عقب إصدار كُلّ فيلم جديد من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تُثار تساؤلات عن كيفيّة تغطية وسائل الإعلام لهمجيّة الصراع دون أن تصبح ألعوبة في أيدي البروباغندا التي يتّبعها التنظيم نفسه. لكن كيف يُمكن للمؤسسات الصحافيّة تغطية كل هذا الرعب، ومع ضمان عدم لعب دور مساعد في "بروباغاندا داعش" في الوقت نفسه؟
هذه الأسئلة كانت محور لقاءٍ عقدته قنوات "سي إن إن" و"الجزيرة" و"فرانس 24"، عُرّف عنه بأنّه لقاءٌ تبادليٌ إخباريٌ، ونوقشت فيه بعض التحديات التي يواجهها المحررون، ونقله موقع "جورناليزم" البريطاني في مقال لـ أبيجايل إيدج.
الفيديوهات الأكثر وحشية
تُصنّف الفيديوهات الترويجيّة التي أصدرها "داعش"، والتي تظهر قتلها الرهائن من بين أكثر الأفلام التي شاهدها العالم وحشيّة في السنوات الأخيرة. ويُعد تحديد كيفيّة ومكان وتوقيت استخدامها في الأخبار من أصعب القرارات التي تواجه المسؤولين الإعلاميين هذه الأيام.
وبحسب "جورناليزم"، ظهرت هذه المعضلة مجدداً بعد إصدار فيلم يظهر إعدام الرهينة
الأميركي، عامل الإغاثة الذي كان مختطفاً، بيتر كاسيغ. والذي كان قد قال إنّه اعتنق الإسلام وبدّل اسمه إلى عبد الرحمن كاسيغ.
ومع تطور الحرب في سورية، بات من الملاحظ كيفيّة تحوّل الإعلام إلى بؤرة للعنف والدعاية المضلّلة. وكان الصحافيان جايمس فولي وستيفن سوتلوف أول ضحيّتين من ضحايا الإعدامات المصورة التي أرسلت إلى المؤسسات الإخبارية هذه السنة، فيما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" الصحافيين من كونهم أصبحوا "أهدافاً مرغوبة" في المنطقة التي تنشط فيها "داعش".
وخلال مؤتمر التبادل الإخباري الذي عقد مؤخراً في براغ، أشارت الصحافية خازار فاطمي إلى الخطر الذي يتهدد المراسلين على الأرض. وكشفت فاطمي أنّها اختارت ألا تسافر بجوازها وبطاقة عملها خلال رحلتها الأخيرة إلى العراق وسورية. وأضافت: "لا أريد أن يتذكّرتي أحد بثوب الإعدام، راكعةً على رُكبتَيّ"، كما نقل الموقع.
كرامة الإنسان أم الواجب تجاه التقرير؟
وأشار توني مادوكس، نائب الرئيس التنفيذي والمدير العام لـ "سي إن إن إنترناشيونال"، إلى أنّ السياسة التحريرية في تغطية أحداث مثل هذه "عليها أن تتطور". فعندما قتل الصحافي الأميركي جايمس فولي على يد "داعش"، عرضت النشرة الفيديو بشكل مخفّف، بينما أعطى مذيع النشرة وصفاً دقيقاً للفيلم كاملاً. وعلى النقيض من ذلك، عندما أعلنت نفس المؤسسة خبر فيديو الإعدام الرابع الذي يُظهر إعدام آلان هينينغز، دون تقديم صور منه، بل تم وصف أحداث الفيديو، وعرضت الشاشة صوراً لهينينغز أثناء تأديته العمل الإغاثي التطوعي في سورية.
أخذ كرامة الضحية في الاعتبار كان "مهماً جداً جداً" كما قال مادوكس، لكن في بعض الأحيان هناك مبررات تحريريّة لعرض بعض الصور.
وأضاف، بحسب "جورناليزم": "في اليوم الأول لمقتل فولي، كان الجميع تحت تأثير الصدمة. لقد كان رهينة أميركيا، في وقت كان فيه موقف الولايات المتحدة من داعش وسورية مشوشاً ومضطرباً، الأمر الذي ساهم في الضغط لوضوح الرؤيا في سياسة الولايات المتحدة ودفع الجدل إلى الأمام". وبسبب هذا المضمون، كما قال مادوكس، لم يكن هناك "أدنى شك" أن الـ "سي إن إن" بحاجة لعرض صور من فيديو فولي.
وتابع: "أما الفيديو الثاني، الذي يُظهر عمليّة قتل الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، فقد أوضح تماماً بأن الجرائم أصبحت سلوكاً نمطياً. بينما كان للفيديو الثالث، لعمليّة قتل عامل الإغاثة البريطاني دايفيد هاينس، أهميةً بالغةً من ناحية أن الضحيّة بريطاني ونوقش الموضوع في البرلمان البريطاني".
وأضاف مادوكس أنّه ومع كل فيديو، كانت الـ "سي إن إن" تظهر صوراً أقل من الذي سبقه. وعندما صدر فيديو هينينغز قررت الشبكة ألا تعرض أي صور، لأنه كان من الواضح بأن "داعش" أرادت ذلك. وفي ذلك الوقت كان الغرض التحريري قد اكتمل وأوضحت أهدافه. لذا، كانت تغطية أخبار "داعش" بالنسبة لـ "سي إن إن" ولكثير من الجهات الإعلامية الأخرى حول العالم، عمليّة متطورة. فلا يوجد قالب جاهز لكل شيء.
أخذ الدافع في الحسبان
وبالنظر إلى حجم الجمهور في الشرق الأوسط، اعتبر موقع "جورناليزم" أنّ قناة "الجزيرة" هدف أساسي لـ "داعش"، والتي لا يقتصر دور أفلامها على الصدمة والخوف، بل هي أدوات
تجنيد أيضاً. وفي اللقاء، قال إبراهيم هلال مدير الأخبار في "الجزيرة": "بالنسبة لجمهورنا، نعي تماماً بأن دولة الإسلام في العراق والشرق تود لو أننا نسدي خدمة للتطرف أكثر من أي وسيلة أخرى. أي أنهم يتوقعون ويتمنون لو نعرض الفيديو كاملاً".
إنّ فيديوهات "داعش" هي أكثر أسلحة البروباغاندا التي شهدها العالم تعقيداً، مستخدمةً وسائل استمدّتها من أفلام "الأكشن" وألعاب الفيديو، بحسب ما قال هلال. وتحدث هلال عن فيديو فولي قائلاً: "جميع الموجودين في غرفة الأخبار لاحظوا أنّ "داعش" نشرت هذا الفيديو خصيصاً للإعلام وليس لاستخدامها هي".
وبعد أن أدركت "الجزيرة" الغرض من نشر فيديو فولي، قرّرت الامتناع عن عرض أي جزء منه، وأضاف هلال: "أراد هذا التنظيم أن يتباهى ويروّع ويُجنّد. ولن نسمح لهم بذلك لأنه تهديد للبشريّة".
وبحسب "جورناليزم"، كانت حملات "داعش" الإعلاميّة ناجحةً، فقد أظهر تصويت على قناة "NBC" وجريدة "وول ستريت" أن الأميركيين كانوا على علم بمقتل فولي أكثر من أي حدث آخر في السنوات الخمس الماضية.
اللغة المستخدمة
اختلاف تسمية التنظيم عند تغطية أخباره واضحةٌ في تقارير الوسائل الإعلامية المختلفة. فقناة "BBC" تُطلق على التنظيم اسم "الدولة الإسلامية"، أما قناة "الجزيرة" فتفضل استخدام الاختصار "ISIL" والذي يعني "دولة الإسلام في العراق والشرق".
وفي فرنسا، أقرّت سياسة الدولة استخدام الاسم المشتق من العربية "داعش" لإنكار شرعيّة استخدام كلمة "دولة". وقد دار في فرنسا العديد من النقاشات في غرف الأخبار حول الكلمات الواجب استخدامها عند الحديث عن الفيديوهات، كما قالت فرانسواز شامبي هاستون، وهي نائبة مدير القسم الإنكليزي في إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، ونقل عنها الموقع. وأضافت: "خضنا
العديد من النقاشات عن الكلمات الواجب استخدامها. هل نستخدم "قطع الرأس" أو "إعدام"؟ لأنّ كلمة "إعدام" أو execution بالفرنسيّة تعني شيئاً مختلفاً عمّا تعنيه في الإنكليزية"... وتابعت: "كلّ الأمر متعلق باللغة. اللغة مهمة أيضاً عندما نأخذ في الحسبان أحباء المتوفى، الذين من المُرجّح أن يجدوا كلمة "قطع الرأس" أكثر إيلاماً من "القتل".
وتصف "فرانس 24" أفلام بروباغاندا داعش بـ "أفلام التجنيد"، بحسب قولها. واختارت وسيلة الإعلام التي استخدمت أقل جزء ممكن من فيديو "داعش"، ألا تشير للتنظيم بعبارة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (ISIS) بل بالمصطلح الذي يستخدمه الرئيس الأميركي، باراك أوباما "الدولة الإسلامية في الشرق" (ISIL).
هذه الأسئلة كانت محور لقاءٍ عقدته قنوات "سي إن إن" و"الجزيرة" و"فرانس 24"، عُرّف عنه بأنّه لقاءٌ تبادليٌ إخباريٌ، ونوقشت فيه بعض التحديات التي يواجهها المحررون، ونقله موقع "جورناليزم" البريطاني في مقال لـ أبيجايل إيدج.
الفيديوهات الأكثر وحشية
تُصنّف الفيديوهات الترويجيّة التي أصدرها "داعش"، والتي تظهر قتلها الرهائن من بين أكثر الأفلام التي شاهدها العالم وحشيّة في السنوات الأخيرة. ويُعد تحديد كيفيّة ومكان وتوقيت استخدامها في الأخبار من أصعب القرارات التي تواجه المسؤولين الإعلاميين هذه الأيام.
وبحسب "جورناليزم"، ظهرت هذه المعضلة مجدداً بعد إصدار فيلم يظهر إعدام الرهينة
ومع تطور الحرب في سورية، بات من الملاحظ كيفيّة تحوّل الإعلام إلى بؤرة للعنف والدعاية المضلّلة. وكان الصحافيان جايمس فولي وستيفن سوتلوف أول ضحيّتين من ضحايا الإعدامات المصورة التي أرسلت إلى المؤسسات الإخبارية هذه السنة، فيما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" الصحافيين من كونهم أصبحوا "أهدافاً مرغوبة" في المنطقة التي تنشط فيها "داعش".
وخلال مؤتمر التبادل الإخباري الذي عقد مؤخراً في براغ، أشارت الصحافية خازار فاطمي إلى الخطر الذي يتهدد المراسلين على الأرض. وكشفت فاطمي أنّها اختارت ألا تسافر بجوازها وبطاقة عملها خلال رحلتها الأخيرة إلى العراق وسورية. وأضافت: "لا أريد أن يتذكّرتي أحد بثوب الإعدام، راكعةً على رُكبتَيّ"، كما نقل الموقع.
كرامة الإنسان أم الواجب تجاه التقرير؟
وأشار توني مادوكس، نائب الرئيس التنفيذي والمدير العام لـ "سي إن إن إنترناشيونال"، إلى أنّ السياسة التحريرية في تغطية أحداث مثل هذه "عليها أن تتطور". فعندما قتل الصحافي الأميركي جايمس فولي على يد "داعش"، عرضت النشرة الفيديو بشكل مخفّف، بينما أعطى مذيع النشرة وصفاً دقيقاً للفيلم كاملاً. وعلى النقيض من ذلك، عندما أعلنت نفس المؤسسة خبر فيديو الإعدام الرابع الذي يُظهر إعدام آلان هينينغز، دون تقديم صور منه، بل تم وصف أحداث الفيديو، وعرضت الشاشة صوراً لهينينغز أثناء تأديته العمل الإغاثي التطوعي في سورية.
أخذ كرامة الضحية في الاعتبار كان "مهماً جداً جداً" كما قال مادوكس، لكن في بعض الأحيان هناك مبررات تحريريّة لعرض بعض الصور.
وأضاف، بحسب "جورناليزم": "في اليوم الأول لمقتل فولي، كان الجميع تحت تأثير الصدمة. لقد كان رهينة أميركيا، في وقت كان فيه موقف الولايات المتحدة من داعش وسورية مشوشاً ومضطرباً، الأمر الذي ساهم في الضغط لوضوح الرؤيا في سياسة الولايات المتحدة ودفع الجدل إلى الأمام". وبسبب هذا المضمون، كما قال مادوكس، لم يكن هناك "أدنى شك" أن الـ "سي إن إن" بحاجة لعرض صور من فيديو فولي.
وتابع: "أما الفيديو الثاني، الذي يُظهر عمليّة قتل الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، فقد أوضح تماماً بأن الجرائم أصبحت سلوكاً نمطياً. بينما كان للفيديو الثالث، لعمليّة قتل عامل الإغاثة البريطاني دايفيد هاينس، أهميةً بالغةً من ناحية أن الضحيّة بريطاني ونوقش الموضوع في البرلمان البريطاني".
وأضاف مادوكس أنّه ومع كل فيديو، كانت الـ "سي إن إن" تظهر صوراً أقل من الذي سبقه. وعندما صدر فيديو هينينغز قررت الشبكة ألا تعرض أي صور، لأنه كان من الواضح بأن "داعش" أرادت ذلك. وفي ذلك الوقت كان الغرض التحريري قد اكتمل وأوضحت أهدافه. لذا، كانت تغطية أخبار "داعش" بالنسبة لـ "سي إن إن" ولكثير من الجهات الإعلامية الأخرى حول العالم، عمليّة متطورة. فلا يوجد قالب جاهز لكل شيء.
أخذ الدافع في الحسبان
وبالنظر إلى حجم الجمهور في الشرق الأوسط، اعتبر موقع "جورناليزم" أنّ قناة "الجزيرة" هدف أساسي لـ "داعش"، والتي لا يقتصر دور أفلامها على الصدمة والخوف، بل هي أدوات
إنّ فيديوهات "داعش" هي أكثر أسلحة البروباغاندا التي شهدها العالم تعقيداً، مستخدمةً وسائل استمدّتها من أفلام "الأكشن" وألعاب الفيديو، بحسب ما قال هلال. وتحدث هلال عن فيديو فولي قائلاً: "جميع الموجودين في غرفة الأخبار لاحظوا أنّ "داعش" نشرت هذا الفيديو خصيصاً للإعلام وليس لاستخدامها هي".
وبعد أن أدركت "الجزيرة" الغرض من نشر فيديو فولي، قرّرت الامتناع عن عرض أي جزء منه، وأضاف هلال: "أراد هذا التنظيم أن يتباهى ويروّع ويُجنّد. ولن نسمح لهم بذلك لأنه تهديد للبشريّة".
وبحسب "جورناليزم"، كانت حملات "داعش" الإعلاميّة ناجحةً، فقد أظهر تصويت على قناة "NBC" وجريدة "وول ستريت" أن الأميركيين كانوا على علم بمقتل فولي أكثر من أي حدث آخر في السنوات الخمس الماضية.
اللغة المستخدمة
اختلاف تسمية التنظيم عند تغطية أخباره واضحةٌ في تقارير الوسائل الإعلامية المختلفة. فقناة "BBC" تُطلق على التنظيم اسم "الدولة الإسلامية"، أما قناة "الجزيرة" فتفضل استخدام الاختصار "ISIL" والذي يعني "دولة الإسلام في العراق والشرق".
وفي فرنسا، أقرّت سياسة الدولة استخدام الاسم المشتق من العربية "داعش" لإنكار شرعيّة استخدام كلمة "دولة". وقد دار في فرنسا العديد من النقاشات في غرف الأخبار حول الكلمات الواجب استخدامها عند الحديث عن الفيديوهات، كما قالت فرانسواز شامبي هاستون، وهي نائبة مدير القسم الإنكليزي في إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، ونقل عنها الموقع. وأضافت: "خضنا
وتصف "فرانس 24" أفلام بروباغاندا داعش بـ "أفلام التجنيد"، بحسب قولها. واختارت وسيلة الإعلام التي استخدمت أقل جزء ممكن من فيديو "داعش"، ألا تشير للتنظيم بعبارة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (ISIS) بل بالمصطلح الذي يستخدمه الرئيس الأميركي، باراك أوباما "الدولة الإسلامية في الشرق" (ISIL).