترميمه بما تيسّر كونه مصدر الرزق الوحيد للعائلة. "لا مثيل لهذا المبنى في بيروت، لم يتبق سوى عدد قليل من هذه الأبنية"، يقول عمر نصر معرباً عن أسفه من "قيام بعض أصحاب المباني التراثية بهدمها وبناء أبراج من 43 طابقاً مكانها"، ومطالباً الدولة بالتحرك وإنقاذ "هوية بيروت الحقيقية".

ويتشارك كلٌ من نصر والحلّاق الهموم والمخاوف عينها: "بيروت القديمة مهددة بالزوال، ولا بد من وضع حد لهذه المجزرة قبل فوات الأوان". وفي هذا الإطار، تطالب الحلاق كل المعنيين والمسؤولين ووزارة الثقافة بالحفاظ على هذه الثروة، "والمسؤولية الأهم تقع على عاتق المجلس النيابي المطالب بإصدار قانون لحماية الأبنية، وإلا فإن المضاربات العقارية ستأكل كل المباني واحداً تلو الآخر، لأن عدم وجود قانون حوّل الأحياء هذه إلى جزر منفصلة، ودمر النسيج العمراني بشكل كبي".

وبين خوف عمر نصر من خسارة مصدر رزقه، وسعي المهندسة منى الحلّاق وبمساعدة ناشطين في المجتمع المدني، إلى إنقاذ ما تبقى من العاصمة القديمة، تختم الحلّاق حديثها برسالة وجهتها إلى الطامحين لهدم الأبنية التقليدية وبناء الأبراج بالقول: "كفى طمعاً وجشعاً، لأن ما تقومون به خطير، إنكم تعتدون على التراث لإشباع جيوبكم، فكروا بمستقبل أولادكم، وحافظوا على هذه المدينة قبل أن تدمّر عاصمة لبنان بالكامل".

اقرأ أيضاً:قصر الحمراء: تحفة في عنق الأندلس
دلالات

ذات صلة

الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
الصورة
لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)

مجتمع

تتكرّر حوادث التحرش والاغتصاب في لبنان، وبرزت معلومات حول توقيف مدير مدرسة وأستاذ رياضة وموظف أمن، بتهمة تحرش بقاصرات في إحدى المدارس في بلدة كفرشيما
الصورة

سياسة

أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، اليوم الأربعاء، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بـ"عملية هجومية" في جنوبيّ لبنان بأكمله.
الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.
المساهمون