بيان وبنادق صدئة

20 ديسمبر 2017
تظاهرة في الجزائر من أجل القدس (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
ضاق بعضهم ذرعاً بالمسيرات في الشارع العربي، وبالزخم الشعبي الذي أعاد توجيه البوصلة باتجاه القضية ــ الرمز، وسالت أقلام محمومة تدس السم بالسم لتقتل ما تبقى في وجدان الشعوب العربية منها. يزعم تجار التطبيع أن العرب برسم واقع متغير لم يعد يملكون فيه قرار الحرب والسلم، والحقيقة أن العرب لم يكونوا، منذ عقود غابرة، يملكون قرارهم، لكن منسوب الكرامة كان هو الفارق بين المراحل. لم تكن القضية الفلسطينية بصدد النقاش ولم تكن موضوعاً قابلاً للجدل. كان التفكير في التطبيع جريمة، ولم يكن وجهة نظر أو حرية رأي ومعتقد، ويزعم المتخاذلون أن العرب لا يملكون أدوات الموقف في الوقت الحالي، وأن المسيرات لا تشد من أزر القضية ولا تقوي ساعد المقاومين، ولذلك يتعين علينا أن نؤجل كل شكل من أشكال المقاومة حتى نتملك ما تملكه أميركا وإسرائيل، وإلى ذلك يمكن أن نشرب قهوة من العدو وشاياً مع ربيبه.

علّمنا التاريخ غير ذلك وأقر بخلاف ما يزعم تجار التطبيع، أنه في نوفمبر 1954 لم يكن بين يدي ثوار الجزائر سوى بيان وبندقية صدئة، وبينهما حضر الإيمان بالحق والاعتقاد بالحرية. وأقر التاريخ، أن المسيرة كانت تشد من أزر المقاومين، وكان يشد من أزرهم فلس من شقيق أو صديق، وزغرودة أم على شهيد، وقصيدة شاعر، ومقال صحافي، وصورة مصور، وأغنية منشد، وشدت من أزرهم دعوة فقير، وبيان حزب وموقف دولة، ومسيرة طلاب وتضامن شعوب... كل شيء من هذا كان موقفاً ونضالاً وتضحية.

وتماماً كما في هذه الساعة المحمومة، وفي ذلك الزمن المظلم والنير الاستعماري المرير، كان تجار القضايا وباعة التاريخ أيضاً يدفعون الجزائريين باتجاه التطبيع مع قدرهم واقتسام الجغرافيا، ويسخرون من البيان والمسيرة ومن المقاوم المرابط تحت شجر البلوط ومن بندقية الثوار الصدئة. لكن المقاوم والبيان الثوري والبندقية الصدئة والمسيرة المتضامنة والزغرودة الصادقة والقصيدة المناضلة انتصرت على دبابة الأطلسي.. علّمنا التاريخ أن القضايا العادلة لا تموت، وأن الشعوب الحرة لا تُهزم، إنما تنتصر أو تموت، كذلك كانت وتبقى فلسطين.

المساهمون