بين الأيديولوجية الثورية والرؤية الديمقراطية

26 ابريل 2015
"مشهد داخلي"، منى حاطوم (2008)
+ الخط -

إنّ القضية الفلسطينية، من وجهة نظر ديمقراطية، هي قضية الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين المحتلة والمهجرين منها قسراً والمهاجرين منها طوعاً ويرغبون في العودة إلى ديارهم، لا قضية حصرية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو جماعات المقاومة الإسلامية، بصفتها جميعاً تنظيمات خاصة وفضاءات خاصة، متحاجزة ومغلقة إلى حد كبير، ولا قضية "لاجئين"، اندمج معظمهم في المجتمعات المضيفة واكتسب بعضهم جنسيات دولها، على الرغم من القيود السياسية المفروضة عليهم، في البلدان العربية، والاستثمار السياسي والأيديولوجي في محنتهم.

وإن لم تعد الآن "القضية المركزية للأمة العربية" وليست "القضية المركزية للثورة العربية" (وليست قضية إيرانية على وجه الخصوص)؛ فالأهم من هذا كله أنها ليست قضية "أرض مقدسة"، تتاجر بها، وتتعيش على قداستها، مادياً ومعنوياً، قوى فاشية وظلامية، قوموية وإسلاموية، محلية كانت هذه القوى أم إقليمية.

وقد عانى فلسطينيون ويعانون اليوم من هاتين الفاشية والظلامية إلى جانب ما يعانيه الشعب الفلسطيني من فاشية إسرائيل العنصرية، على مسمع ومرأى من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. (هل تصلح معاناة الفلسطينيين في المخيمات السورية وغيرها، ولا سيما مخيم اليرموك مثالاً على ذلك؟).

ويقصد بالرؤية الثورية الرؤية / الرؤى الأيديولوجية، الإسلامية والقومية والاشتراكية، التي تتبناها الفصائل "الثورية" و"الجهادية"، أو تتبنى خليطاً منها، والتي اكتسحت حقلي الثقافة والسياسة، منذ خمسينيات القرن الماضي.

وتستند هذه الرؤى إلى بنية معرفية وأخلاقية مشتركة، قوامها إنكار الحقائق الواقعية، التي من أهمها "المجتمع الفلسطيني" في وجوده العياني وأوضاعه الملموسة، وأشكال حياته الاجتماعية - الاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية، والنظر إلى "الشعب الفلسطيني" على أنه مادة لسلطة المنظمات وفصائلها المسلحة، وأداة لتحقيق غاياتها، مثلها في ذلك مثل حزب البعث والجماعات الإسلامية في سورية اليوم، على وجه الخصوص.

الأيديولوجية الثورية الفلسطينية وجه من وجوه الأيديولوجية العربية، التي قدم فيها كل من عبد الله العروي وياسين الحافظ والياس مرقص إسهامات مميزة، تعفينا من نقدها مجدداً، بحكم ثباتها وثوابتها "الوطنية" و"القومية" و"الاشتراكية"، التي تشبه ثوابت العقيدة، لدى الجماعات الإسلامية. فإن النظر إلى السياسة وممارستها على أنها أيديولوجيا، أو من منطلق أيديولوجي، هما أساس التسلط والاستبداد، وها نحن نكتوي بنارهما سوريين وفلسطينيين.

من هنا يُطرح السؤال عن علاقة السلطة الفلسطينية القائمة بالفعل بالشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، أي بالمزيج التاريخي المشار إليه، وعن العوامل الذاتية، الفلسطينية حصراً، التي حالت ولا تزال تحول دون تشكل فضاء فلسطيني عام ومشترك، هو شرط لازم لاستكمال مقومات الدولة وقيام دولة فلسطينية أو سلطة عامة سيدة ومستقلة، فليست العوامل الموضوعية وحدها ما يقرر مصائر الشعوب، بما فيها المداخلات والضغوط الخارجية، الإقليمية والدولية، و"المؤامرات الإمبريالية والصهيونية والرجعية".

ويُطرح السؤال قبل ذلك كله عن العلاقات الاجتماعية والإنسانية والقيم، التي شكلت التنظيمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ولا تزال هذه المنظمات والمؤسسات تعيد إنتاجها. فإن دراسة هذه التنظيمات والمؤسسات مدخل ضروري لتبيُّن العلاقة بين السلطة الفلسطينية القائمة وبين الشعب الفلسطيني.

من شأن هذا المدخل المؤسساتي وما يقتضيه من أدوات تحليل جديدة، كرأس المال الاجتماعي ورأس المال الثقافي والرمزي ورأس المال المادي .. ومنهجية عابرة للتخصصات، تستلهم منجزات الفكر الإنساني، من شأن هذا المدخل أن يساعد على إنشاء صورة الواقع الفلسطيني، كما هو، لتكون أساساً للخيارات الإستراتيجية والسياسات العملية.

(باحث سوري)