حسب "معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة" الشهير بـ"آمريكان إنتربرايز" AEI؛ الدولة التي كانت تعرف سابقاً باسم سورية لم تعد قائمة. بينما في قسم الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، توقّفوا عن استخدام اسم "سورية" في تعريف المنطقة الجغرافية وراء هضبة الجولان المحتلة. السبب أنها لم تعد موجودة كدولة، واستعملوا وصفاً طريفاً يعبّر عن حالتها: البيضة التي تحولت إلى عجّة لا يمكنها أن تعود بيضة. حسب التوقعات، ستنفرط إلى مناطق متناحرة، تتقاتل إلى يوم الدين.
لا مفرّ من إيجاد اسم جامع مانع لهذه البلاد، ما سيحسم أي نزاع مستقبلي. فالمنتصرون إذا فرضوا تسمية، فلن تكون سواها. العالم يتعولم، ونظم الحكم تنتقل بالعدوى. النظام الوراثي الذي دشّنه الدكتاتور الراحل، كان مرشّحاً بقوة للانتقال إلى ليبيا القذافي ويمن علي عبد الله صالح. أضيف إليهم "داعش" بحكم الجيرة، فورّث الخليفة البغدادي الحكم لأبنائه، سيخص به أحدهم، وإذا حدث خلاف فالسيف بينهم، هذا بعدما تعاود "داعش" نشاطها.
ولا تَسَلْ عن عشرات المليشيات المذهبية والمتطرفة، طموحات كل منها تقتصر على إمارة متواضعة، مهما صغر حجمها، سيكون لها خليفة أو أمير، وأولياء عهد، وسيّافون. فالحرب آذنت على الانتهاء، أبطالها يستعدون لمرحلة السلام، بداياتها الحق في التوريث.
هل يستطيع الرؤساء والموعودون بالعروش الاتفاق على اسم أو أسماء لبلد يبحث هو الآخر عن أسماء لجمهورياته وملكياته وإماراته الفيدرالية، الاتفاق على اسم يوازي التعقيد الذي ترزح تحته الأزمة السورية؟ ربما نشأت حرب أخرى من جرّائها، لا تقل عن الأولى التي لم تختتم بعد.
لئلا يحصل خلاف، الاسم الأكثر تعبيراً "بلاد الشبيحة"، ولو أن النظام ارتأى "سورية المفيدة" للمناطق التي يسيطر عليها، بعدما وفرت المثال الصالح لبقائها على قيد الحياة، وصمدت رغم الظروف المعاكسة، ضد إرادة الشعب السوري و"المجتمع الدولي"، وهي دولة جمهورية وإن كانت وراثية، علمانية ولو كانت طائفية، ديمقراطية ولو كانت دكتاتورية... تجمع بين خصال النظم الجمهورية، ومحاسن الملكيات. وجاهة التشبيح فيها، الحق في النهب، فما زال هناك الكثير مما ينهب.
الحرب في فصولها الأخيرة، بعد "تحرير" الغوطة، حسب المندوب السوري المعروف بطلاقة لسانه، والذي وضع أمام مجلس الأمن اللمسات الأخيرة للقضاء على الأهالي من الرجال والنساء والأطفال المختبئين في ملاجئ الظلام، زاعماً أن بضعة آلاف من الإرهابيين يهدّدون ثمانية ملايين من المدنيين المسالمين. روسيا وإيران تظاهرتا بتصديقه، وهناك الذين لم يصدّقوه، ليس لأنه يكذب بكل وقاحة، وإنما لأن مصالحهم تسير في اتجاه آخر.
فالخلاف على الحصص والحدود ومساحات الدويلات والإمارات والكانتونات، والسبب معروف، جميعهم لصوص، مع أنه لا حقّ لأحد منهم في ذرة من تراب سورية، لكن في العالم شبيحة كبار، كل منهم بحجم دولة لها كرسي في الأمم المتحدة وربما مجلس الأمن، فلماذا لا "يتنطح" الشبيح الوغد رجل النظام للتشبيح بين الشبيحة الكبار؟