بريد العتيبة... هكذا دفعت الإمارات ملايين الدولارات لإسكات أحد ضحايا تعذيبها

14 يوليو 2017
بن زايد شهد بعض عمليات التعذيب بنفسه (موني شارما/ِAFP)
+ الخط -
كشف موقع "ذا إنترسبت"، في تقرير له، أن مواطناً أميركيّاً كسب قضيّة تعذيب ضدّ ثلاثة من كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في الإمارات، وحظي إثر ذلك بتسوية قدرها عشرة ملايين دولار، بعد أن أثبتت برقيّات وزارة الخارجية الأميركية أن الرجل تعرّض للسجن والتعذيب كما ادعى.

وأشار الموقع إلى أن تلك التسوية، والتي بقيت سريّة ولم يبلّغ عنها سابقاً، قد تمّ دفعها في مايو/أيار 2013، وفقاً لوثائق مستخرجة من بريد السفير الإماراتي لدى الولايات المتّحدة، يوسف العتيبة

والجدير ذكره، في هذا السياق، أن مثل تلك التسويات الماليّة المقدّمة لضحايا التعذيب تعتبر نادرة جداً، وهو ما يجعل هذه القضيّة أكثر إثارة للاستغراب، بحسب الموقع.

وأشار الموقع إلى أن قضية المواطن الأميركي خالد حسن، والذي تعرّض للتعذيب، قد رُفعت إلى إحدى المحاكم الفدرالية في لوس أنجليس ضدّ ثلاثة من كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في الإمارات، وهم: ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، المعروف قرب العتيبة منه، ورئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، والجنرال سعيد هلال عبدالله الدرمكي.

وكان أمام تلك القضيّة، بحسب الموقع، ما هو أبعد من العقبات الجيوسياسيّة التي يجب تخطّيها؛ فقد كانت تبحث عن تحقيق العدالة حيال قضية اختطاف تعود إلى يناير/ كانون الثاني 1984، حينما كان خالد حسن يعمل مستشاراً بخصوص تعاقدات شراء سلاح، لصالح أحد أعضاء العائلة المالكة.

 في ذلك الوقت، كانت الشخصيات الثلاث المدّعى عليها منخرطة في تجارة الأسلحة أيضاً، وكان هؤلاء منافسين للشخص الذي يعمل خالد حسن لصالحه، كذلك كانوا يحاربون للارتقاء في هياكل السلطة الإماراتية.

وبحسب خالد حسن، فإن بن زايد نفسه شهد شخصيّاً على بعض عمليّات التعذيب التي تعرّض لها. ويقول في الدعوى إنه كان محتجزاً في زنزانة من دون نوافذ، مساحتها محصورة بين 7 إلى 10 أقدام، طولاً وعرضاً، ومكث فيها حتّى نوفمبر/تشرين الثاني 1985، تحت وطأة الضرب المستمر، معصوب العينين لأيام متتالية عدة أحياناً، ومع مكيّف هواء يتمّ تعطيله في فصل الصيف، ودرجات حرارة تصل حتّى مستويات مرتفعة جداً. كذلك كانت قدماه وساقاه مقيّدة، وكانت تتمّ تغذيته بسوائل كريهة المذاق تسبّب "ألماً شديداً وهلوسة". وخلال تلك المدّة، ظلّت وزارة الخارجيّة الأميركية تعمل بشكل مطّرد على تحديد مكانه وزيارته، بحسب ما تظهر البرقيّات.



تلك الدعوى، كما يكشف الموقع، جرى رفعها في شباط/ فبراير 2009، أي بعد أسابيع قليلة من تولّي إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، مهامّها في البيت الأبيض. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، حذّر القاضي من احتمال رفض القضيّة بسبب نقص الإجراءات العمليّة، في الوقت الذي لم يحضر فيه المدّعى عليهم، الموجودون داخل الإمارات، أثناء مداولات القضيّة، لذا قدّم محامو خالد حسن، العتيبة بديلًا، وقد لاقى الأمر قبول القاضي.

وللتغلب على إنكار حكومة الإمارات المتواصل، استشهد محامو خالد حسن ببرقيات وزارة الخارجية التي تمّ الكشف عنها في عام 2006، وأظهرت أن المسؤولين في السفارة الأميركية في أبوظبي حاولوا تحديد موقع الضحية، وتأمين الإفراج عنه.

وفي إحدى الرسائل الواردة إلى بريد العتيبة، والمؤرّخة في 2 يوليو/ تموز 2010، يكتب أحد محامي بن زايد، وهو يقيم في أبوظبي، واسمه هاميلتون لويب، للسفير الإماراتي، أن حسن قدّم تسع برقيّات للخارجيّة الأميركية تعود إلى عامي 1984-1985، ويعترف له بأنها "شنيعة بعض الشيء". في تلك البرقيّات تحديداً، تفيد السفارة الأميركية بأنّه بعد الإنكار الأولي؛ أقرّت السلطات الإماراتية بأن "حسن كان محتجزاً من قبل جهاز أمن الدولة الخاص.. تحت إشراف شخصي من مستويات عليا في الحكومة".


وينصح لويب العتيبة، في رسالته التي يكشف عنها الموقع، بأن البرقيّات جعلت الإنكار مستحيلاً بالنسبة للإمارات، ومنحت القضيّة مصداقيّة ينبغي على المسؤولين في أبوظبي أخذها بجدّية، لا سيما بالنظر إلى الآثار الجيوسياسية التي يمكن أن تترتّب على ذلك.

ويشير الموقع، عطفًا على ما سبق، إلى أن العتيبة ووزير خارجية البلاد، عبدالله بن زايد، عملا بجدّ خلف الكواليس لحماية الأسرة الحاكمة من المسؤولية، وتمكّنا من ذلك، مع نجاح محدود. في هذا السياق، يشرح التقرير أن القانون الأميركي يوفّر إمكانية لإزالة اسم رئيس دولة ما من دعاوى قضائيّة ترفع ضدّه، على أن يكون ذلك مقترناً بأغراض دبلوماسية، وقد نجح العتيبة في الضغط على الخارجية الأميركية لطلب إزاحة رئيس الإمارات عن القضيّة، غير أن وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، رفضت أن تقدّم الخدمة ذاتها لمحمد بن زايد، أو الجنرال الدرمكي.

وفي 9 يناير/ كانون الثاني 2011 شكر وزير الخارجية الإماراتي كلينتون ووزارة العدل لضمانهما حصانة الرئيس. وكدليل على مدى خطورة القضيّة بالنسبة للإماراتيين، يكشف الموقع أن بن زايد نقل إلى كلينتون أنه يريد إدراج هذا الموضوع على أجندة زيارتها المقبلة إلى الخليج.

لاحقاً، أعدّ العتيبة محاور للنقاش مع فريق قانوني أميركي، وفقاً للرسائل التي تظهر على بريده، معتمداً على سابقة حقّقتها إسرائيل؛ الدولة التي لا تعترف بها الإمارات رسميّاً، لكنهما تعملان معاً داخل واشنطن في كل ما يتّصل بالقضايا الإقليمية، كما يرد في تقرير الموقع. وفي الرسالة التي تتضمّن محاور النقاش، يقول العتيبة: "الإمارات تحتاج الآن إلى استجلاب تدخّل الدولة، لفرض حصانة الأفعال الرسمية. إذا فعلت الدولة ذلك؛ فمن شبه التلقائي أن القاضي سيرفض الادعاءات (المتهم)". ويتابع العتيبة قائلاً: "هذه هي الحصانة ذاتها التي استخدمها الإسرائيليون بنجاح، على سبيل المثال، لاستجلاب تدخّل الدولة في قضية قصف شقّة في غزة ضدّ آفي ديختر".

غير أن هذا المنطق لم يحقّق النتائج ذاتها بالنسبة للإمارات، كما يستطرد التقرير، وظلّ اسم بن زايد في القضيّة، حينما تمّ استبدال كلينتون بوزير الخارجية السابق، جون كيري، ليعود العتيبة للضغط عليه من جديد. وفي 25 مارس/ آذار 2013، تصل رسالة إلى بن زايد من كيري نفسه، يبدأها بـ"صاحب السمو، كان من دواعي سروري أن أراك في أبوظبي في 4 مارس/آذار، وأشكرك على الرسالة التي تخصّ قضية حسن ضد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان".

وفي نصّ الرسالة الكامل، يرد الآتي: "المحامون من مكتب المستشار القانوني في وزارة الخارجية الأميركية التقوا أخيراً بهاميلتون لويب، أحد محامي الشيخ محمد (بن زايد)، وناقشوا معه طلباً بأن تقدّم الولايات المتّحدة اقتراح الحصانة باسم الشيخ محمد. الوزارة ستواصل مراقبة هذه القضية عن كثب، وسنواصل اتصالاتنا مع السيد لويب بشأن التطورات في دعاوى القضية".

غير أنّ كلّ ذلك لم يكن كافياً لإسقاط اسم بن زايد من الدعوى كليّاً، وبدلاً من ذلك، فإن "ريشة كيري الدبلوماسية"، بحسب تعبير كاتب التقرير، دفعت قادة الإمارات إلى المسارعة نحو الحصول على تسوية مالية.

وبحلول الثاني من مايو/ أيار 2013، بعد بضعة أسابيع فقط من رفض كيري، تمّ توقيع الاتفاق من الطرفين، وتعليمات البرقيّات بدفع مبلغ عشرة ملايين دولار تمّ تعميمها من قبل العتيبة. والحالة آنذاك: صمت مطبق في الصحافة.

(العربي الجديد)

المساهمون