وسط العاصمة الأردنية، انهمك عاملان في أحد محال بيع الخضار، في نزع علامة بلد المنشأ المثبتة على حبات فاكهة المانجو الإسرائيلية، حتى يضمنا سهولة بيعها، إذ يرفض الزبائن شراءها عندما يرون عبارة (إنتاج إسرائيل)، "كما يرفضون شراء أي شيء آخر من المحل" كما روى العامل أحمد.
"مرات كان بصير مشكلة بينا وبين الزبائن لأنه بنبيع بضاعة إسرائيلية"، يقول أحمد، والذي رفض التعريف عن اسمه الحقيقي، بسبب شعوره بالحرج من بيع منتجات الاحتلال، غير أنه تذرع بأنه وزميله ينفذان تعليمات صاحب المحل الذي حضر خلال الحديث موبخاً العمال على إفشاء سره، ومقدماً رداً عصبياً موجزاً على سؤال معد التحقيق، عن أسباب بيعه منتجات "إسرائيل"، قائلاً لـ"العربي الجديد": "ما بدكم نبيع إسرائيلي قولوا للحكومة ما تستورده، أشتري المانجو الإسرائيلية من سوق الخضار المركزي".
غير بعيد عن المحل حيث نزع العاملان علامة بلد المنشأ عن المنتجات الإسرائيلية، يعلق إبراهيم عبد الجواد، صاحب محل آخر لبيع الخضار يافطة كتب عليها "لا توجد لدينا منتجات إسرائيلية"، يقول عبد الجواد "بيع الخضار والفواكه الإسرائيلية جريمة، هذه المنتجات تزرع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأسعارها تذهب لدعم الاحتلال"، معتبراً أن وضعه اليافطة شكل من أشكال المقاومة.
يبيّن عبد الجواد أن بعض البائعين يخدعون المشترين بنزع علامة المنشأ المثبتة على المنتجات الصهيونية، غير أنه لفت إلى أن "الناس تسأل عن المانجا والأفوكادو إن كانت إسرائيلية أم لا، لكنهم لا ينتبهون للبصل والبطاطا والجزر إسرائيلي المنشأ أيضاً"، ويبيّن أن "المنتجات التي تأتي بأكياس وصناديق كبيرة لا يتم الانتباه لها بعد تفريغها على بسطات في المحلات؛ لأن بلد المنشأ مكتوب على الصناديق والأكياس، الناس ينتبهون للمانجا والأفوكادو فقط لأن كل حبة يكون عليها لاصق من بلد المنشأ.. وتسهل إزالته".
تثبيت بلد المنشأ ومعضلة الرقابة
يعتبر ناشطون ضمن حركات مقاطعة البضائع الإسرائيلية والمنظمات المعنية بوقف التطبيع مع إسرائيل، أن تثبيت بلد المنشأ على المنتجات الزراعية يعد أحد الانتصارات التي حققتها تلك المنظمات خلال سنوات نشاطها، كما يؤكد رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية مناف مجلي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "أدت المطالبات المستمرة للجنة إلى إجبار الجهات الرسمية على تثبيت بلد المنشأ على المنتجات المستوردة"، وفي وقت يؤكد أن طموح اللجنة كان حظر الاستيراد من إسرائيل إلا أن تثبيت بلد المنشأ شكل انتصاراً مهماً بحيث يمكن المواطنين من معرفة مصدر المنتجات المعروضة في الأسواق.
وبالنسبة لمجلي فإن إصراره هو وغيره من النشطاء على تثبيت بلد المنشأ على المنتجات المتسوردة، ساهم في إحجام الأردنيين عن شراء المنتجات الإسرائيلية، يقول الناشط الأردني "ليس من السهل أن يقرأ المواطن عبارة (من إنتاج إسرائيل) ويقوم بشراء البضاعة.. ما زال الأردنيون ينظرون إلى إسرائيل كعدو، في قرارة أنفسهم".
وينص قرار وزير الاقتصاد والمالية الصادر عام 2011، بشأن قواعد إثبات منشأ البضائع المستوردة، على أنه "يجب أن يُثبت على البضائع اسم بلد المنشأ الذي أنتج أو صنع"، ويحدد القرار طريقة "تثبيت بلد المنشأ بما يتناسب وطبيعة المادة المستوردة إما بالحفر أو عبر ملصقات غير قابلة للنزع أو بطريقة الحياكة أو الكتابة على البضائع أو أغلفتها أو العبوة من الخارج".
وبحسب القرار ذاته فإنه "تُعتبر البضائع التي يدخل في صنعها أو تجهيزها مكون أو جزء من منتجات إسرائيلية، أياً كانت نسبته، إسرائيلية المنشأ".
وفي وقت يعبر مجلي عن رضاه لحجم الاستجابة الشعبية لحملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، يعتقد أن الجهات الرقابية مقصرة في ما يتعلق بالرقابة على التجار الذين يقدمون على إزالة علامة بلد المنشأ المثبتة على البضائع الإسرائيلية.
التطبيع الاقتصادي
منذ توقيع معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية عام 1994، برزت المحاصيل الزراعية، خاصة الخضروات والفواكه المستوردة من إسرائيل كأحد أشكال التطبيع الاقتصادي الذي يسهل على المواطن الأردني تلمسه بشكل مباشر. وفي أعقاب معاهدة السلام لم يعد هناك ما يحرم المعاملات التجارية بين التجار الأردنيين والإسرائيليين، كما توضح وزارة الزراعة الأردنية، والتي تؤكد أن دورها يتمثل باتخاذ قرار فتح باب الاستيراد للمنتجات الزراعية بناءً على دراسة تحدد حاجة السوق من المنتجات.
يقول الناطق باسم الوزارة نمر حدادين لـ"العربي الجديد": "بعد أن تقرر الوزارة فتح باب الاستيراد يقوم التجار باستيراد المنتجات من أي مكان يرغبون فيه من دون توجيه من قبل الوزارة"، ويتابع "دورنا هو التأكد من مطابقة المنتجات التي يتم استيرادها للمواصفات الأردنية وخلوها من الأمراض والآفات الزراعية".
بحسب حدادين، فإن تثبيت بلد المنشأ على الخضروات والفواكه جاء حماية للمواطن الأردني وانتصاراً لحقه في الاختيار، ويشير إلى أن رقابة وزارة الزراعة على المنتجات المستوردة صارمة في ما يتعلق بتثبيت بلد المنشأ عليها وطبقاً للمواصفات الواردة في القانون.
لكن حدادين يقر باستحالة الرقابة على تجار التجزئة، ويقول "جميع البضائع التي تدخل المملكة وحتى خروجها من الأسواق مثبت عليها بلد المنشأ، وكل ذلك تحت رقابة الوزارة، لكن أن يقوم بعض تجار التجزئة بإزالة بلد المنشأ عن البضائع وتحديداً البضائع الإسرائيلية (..) يرجع إلى استحالة الرقابة على آلاف التجار الموزعين على مختلف أسواق المملكة وبعضهم يقوم ببيع بضاعته بواسطة سيارات تتجول في الأحياء".
الكمية المستوردة خلال خمس سنوات
وفقا للإحصاءات الرسمية الموثقة والصادرة عن وزارة الزراعة الأردنية، فإن حجم الخضار والفواكه المستوردة من إسرائيل عام 2015 بلغ (5578) طناً، تنوعت بين البصل والبطاطا والجزر والتفاح والليمون، وهو ما يزيد عن الكمية المستوردة عام 2014 والتي بلغت ما مجموعه (4754) طناً، توزعت بين البطاطا والجزر والأفوكادو والكاكا، وتوثق إحصاءات عام 2013 استيراد الأردن (5957.6) طناً من الخضار والفواكه من إسرائيل؛ توزعت بين البطاطا والجزر والفلفل والأفوكادو والتفاح والكاكا والكيوي والمانجا، وفي عام 2012 بلغت المستوردات (5794.9) طناً، توزعت بين البطاطا والتفاح والليمون والمانجا والكاكا والكيوي والخوخ، وسجل عام 2011 أقل كمية استيراد خلال السنوات الخمس الأخيرة، بواقع (1744) طناً، توزعت بين البطاطا والأفوكادو والمانجا والتفاح والكاكا.
منافسة المنتج المحلي
يشير رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام إلى أن غالبية الأصناف المستوردة من إسرائيل لا يوجد منها إنتاج محلي، ويعدد من تلك الأصناف المانجا والأفوكادو والكيوي، مشيراً إلى أن استثمارات زراعية أردنية بدأت لزراعة تلك الأصناف. قائلاً لـ"العربي الجديد": "المناخ في وادي الأردن مشابه تماماً لمناخ المناطق التي تزرع فيها إسرائيل تلك المنتجات في الأراضي المحتلة". وبحسبه فقد أقيمت مزارع في غور الأردن قبل سنتين لإنتاج المانجا والأفوكادو بكميات تجارية، متوقعاً أن يدخل الإنتاج المحلي إلى الأسواق خلال أقل من ثلاث سنوات.
غير أن عدنان الخدام يستغرب فتح الباب لاستيراد البطاطا والجزر سواءً من إسرائيل أو غيرها، مؤكداً أن الإنتاج المحلي من تلك الأصناف يغطي حاجة السوق الأردني. ووفقاً لإحصاءات وزارة الزراعة تقدر حاجة الأردن اليومية من مادة البطاطا بين 400 - 500 طن يومياً، فيما تبلغ الحاجة اليومية من الجزر 60 طناً يومياً، وهي الكميات التي يفوقها الإنتاج المحلي حسب الخدام.
بالمقابل فإن رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية مناف مجلي دعا إلى استيراد المنتجات التي لا يتوفر منها إنتاج محلي من دول أخرى تتوفر فيها تلك المنتجات، على غرار مصر وإسبانيا ودول أخرى أفريقية، قائلاً: "من أجل ذلك تتواصل اللجنة بشكل دوري مع التجار المشهورين باستيراد منتجات إسرائيل لدفعهم للاستيراد من دول أخرى، لكن لا ننجح دائماً في إقناعهم".
حركات المقاطعة
منذ توقيع معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، انطلقت عشرات الحملات المنظمة والشعبية الداعية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وإضافة إلى لجنة مقاومة التطبيع النقابية، انطلقت حملات على غرار تجمع "اتحرك" المنبثق عن حزب الوحدة الشعبية، الناشط في مجابهة التطبيع، وحملة "إستحي" لمناهضة الصهيونية والعنصرية، إذ يقوم الناشطون فيها بفضح التجار المتعاملين مع إسرائيل، إضافة إلى لجنة مقاومة التطبيع التابعة لحزب جبهة العمل الإسلامي؛ الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، كما تنشط حركة (BDS) العالمية الداعية لمقاطعة إسرائيل.
وتنشط تلك الحملات إضافة إلى حملات التوعية التي تقوم بها في صفوف المواطنين، عبر تكوين جماعات تضغط على الحكومة لوقف التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، وتنفذ تلك الحملات زيارات دورية إلى سوق الخضار المركزي لثني التجار عن استيراد الخضار والفواكه الإسرائيلية، كما قاموا بإحراق البضائع الإسرائيلية في ساحات السوق، لكن كل تلك الفعاليات تبقى عاجزة عن الوصول إلى قرار بحظر التجارة مع إسرائيل، والتي تشجعها اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية.