بشار الكيماوي يقتل السوريين في إدلب

05 ابريل 2017
معظم ضحايا المجزرة من الأطفال (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
نقل النظام السوري، فجر الثلاثاء، مجازره الكيماوية إلى ريف إدلب هذه المرة، حيث قتل وجرح المئات، والذين صدمت صورهم العالم من دون أن تثير ما يكفي لوقف المذبحة السورية المتواصلة على يد الأنظمة السورية والروسية والإيرانية منذ ست سنوات. وبعد أقلّ من أربع سنوات على مجزرة الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق، في أغسطس/آب 2013، كرّر النظام السوري هجماته الكيماوية، مستهدفاً هذه المرة خان شيخون، في إدلب، شمالي سورية. وفي حين سارعت موسكو إلى تبرئة نفسها من الجريمة، فإن مصدراً أمنياً سورياً حكومياً اعتبر أن اتهام دمشق باستخدام غازات سامة في قصف إدلب "محض افتراء"، بينما راحت مواقع إعلامية تابعة للنظام تروّج لروايتها بأن فصائل مسلحة كانت تعدّ سلاحاً نووياً تم استهدافها بالغارات، فتسببت بالمجزرة. وأكثر ما كان لافتاً، هو الموقف الأميركي الذي عبر عنه المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر بقوله، تعليقاً على المجزرة، إن "تغيير النظام" في سورية "ليس خياراً أساسياً، قبل أن يستدرك من خلال التنديد بالهجوم "غير المقبول".

وكان غاز "السارين"، هو السلاح الفتّاك الذي استخدمته طائرة سوخوي تابعة للنظام فجر الثلاثاء، بحسب المعارضة، إذ ألقت أربعة صواريخ، مودية بحياة أكثر من 100 شخص وإصابة 500 آخرين على الأقلّ حتى مساء أمس. ويمكن توقع أن تكون النتيجة الأولى للمجزرة الجديدة، توقف اجتماعات أستانة وجنيف، بحسب تلميحات قيادة المعارضة السورية وفريق الحكم في تركيا. وإذا كان النظام قد ادعى أنه سلّم ترسانته الكيماوية، بعد جريمة الغوطة عام 2013، بفعل ضغط أممي، وبتسوية أميركية ــ روسية، إلا أنه اليوم بات في وضع مختلف، بعد إعلان واشنطن أن "رحيل بشار الأسد لم يعد أولوية"، وفي ظلّ استفادته من الدعم الروسي المستمر. مع ذلك، أعلنت المعارضة أن محادثات جنيف باتت في مهبّ الريح، بينما دعت وبريطانيا لعقد اجتماعٍ لمجلس الأمن الدولي، وهو ما سيحصل يوم الأربعاء. أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فاتصل بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، محذّراً من أن "الهجوم يهدّد المحادثات السورية في أستانة". وردود الفعل العالمية وصلت إلى مفوضة الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني التي دانت مباشرة بشار الأسد بالجريمة، ولندن وباريس وأنقرة، 


وقُتل وأُصيب مئات المدنيين جلّهم من الأطفال والنساء، من جراء تعرّضهم لقصف من طائرة تابعة لقوات النظام بقذائف تحوي غازاً ساماً، حسبما أفاد الناشط الاعلامي جابر أبو محمد لـ"العربي الجديد". وبيّن أن "مصادر الدفاع المدني في المنطقة تقول إن عدد القتلى بلغ مائة مدني على الأقلّ، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى سقوط عدد من عناصر الدفاع المدني أثناء قيامهم بواجبهم. وتقوم فرق الدفاع المدني والفرق الطبية بمحاولة تقديم العلاج للمصابين بحالات اختناق شديدة، بالتزامن مع تواصل أعمال البحث والإنقاذ، إذ كان من الصعب خلال الساعات الأولى تحديد الحصيلة النهائية للمجزرة بسبب توزع الضحايا على العديد من النقاط الطبية ومنهم من نقل إلى تركيا".

وأضاف أبو محمّد أن "طائرة من نوع سوخوي شنّت أربع غارات، وألقت أربعة صواريخ على مناطق متفرقة في المدينة"، لافتاً إلى أن "الصواريخ تحوي غازاً ساماً يُعتقد أنه غاز السارين". وأوضحت مصادر في المعارضة أنّ "التطابق في زمن القصف في الغوطة 2013 وخان شيحون أمس، هو موعد شروق الشمس، بما يؤكد أن الغاز نفسه هو المستخدم في كلا المكانين، إذ تكون الرياح ساكنة مع بداية شروق الشمس في الجو المعتدل أو الحار قليلاً، ما يمنع تحرك الغاز إلى أماكن أخرى وانحساره في المنطقة المستهدفة". وأكّدت أنّ "الغاز الذي تم استخدامه في الغوطة كان غاز السارين وهو غاز لا لون له ولا رائحة، وهو عبارة عن غاز مخدّر للأعصاب والعضلات، إذ تتشنج رئتا المصاب ما يؤدي إلى اختناقه، ومع طول المدة يموت المصاب في حال كان جسمه ضعيفاً".

ولفت وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة الطبيب محمد فراس الجندي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحالات التي شهدها خلال إسعاف المصابين في خان شيخون، تعرضت إلى غاز أعصاب تسبب بتضيّق شديد في الحدقة، إضافة إلى حالة خروج الزبد وضيق في التنفس، وحالات صدمة عصبية شديدة". وبيّنت مصادر مطّلعة بأن "المصاب يمكن أن يتعرض إلى موت مؤقت أو توقّف قلب مؤقت نتيجة التخدير الذي يسببه الغاز، وعن طريق استخدام مضادات الغاز والصعق بالكهرباء، واستخدام موسّعات الحدقة، يمكن أن يتم إنقاذ المصاب"، مشيرة إلى "عدم وجوب دفن المصاب مباشرة وانتظار ساعات عدة، وهو ما حصل مع المسعفين في الغوطة". وأضافت أنه "يجب نزع ثياب المصاب مباشرة وحرقها، ويمكن استخدام المياه الغازية في حال وجودها للتقليل من حدة المادة المخدرة، إضافة لإخلاء المنطقة المصابة وعدم الاقتراب منها".


وحذّرت المصادر من "شرب المياه في المنطقة التي تعرضت للقصف لأن السارين يختلط بالماء بسهولة، والإصابة لا تأتي فقط عن طريق الاستنشاق إنما يكفي مجرد اللمس، كما حذرت من تناول الخضروات المزروعة في المنطقة المستهدفة".

وذكرت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" أن "بعض الإصابات تم تحويلها إلى مستشفيات في تركيا عبر معبر باب الهوى، وعانت من التأخير في السماح لها بالدخول إلى الأراضي التركية، ما تسبب بوفاة عدد منهم"، موضحة أن "التأخير بالنسبة لسيارات الإسعاف يعود لدخول وفد طبي من منظمة (أفاد) للوقوف على الإصابات وتوثيقها وإدخال الحالات التي تحتاج العلاج". مع العلم أن تركيا أغلقت المعبر "لأسباب أمنية"، مشيرة على لسان أحد المسؤولين إلى أنها "ستعيد فتحه في أقرب وقت".

وقد أعلن الجيش الروسي أنه "لم يشنّ أي غارة جوية في خان شيخون، بدورها نقلت وكالة "رويترز" اليوم، عن مصدر قالت إنه "مسؤول في قوات النظام"، قال إن "الجيش ليس لديه أي نوع من أنواع الأسلحة الكيماوية، ولا يستخدمها ولم يستخدمها لا سابقاً ولا لاحقاً".

وفي أول ردّ فعل سياسي، اعتبر كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى محادثات جنيف محمد صبرا، أن "القصف بالغازات السامة يضع محادثات جنيف الهادفة لتسوية النزاع في مهب الريح". وأضاف لوكالة "فرانس برس" أن "الجريمة تضع كل العملية السياسية في جنيف في مهب الريح، وتجعلنا نعيد النظر بجدوى المفاوضات". وسأل "إذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن ردع النظام عن مثل هذه الجرائم، فكيف ستنجز عملية سياسية تؤدي لانتقال سياسي في سورية؟".

واعتبر صبرا أن "الهجوم يفرض بحث جدوى الاشتراك في عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة في ظلّ عجز الأخيرة عن حماية قراراتها الرادعة، ولا سيما في مجال استخدام السلاح الكيماوي". وأوضح أن "القرار 2118 الذي يعتبر أحد مرتكزات العملية السياسية نصّ في فقرته الـ21 على اتخاذ إجراءات بناء على الفصل السابع في حال تم استخدام أو تصنيع أو نقل السلاح الكيماوي في سورية". وأجبر القرار الدولي 2118 الصادر في سبتمبر/أيلول 2013 سورية على تفكيك كامل ترسانتها الكيماوية بإشراف بعثة مشتركة من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وكانت منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية، قد أعلنت أنها "قلقة جداً" بعد الهجوم أمس، مؤكدة أنها "تجمع وتحلل معلومات من كل المصادر المتوافرة".

من جانبه، أصدر "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، بياناً جاء فيه: "يكرر النظام استخدام الغازات الكيماوية والسامة والمحرمة، وارتكاب جرائم الحرب وقصف المناطق المدنية، في خرق لميثاق جنيف، ولقرارات مجلس الأمن 2118، و2209، و2235، و2254، في إجرام ما كان النظام ليتجرأ على فعله ومن ثم تكراره لولا المواقف الدولية الهزيلة التي لا تعبأ بحياة المدنيين".



ودعا الائتلاف إلى "تفعيل المادة 21 من قرار مجلس الأمن 2118، التي تنصّ على أنه في حال عدم امتثال النظام للقرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيماوية أو استخدامها، فإنه يتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وطالب "مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة على خلفية الجريمة، وفتح تحقيق فوري، واتخاذ ما يلزم من تدابير تضمن محاسبة المسؤولين والمنفذين والداعمين المتورطين فيها وفق الفصل السابع"، مؤكداً أن "الفشل في القيام بذلك، سيفهم كرسالة مباركة للنظام على أفعاله، وبالتالي بمثابة صمت دولي وربما تورط في المسؤولية عن تلك الجرائم".

بدورها، حمّلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، النظام السوري "المسؤولية الرئيسية" في الهجوم، مضيفة في مقابلة مع منظمات إعلامية في بروكسل على هامش مؤتمر داعم لمستقبل سورية ودول المنطقة، أن "الأنباء رهيبة، والمسؤولية الرئيسية تقع على عاتق النظام". واعتبرت أن "هذا الأمر يشكّل تذكيراً دراماتيكياً بأن الوضع على الأرض لا يزال مأساوياً في مناطق عدة من سورية".

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتصل بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، مندداً بالهجوم، واعتبره "غير إنساني"، محذّراً من أنه "يمكن أن يهدد محادثات أستانة للسلام في سورية". أما وزارة الخارجية التركية، فوصفت المجزرة بأنها "جريمة ضد الإنسانية". وذكرت مصادر رئاسية تركية أن "أردوغان قال إن هذه الهجمات غير الإنسانية غير مقبولة، محذراً من أنها قد تنسف كل الجهود الجارية ضمن إطار عملية أستانة"، لكن المصادر نفسها لم تشر إلى مسؤولية أي طرف في الهجوم، واصفة إياه بأنه "هجوم بأسلحة كيمياوية موجه ضد المدنيين". وأضافت أن "أردوغان وبوتين اتفقا أيضاً على أنه من الضروري القيام بجهود مشتركة من أجل استمرار وقف إطلاق النار". كما ندّد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بالهجوم، ووصفه بأنه "جريمة ضد الإنسانية".


أما فرنسا فطلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد الهجوم، حسبما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك إيرولت، مضيفاً أن "المعلومات الأولى تشير إلى عدد كبير من القتلى بينهم أطفال في محافظة إدلب". وأوضح أنه "طلب الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي"، مشيراً إلى أن "استخدام أسلحة كيمياوية يشكل انتهاكاً غير مقبول لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية ودليلاً جديداً على الهمجية التي يتعرض لها الشعب السوري منذ سنوات طويلة". كذلك، دعا وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إلى محاسبة مرتكبي الهجوم الكيميائي في سورية معتبراً أنه يحمل "كل سمات هجوم نفذه النظام". أما منظمة حظر الأسلحة الكيماوية فأعربت عن "قلقها الكبير" من التقارير عن "الهجوم الكيماوي". أما المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، فاكتفى بالتشديد على أن الأمم المتحدة "تريد تحديداً واضحاً" للمسؤولين عن الهجوم الكيماوي، وجزم بأن "الهجوم وقع من الجو".

وكان الطيران التابع للنظام السوري استهدف، مساء أمس الأول، بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي ببرميل يحوي غازات سامة، ما أدّى إلى إصابة نحو 20 مدنياً بحالات اختناق. وواصل الطيران الحربي استهدافه مناطق متعددة في إدلب، منها غارتان جويتان بالصواريخ الفراغية استهدفتا أطراف بلدة منطف وبلدة كدورة وقرية شنان وجسر الشغور. وفي إدلب أيضاً، أفاد الدفاع المدني بأن الطيران الحربي الروسي شن غارة على بلدة كفتين أصيب على إثرها امرأة وثلاثة أطفال، بينهم طفل بحالة خطرة انتشلته فرق الدفاع من تحت الأنقاض.

في حماة تحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" عن مقتل ثلاثة مدنيين من عائلة واحدة بقصف جوي من الطيران الروسي على مدينة كفرنبودة في ريف حماة الشمالي الغربي. كما أُصيب أكثر من عشرة مدنيين آخرين بحالات اختناق أيضاً جرّاء استهداف مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي ببرميل يحوي غازاً ساماً. 

إلى ذلك، قال الناشط حازم الشامي لـ"العربي الجديد"، إن "أربعة مدنيين بينهم طفلان قضوا جراء غارات جوية وقصف مدفعي من قوات النظام السوري على مدن وبلدات دوما وعربين وحمورية وسقبا وكفربطنا في غوطة دمشق الشرقية". وأسفر القصف أيضاً عن وقوع عشرات الجرحى من المدنيين بينهم نساء وأطفال، فضلاً عن وقوع أضرار مادية في الممتلكات. وفي سياق متصل، أفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بمقتل مدنيين اثنين وإصابة آخرين نتيجة قصف مدفعي من قوات النظام على الطريق الواصل بين بلدتي زمرين وسملين في ريف درعا الغربي.

في الرقة، أفادت "حملة الرقة تذبح بصمت"، عبر تغريدة لها على موقع "تويتر"، بأن "نحو 20 شخصاً قضوا وسقط العديد من الجرحى جراء تفجير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيارة مفخخة في قرية جزرة البوحميد شرقي مدينة الرقة". وتواصلت الاشتباكات بين "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي، على جبهة الطبقة الغربية وجنوب مطار الطبقة العسكري، ما تسبب في سقوط قتلى من الجانبين.

المساهمون