بريطانيا والاتحاد الأوروبي... صدام وشيك مع استبعاد استفتاء ثانٍ

28 يونيو 2016
يعمل الأميركيون على ضبط تذبذب الأسواق (جون ثيس/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال تعقيدات المشهد البريطاني ـ الأوروبي مسيطرة على العالم، مع بدء الولايات المتحدة عملها على خط الوساطة بين الطرفين، لناحية "إدارة الانفصال". في هذا السياق، بدأ وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، زيارة إلى بروكسل ولندن، أمس الإثنين، في مهمة لـ"تقليل التعطيل"، بعد أن لاحت، منذ يوم الجمعة، بوادر "طلاق غير ودي" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بسبب "استعجال" الاتحاد للمباشرة في إجراءات الانفصال، في ظلّ برودة بريطانية تخفي تحتها ارتباكاً وتخبّطاً سياسياً داخلياً، على الرغم من حسم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مسألة "إجراء استفتاء ثانٍ"، باستبعاده ذلك. 

وفي محاولة لتطويق الأزمة بين لندن والأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، حثّ كيري، بريطانيا والاتحاد الأوروبي، على "إدارة انفصالهما بمسؤولية من أجل الأسواق والمواطنين في أنحاء العالم". وأكد كيري "أهمية التعاون العقلاني، في زمن الغموض الاقتصادي والمخاوف بشأن تداعي الوحدة الأوروبية".

وتتزامن زيارة كيري الأوروبية مع تحركات دبلوماسية مكثفة في برلين وبروكسل، لتسريع آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال تحت وقع الصدمة بعد قرار البريطانيين الخروج منه في استفتاء 23 يونيو/حزيران الحالي. وقد عُقد اجتماع، أمس الإثنين، بين المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتزي، على أن يلتقي رؤساء الدول والحكومات الـ27 في قمة استثنائية في بروكسل، اليوم الثلاثاء وغد الأربعاء، "لبحث تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد، وآلية الخروج في أسرع وقت". أمر أكده وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، يوم السبت، في برلين، محاطاً بنظرائه في البلدان المؤسسة للاتحاد الأوروبي (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا): "نقول هنا، معاً، إن هذه العملية يجب أن تبدأ في أسرع وقت". أما البرلمان الأوروبي الذي يعقد، اليوم الثلاثاء، جلسة استثنائية، فيطالب بدوره رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تبليغ الاتحاد الأوروبي بقرار بريطانيا الخروج منه وفق المادة 50 من اتفاق لشبونة.

في المقابل، لا تبدو بريطانيا مستعجلة بالمباشرة في إجراءات الخروج من الاتحاد، وسط ارتباك في المشهد السياسي الداخلي. وقد اختصرت صحيفة "صنداي تايمز"المشهد السياسي تحت عنوان "ماذا الآن؟". وذلك في ترجمة لأجواء التوتر الذي تعيشه بريطانيا، منذ الاستفتاء، الذي زاد الانقسامات السياسية وتلك المتعلقة بالهوية وعزز الطموحات الانفصالية للقوميين الاسكتلنديين، بعد حديث رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، لشبكة "بي بي سي"، حيث قالت: "إن المملكة المتحدة التي صوّتت اسكتلندا من أجل البقاء فيها في العام 2014، لم تعد موجودة". وتأمل ستورجن في تنظيم استفتاء جديد عن استقلال بلادها.





أما زعيم حزب "العمال" المعارض، جيريمي كوربين، فمُتهم بأنه لم يبذل ما يكفي من الجهود من أجل الدفاع عن الاتحاد الأوروبي في حملة الاستفتاء. ويواجه موجة استقالات جماعية في حكومة الظل، وقيادات الصف الثاني في الحزب، في ما يشبه انقلاباً أبيض، يواجهه كوربين بالإصرار على البقاء.

ولا يبدو الحال أفضل في حزب "المحافظين"، إثر انطلاق معركة خلافة كاميرون، الأسبوع الماضي. وأوردت صحيفة "ذي أوبزرفر"، إن رئيس بلدية لندن السابق وزعيم معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، بوريس جونسون، يستعدّ لشنّ حملة لزعامة الحزب، إلا أن مؤيدي البقاء، وفي مقدمتهم وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، عازمون على التصدي له.

وما يزيد الوضع الداخلي البريطاني تعقيداً، هو أن الحكومة البريطانية لا تبدو جاهزة للشروع في مفاوضات الخروج مع الاتحاد الأوروبي، إذ إن رئيس الحكومة المستقيل لا يرغب بمباشرة الأمر، ويُفضّل تركه لرئيس الحكومة الذي سينتخب في المؤتمر العام لحزب المحافظين الحاكم في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أو ربما الذي ستفرزه انتخابات عامة مُبكرة، لا يستبعد المراقبون تنظيمها في نهاية العام أو مطلع العام المقبل.

"عدم الاستعجال" في "الطلاق" تفضله جميع الأطراف البريطانية، بما فيها بعض من صوّتوا لصالح الخروج، كما أكد زعيم هذا المعسكر جونسون. وكتب جونسون في مقال نشرته صحيفة "ديلي تلغراف"، أن "التغيير الوحيد الذي لن يتم بتسرّع هو أن بريطانيا ستخرج من النظام التشريعي المعقّد وغير الشفاف في الاتحاد الأوروبي".

من جهتها، لا ترى المؤسسات الأوروبية، أي مبرر لذلك، إذ "لا تحتاج الحكومة البريطانية إلى الانتظار، حتى شهر أكتوبر، لتقرر ما إذا كانت سترسل رسالة الانفصال إلى بروكسل أم لا"، وفقاً لرئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الذي يود الحصول على رسالة الانفصال سريعاً.

أما وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، فقد حذّر في رد على الاستعجال الأوروبي، أمس الإثنين، من أن "بريطانيا لن تُطبّق المادة 50 من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا في الوقت المناسب". وأوضح أن "بريطانيا وحدها قادرة على مباشرة تطبيق المادة 50. لن نقوم بذلك إلا عندما تتوافر لدينا رؤية واضحة للترتيبات الجديدة مع جيراننا الأوروبيين". وأضاف أوزبورن أن "كاميرون وبقرار إرجاء تطبيق المادة 50 ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للحكومة في الخريف، إنما أمهل البلاد بعض الوقت ليتسنى لها اتخاذ القرار حول العلاقة الجديدة التي ستقيمها مع الاتحاد".

ولزيادة الضغوط الأوروبية من أجل تنفيذ قرار الخروج من الاتحاد، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه زونتاغ تسايتونغ" الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر، يوم الأحد، تعتزم الكتل البرلمانية الأربع الكبرى بالبرلمان الأوروبي: كتلة حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيون والليبراليون والخضر، مطالبة كاميرون، بتوضيح رغبة الخروج من الاتحاد، خلال لقاء رؤساء دول وحكومات الاتحاد، اليوم الثلاثاء، ومن ثم بدء إجراءات الخروج.

وأفادت الصحيفة أن "مذكرة الجلسة الخاصة للبرلمان الأوروبي تعتبر أن توضيح كاميرون ضروري، من أجل تجنّب حالة الريبة الضارة للجميع وضمان سلامة الاتحاد الأوروبي". كما تعتزم الكتل البرلمانية الأربع "عدم السماح بالاتفاق على أي شكل لعلاقة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قبل إنهاء اتفاق الخروج". ويرى مراقبون، أن الجانب الأوروبي يسعى إلى تسريع إجراءات خروج بريطانيا حتى تتعظ بعض الدول المشككة في الاتحاد الأوروبي من أن تحذو حذو بريطانيا. وهو أمر أشار إليه يونكر.

من جهته، وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، رد على التهديدات الأوروبية بأن "بلاده لن تخضع لضغوط دول الاتحاد الأوروبي، ولن تستعجل في إخطار بروكسل بقرار الخروج من الاتحاد". وقال هاموند: "الإطار الزمني (للخروج من الاتحاد) يبقى بالنسبة لبريطانيا من دون تغيير، أما شركاؤنا الأوروبيون فيريدون أن نفعل ذلك بسرعة، نحن نتعرض لضغوط، لكن المفاوضات لن تبدأ قبل تنفيذ المادة 50 من معاهدة لشبونة".

ويُشكك دبلوماسيون أوروبيون في نية بريطانيا تفعيل المادة 50. في هذا الصدد، أبلغ دبلوماسي أوروبي "سكاي نيوز"، اعتقاده الشخصي أنّ "البريطانيين لن يُبلّغوا أبداً الاتحاد الأوروبي نيتهم الخروج منه". وأضاف: "نريد من لندن أن تباشر المادة 50 الآن، حتى تتضح الأمور. وبما أنه لا يمكننا إرغامهم على ذلك، أتوقع بالتالي أن يأخذوا وقتهم".

أما صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، المؤيدة للخروج البريطاني، فتزعم وجود مؤامرة لعرقلة الخروج بعد الاستفتاء، الذي شكّل صدمة كبيرة في جميع أنحاء العالم. وذكرت الصحيفة أن "السياسيين البريطانيين والأوروبيين، يخططون لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومحاولة تقويض الإرادة الديمقراطية للشعب البريطاني عن طريق تخريب خروج المملكة المتحدة". وأشارت إلى "بدء حملة لفرض استفتاء ثانٍ بعد انتشار الفوضى في حزب العمال". وقالت الصحيفة إن "رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، الذي دعا إلى استفتاء ثانٍ، ورئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا سترجون، التي هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أطراف في المؤامرة".

يُذكر أن المادة 50 من معاهدة لشبونة الموقعة عام 2007، تنصّ على أنه من أجل الشروع في إجراءات الانسحاب، على بريطانيا إبلاغ المجلس الأوروبي المؤلف من رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء بنيتها الخروج من الاتحاد، وأن تتفاوض بعد ذلك على مدى سنتين كحدّ أقصى، في "اتفاق انسحاب". ولم يسبق تفعيل هذه المادة من قبل.



المساهمون