برج حمود اللبنانية: شجار الأرمن والأكراد يورث خوفاً بالشارع

بيروت

دجى داود

avata
دجى داود
31 مايو 2014
29C62134-3DD2-44EC-A2C7-8B902D0139D0
+ الخط -
تغيّر شكل منطقة برج حمود خلال أسبوعين. لم تعد شوارع المنطقة الواقعة في ضاحية بيروت الشرقيّة مزدحمة. غاب كثير من المتسوقين الذين كانوا يقصدون المنطقة لشراء حاجياتهم بأسعار أرخص. يتذمّر صاحب محل في المنطقة من الوضع. يشتكي لجاره، وهو صاحب محلٍ آخر ضعف الحركة التجاريّة، فيتلقى الرد: "الناس خائفة. سينجلي ذلك بعد فترة".

ليس جديداً على منطقة برج حمود، في ضاحية بيروت الشرقيّة، ما يحدث فيها. خليط من العنصريّة ورهاب "الآخر المختلف"، بالإضافة إلى الكيديات السياسيّة والإشكالات المتجدّدة. كلّ هذا، كافٍ ليجعل المنطقة مخيفة حتى في وضح النهار.

إشكالات مُتجدّدة مع الأكراد

يظهر جلياً للمارة في شوارع المنطقة أنّ أمراً ما ليس على ما يرام. تغيب الحركة الكثيفة عن المنطقة. لا يوجد غير الشباب المتجمّعين لتدخين النرجيلة في الأزقة. يحدّق هؤلاء بكلّ مَن يمرّ في الشارع، وكأنهم يترقّبون أحداً أو أمراً ما. يزيد الأمر تأكيداً، تحذير شرطيّ من الذهاب إلى منطقة الإشكال: "الناس لم تنسَ بعد، وقد يتعرّض لك أيّ شخص هناك".
في الثامن عشر من أيار/ مايو الحالي، حدث شجار في منطقة برج حمود بين شابّ لبنانيّ وآخر كردي سوري. اختلفت الروايات حول السبب. في الرواية الأولى، فإن الإشكال بدأ بعدما تحرش الشاب الكردي، كلامياً، بفتاة، والثانية قالت إنّ سبب الإشكال يتعلق بخلاف على موقف سيارة.


ما تسمعه في الشارع نفسه حول أسباب المشكلة يختلف بين شخص وآخر. الأكيد أنّ النتيجة كانت دمويّة. فقد قام الشاب الكرديّ بإلقاء قارورة غاز من الطابق الأول على أشخاص لاحقوه إلى منزله على إثر الإشكال، ما أدّى الى إصابة الشاب الياس كلش. دخل كلش في غيبوبة، فيما سُجن الشاب الكردي، وبقي الاحتقان في المنطقة على حاله. قامت بلديّة برج حمود إثر ذلك بإصدار قرار بمنع الأجانب، وتحديداً السوريين، من التجوّل بعد الساعة الثامنة مساءً في المنطقة. كما تمّ إقفال عدد من المحال التجاريّة التي يملكونها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أدّى إشكال في المنطقة إلى مطالبة الأرمن اللبنانيين، المنتمين إلى أحزاب مؤيدة للنظام السوري، الأكراد السوريين بإخلاء منازلهم ومغادرة بيوتهم. حدث ذلك بعد مشاركة الأكراد في تظاهرات ضد النظام السوريّ في بيروت. حينها، كانت الأزمة السوريّة في بدايتها، وكانت التظاهرات لا تزال تجوب شوارع بيروت.
وتشير التقديرات، بحسب مصدر في بلديّة برج حمود، إلى وجود 50 ألف كردي سوري في المنطقة، وقد كان عددهم نحو ثمانية آلاف في العام 2011.

أبعاد سياسيّة

يُرجع البعض ما يحصل في منطقة برج حمود إلى خلفيّات سياسيّة. يقول الناشط الكرديّ في لبنان، مروان كوباني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما حصل في برج حمود، الإشكال الأخير، تمّ استغلاله من قبل جهات موالية للنظام السوري، وذلك لإجبار الأكراد في لبنان على التصويت للرئيس السوري بشار الأسد في الانتخابات الرئاسيّة".
يرى كوباني أنّ "الأكراد معروفون بمعارضتهم للأسد، وقد خرجوا في تظاهرات ضده في بيروت في العام 2011. تسبّب هذا الأمر بمضايقات لهم في مناطق وجودهم، والتي تعود السيطرة فيها لأحزاب موالية لقوى 8 آذار في لبنان (الموالية للنظام السوري)". ويضيف: "الأكراد استقبلوا الأرمن في مناطقهم في سورية بعد تعرّض مناطق الأرمن لهجوم، فلماذا نُعامل هكذا في مناطق الأرمن في لبنان؟".

يُهيمن حزب الطاشناق الأرمني في منطقة برج حمود، رغم وجود مكاتب لعدد من الأحزاب اللبنانيّة في المنطقة.  في عام 2011، طلب عدد من المنتمين للحزب من الأكراد مغادرة البيوت التي تم تأجيرها لهم. وقد اعتبر عضو اتحاد تنسيقيات الأكراد، صالح دميجر، أنّ "الأمر لم يكن صدفة بريئة بعد خروج الأكراد في تظاهرة ضد النظام السوريّ بيوم واحد".
وقال دميجر، في حديث تلفزيوني حينها، إنّ "هناك أصحاب منازل ليسوا من الأرمن لم يطلبوا من المستأجرين الأكراد المغادرة". لكنّ النائب هاغوب بقرادونيان وضع الأمر حينها في خانة "تسوية أوضاع العمالة في المنطقة وتسجيل الإيجارات في البلديّة والتأكّد من الأوراق الثبوتيّة للأجانب".


يجزم نائب رئيس بلديّة برج حمود، جورج كريكوريان، من جهته أنّ الإشكال لا يندرج في الصيغة التي يتمّ الترويج لها من قبل بعض الوسائل الإعلاميّة. يقول كريكوريان، لـ"العربي الجديد": "الحوادث تحصل في كل المناطق بين الشباب دون تمييز فئوي على الصعيد المذهبي والديني أو على الصعيد العرقي. وبعد الحادث الفردي والتحقيقات بالإشكال، هناك مَن استغلّ الوضع وتم تجييش الموضوع لإعطائه طابعاً أكبر من الحقيقة وتوسيعه". ويضيف: "الإشكال الذي حصل لم يكن الأرمن طرفاً فيه، بل هناك أفراد تم الاعتداء عليهم أمام الكاميرا. لكن لم يكن هناك أرمن كجماعات أو أحزاب سياسيّة على علاقة بالأشكال. هناك مَن يريد أن يعطي الإشكال طابع أنّه واقع بين الأرمن والأكراد، وهو ليس كذلك".

برج حمود ترتع في الخوف

تسلّل الخوف بعد الإشكال الأخير إلى نفوس جميع ساكني برج حمود. لا يقبل أهلها الظهور أمام الكاميرا، رغم مسارعتهم للإجابة عن أيّ سؤال حول الأحداث. يعتبر معظم الأهالي أنّ "ظهورهم أمام الكاميرا سيؤدي لنتائج سلبيّة عليهم". يتحدّث جميع أهالي "شارع الإشكال" عن أمر واحد: "عنف الأكراد".
تختلف طريقة الوصف من شخص لآخر، لكنّ الجميع يتشاركون قصّة واحدة عن "سواطير وسكاكين يحملها الأكراد في المنطقة". لكنّ نائب رئيس بلديّة برج حمود ينفي هذا الأمر، ويقول: "هناك الكثير من الأشخاص المعنيين بنشر هكذا أخبار وأقاويل. لكنّي شخصياً لم أرَ أي ظاهرة مشابهة حتى الآن".
يقول جوزيف، والذي رفض الظهور أمام الكاميرا أو إعطاء اسمه الحقيقيّ، إنّ "الأكراد سيطروا على منطقة برج حمود. هم أصبحوا في كلّ مكان، ولم يعد هناك ما نفعله". كان جوزيف موجوداً في الشارع خلال الإشكال الأخير. يسأل: "لماذا رُميت قارورة الغاز على الياس كلش؟ الياس اليوم في المستشفى، وهو كان يدافع عن الكرديّ الذي حصل معه الإشكال. هو مَن دفع الثمن". ويضيف: "لا يمكننا أن نعامل الأكراد بطريقة جيّدة بعد اليوم".
يرفض الياس (اسم مستعار) تعميم صفة "الإجرام" على الأكراد والسوريين. يقول الأخير: "أنا عامل كهرباء. يعمل لديّ عمال سوريون. هم مسالمون ولم أرَ منهم أيّ سوء. لكن هناك مجرمون تسلّلوا إلى العيش بيننا، وهم بأغلبيّتهم بلا أوراق ثبوتيّة".
يُفرّق جميع الموجودين في الشارع بين الأرمن واللبنانيين، وبين الأكراد والسوريين. ففي هذه المنطقة خليط من المسلمين والمسيحيين اللبنانيين، والأرمن السوريين واللبنانيين، والأكراد السوريين والعراقيين، إضافة إلى المهاجرين الأجانب. وفي المنطقة أيضاً، أحياء فقيرة عمرها مئات السنين، يتزعم أزقتها زعماء حارات وشباب الحارة.

يتحدث بولس أن الإشكال الأول في المنطقة "حصل منذ سنتين، والإشكال الثاني في المنطقة حصل منذ فترة واستعملت فيه الأسلحة البيضاء، بينما الثالث كان في الشهر الحاليّ". ويقول بولس: "عندما نذهب إلى سوريا لا يمكننا التحرك من دون إقامة عمل، بينما هم يتجوّلون بلا أوراق ثبوتيّة". يعتبر بولس أن السوريين يفتعلون الإشكالات في الليل، ولذلك يجب أن يتمّ منعهم من التجوّل كما فعلت البلديّة". ويضيف: "تكفينا ثلاثين سنة"، في إشارة إلى أعوام احتلال الجيش السوري للبنان.

لم يتم منع السوريين من التجول ليلاً فقط، بل أقفل عدد من المحال التجارية. يقول كريكوريان في هذا الإطار، إنّ "البلديّة ليس لها صلاحية إقفال المحلات، وإنما هي ترسل كتاباً إلى السلطات المعنيّة، والقوى الأمنية هي التي تقفل المحلات". يشرح كريكوريان أنّ "المحلات التي تمّ إقفالها هي أماكن مخالفة، وهي ليست لسوريين وأكراد فقط، بل إنّ هناك محلات لأرمن أيضاً، وما حصل هو فقط طلب تسوية الأوضاع القانونيّة للمحلات". ويشدّد الأخير على أنّ "الحملة ليست عنصرية ولا تهدف إلى التهجير ولا غيره".

استهداف للأكراد

يتحدّث مروان الشيخ حسن عن هربه من سورية منذ نحو عامّ. يقول الشيخ حسن إنّه كان مطلوباً سياسياً وعسكرياً في سورية. يعتبر الأخير أنّ "وضع الأكراد في منطقة برج حمود في الآونة الأخيرة صعب جداً". ويقول: "هناك عائلات لم تخرج من منازلها منذ إصدار القرار. طلاب الجامعات لا يذهبون إلى كُلياتهم. والعمال الذين يعملون ليلاً لا يمكنهم العودة إلى منازلهم، بل إنّ هناك أشخاصاً تعرّضوا للضرب أيضاً".
ليس كلام مروان من فراغ، فآثار الضرب لا زالت واضحةً على ظهره. يروي الأخير أنّه "تلقّى ضربة غدر من عصا بينما كان يتحدّث على الهاتف باللغة الكرديّة في ساحة برج حمود في الساعة الثامنة ليلاً". لا يعرف مروان مَن اعتدى عليه، ولا يتهم أحداً، لكنه يسأل: "ما المشكلة في أن أتكلم الكرديّة؟ أليس هذا بلد التعايش والحريّات؟ وإن أخطأ كردي لماذا سندفع كلنا الثمن؟".
يعرب عدد من الأكراد الذين التقتهم "العربي الجديد" عن خوفهم من الحديث للإعلام. يطلب هؤلاء الحديث عن أحوالهم التي تسوء يوماً بعد يوم، لكنّهم لا يقولون الكثير. يروي محمد، من جهته، كيف تعرّض لاعتداء من خمسة أشخاص في الشارع في المنطقة أيضاً. لا يحتاج محمد إلى الشرح كثيراً، فالكدمات لا تزال تغطّي وجهه وظهره ويداه. يقول: "تعرضت للركل والضرب المبرح. لا أعلم مَن كانوا". أمّا ديار، فيعتبر أن "الكرد يتعرّضون لحملة مليئة بالعنصريّة في الآونة الأخيرة".

يرفض نائب رئيس بلديّة برج حمود اعتبار قرار البلديّة منع تجوّل السوريين بالعنصري. يرى الأخير أنّ "قرار بلدية برج حمود جاء لضبط الوضع على الأرض، واتُّخذ بناءً على تمنيّات من الجهات المعنيّة، وسنرفع القرار إذا سمحت الظروف الأمنيّة".

ما يحصل في برج حمود لا يقتصر على المنطقة وحدها. تكرّرت هذه الأحداث في عدد من المناطق التي نزح إليها عدد كبير من اللاجئين السوريين. ما يحصل في برج حمود ليس اضطهاد أقلية لأقلية أخرى فقط. ما يحصل في المنطقة، هو ما يحصل في كلّ المناطق اللبنانية. هو الخوف من الآخر، لمجرد أنه مختلف.

ذات صلة

الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
الصورة
لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)

مجتمع

تتكرّر حوادث التحرش والاغتصاب في لبنان، وبرزت معلومات حول توقيف مدير مدرسة وأستاذ رياضة وموظف أمن، بتهمة تحرش بقاصرات في إحدى المدارس في بلدة كفرشيما
الصورة

سياسة

أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، اليوم الأربعاء، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بـ"عملية هجومية" في جنوبيّ لبنان بأكمله.
الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.